الاقتصاديون الاستقلاليون يوصون بتقليص الفوارق الاجتماعية ودعم الطبقة المتوسطة عبر الضريبة

المصطفى أزوكاح

تعتبر رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين أن أي عملية تفكير، تَنْصَبُّ على إصلاح الإطار الجبائي، ينبغي أن تروم توسيع الوعاء الضريبي وتقليص أسعار الضريبة، وذلك في إطار منظومة جبائية يجب أن يرى فيها المُلْزَمِون منظومة مشروعة ومُنصِفة.

ويرون أن المنظومة الجبائية "يتعيَّن أن تكون قادرة على تحفيز الاقتصاد، وأن تتميز بالشفافية والبساطة والوضوح والفعالية والاستقرار على المدى المتوسط، وأن تقوم على التضامن والعدالة، ولا تترك مجالا لأي شكل من أشكال الشطط".

وأكدت الرابطة في المساهمة التي كشفت عنها، أول أمس الثلاثاء بالدار البيضاء، قبل المناظرة الوطنية حول الضريبة، التي ستشهدها الضخيرات في يومي الثالث والرابع من ماي الجاري، على رفض "أي نوع من الانتهازية الضريبية والإملاءات الفئوية التي تفرضها القوى الاقتصادية والتي قد تُعَرِّضُ اقتصادنا للخطر"،  وتشدد على ضرورة أن يكون النظام الجبائي، الذي سيتمخض عن المناظرة، والتي ستفضي إلى بلورة قانون إطار، مبنيا على مبادىء، البساطة،و التضامن، والاستقرار والنجاعة.

حلم التبسيط

لاحظت الرابطة أنه أمام الضغط الذي تشهده المالية العمومية، وجد المشرع نفسه مضطرا إلى إجراء تعديلات متتالية على الإطار القانوني المنظم للجبايات، وإلى مضاعفة الاستثناءات الضريبية.

وأكدت على أن تبسيط الإطار الجبائي، يجب أن يشمل أيضا تقليص الأسعار المطبقة على مستوى كل فئة من فئات الضرائب المباشرة وغير المباشرة.

وشددت على ضرورة وضع إطار مُرَكَّزٍ ومُبَسَّطٍ، غير قائم على التشكيك في نية المُلزَم، خاص بالإقرار السنوي بالمداخيل، بجميع أصنافها، على أن تواكب هذا الإطار تدابير للتواصل والشرح تستهدف جمهور الملزَمين بأداء الضريبة.

هاجس التضامن

وتوصي الرابطة بـ"إرساء نظامٍ جبائي يُمَكِّنُ من تقليص التفاوتات الاجتماعية والمجالية، لا سيما من خلال العمل على توفير موارد خاصة للمجالات الترابية الأكثر حاجة، وعبر تمويل جزء من آليات الحماية الاجتماعية، وتقليص النفقات التي يتحملها المواطنون ذوو الدخل المحدود".

وتشير إلى ضرورة "إعادة توزيع جزء من المداخيل الضريبية، المتأتية من أرباح المشاريع الكبيرة، من أجل تقليص المساهمات الاجتماعية المقتطعة من المداخيل المنخفضة، مع العمل في الوقت ذاته على تقليص الاقتطاعات المطبقة على الأجور والتي تقوض القدرة التنافسية للمقاولات الصغرى والمتوسطة وتشكل عائقا أمام إحداث مناصب الشغل، وتحول دون توظيف ذوي المؤهلات العالية، حيث صار اللجوء لخدمات هذه الأخيرة مكلفا للغاية بالنسبة لتلك المقاولات".

ويتصور الاقتصاديون الاستقلاليون أنه يمكن أن تحل الأتاوى الواجب أداؤها عن الأنشطة المقننة والمحمية بأذون محددة أو "تراخيص"، والتي التي يتم احتسابها على أساس الأرباح الخاضعة للضريبة، محل فروق أسعار الضريبة على الشركات الجاري بها العمل. كما يمكن استعمالها في تمويل التضامن مع المجالات الترابية.

وشددوا على التضامن مع المجالات الترابية التي تعوزها الموارد اللازمة لتمويل مشاريعها التنموية، والتوجه نحو خلق تضامن بين الأجيال، من خلال توفير موارد تسمح بتخفيف الدين العمومي، وحماية البيئة، والمحافظة على الموارد البيئية وإعادة إحيائها، حيث يمكن تمويل هذا التضامن عبر الرسوم البيئية، والرسوم عن استعمال الموارد الطبيعية مثل المقالع، والمناجم،و المياه، والموارد الغابوية، والمصائد، والقنص، …)، مشيرة إلى ضرورة أن تذهب عائدات بعض هذه الموارد، كلا أو بعضا، حسب طبيعتها، إلى الجماعات الترابية (الجماعات و/أو الجهات).

مطلب الاستقرار

وتتصور الرابطة أن "عدم الاستقرار أحد الانتقادات الرئيسية التي تُوَجَّهُ لنظامنا الجبائي" موضحة أنها "في كل سنة تقريبا، تتغير أنظمة فرض الضريبة وطريقة احتسابها وآليات معالَجتها، مما يحول دون توفر الفاعلين الاقتصاديين على رؤية واضحة في هذا المضمار. وهو وضع يَضُر بمجالي الاستثمار والتشغيل".

وتعتقد  أنه ينبغي أن يُحدِّد القانون-الإطار المنشود، المبادئ الجبائية الرئيسية للسنوات العشر المقبلة، مع ضمان استقرار الأسعار الضريبية وطرق احتساب الضرائب والأساس المعتمد لفرضها على مدى 5 سنوات، والانكباب بشكل خاص على ضمان الالتقائية والانسجام بين النظام الجبائي الوطني والمحلي.

حفز التشغيل

ويلاحظ الاستقلاليون من أهل الاقتصاد أنه بات من الضروري أن يجمع أي إصلاح جبائي بين تدابير خفض أسعار الضرائب والرسوم وتوسيع الوعاء الضريبي، مضيفين أنه يجب أن يسمح هذا الإصلاح بتحقيق مردودية أفضل للمنظومة الجبائية، مع تشجيع خلق فرص الشغل والنهوض بالنمو.

ويقترحون  إدراج اعتماد الاستثناءات والتحفيزات الضريبية، في إطار تحقيق أهداف سياسة اقتصادية محدَّدَة، ترمي تأطير وتوجيه النشاط الاقتصادي والاستثمارات الخاصة المُولِّدة لفرص الشغل والثروة، وكذا توجيه تلك التحفيزات لفائدة قطاعات أو مناطق أو مشاريع معينة. وينبغي الحرص على ضمان حكامة جيدة لهذا المجال سواء على مستوى التدبير الإداري أو التطبيق السليم للقواعد الجبائية. إذ لا ينبغي أن يشعر أي مُلْزَمٍ أنه يؤدي الضريبة بدلا عن الآخرين.

الامتثال الضريبي

ويعتبر الاقتصاديون الاستقاليون أن الحكامة الجبائية الجيدة والامتثال الضريبي، يقومان على جملة من المبادئ الأساسية والشروط القبلية، حيث يحددونها في النهوض بحس المواطنة في صفوف المغاربة، وإعادة بناء ثقتهم في المؤسسات العمومية (الحكومة والإدارات والجماعات المحلية)؛ وضمان سيادة القانون وتطبيقه على جميع المغاربة دون استثناء؛ وضمان تقديم خدمات عمومية قائمة على مبادئ الإنصاف والنجاعة والفعالية والمرونة، مكافحة الفساد واقتصاد الريع والامتيازات غير المبرَّرَة.

إنصاف الطبقة المتوسطة

وتتصور الرابطة أن النظام الجبائي "يُوَلِّدُ عبئاً ضريبياً "موزعاً بشكل سيئ"، بسبب تركيز بعض الضرائب على فئة من الفاعلين الاقتصاديين (2 في المائة من المقاولات تساهم بـ 80 في المائة من العائدات الضريبية المتأتية من الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة). وبالموازاة مع ذلك، لايزال عدد كبير من الملزَمين (أشخاص ذاتيون أو اعتباريون) خارج الدورة الاقتصادية "الخاضعة للضريبة".

وتعتبر أن الضرائب غير المباشرة، تشكل جزءاً مهماً للغاية من إجمالي المداخيل الضريبية، مشيرة إلى أن الطبيعة العشوائية للضريبة غير المباشرة وتأثيرها على الأسر ذات الدخل المحدود، تُسائِلُ مدى عدالة النظام المعتمد حاليا.

وتلاحظ على هذا المستوى أن أن الضريبة على القيمة المضافة، التي تشمل المنتجات الأساسية، تثقل كاهل الملزَمين من ذوي الدخل المحدود أكثر من ذوي الدخل المرتفع، موصية بتخصيص حصة من عائدات الضريبة على القيمة المضافة من أجل تمويل برامج التضامن، كطريقة لإعادة التوزيع العادل للمداخيل الضريبية، وآلية لتخفيف العبء الضريبي "غير المباشر".

وتسجل أن "عدم حياد الضريبة على القيمة المضافة إلى تنامي القطاع غير المنظم، ويدفع بالملزَمين "المترددين" المشتغلين في القطاع المنظم نحو الممارسات غير النظامية (الفوترة المنقوصة...)، بل إنه يؤثر سلبا على مردودية هذه الضريبة ".

وترى أن  وِحْدَة نظام الضريبة على الدخل، تتأثر سلبا بوجود جملة من الاستثناءات التي تسمح بتطبيق أسعار ضريبة وفق منطق تناسبي. حيث إن النظام المعمول به حاليا، والذي يوصف بكونه "نظام مزدوج"، لا يُخضِع جميع فئات الدخل للضريبة بطريقة متساوية لنفس الضريبة، وذلك بالنظر لوجود جدول تدريجي (يشمل الدخل المتأتي من الشغل وأرباح المقاولات) وجدول تناسبي (يُطبَّق على الدخل المتأتي من رأس المال، مع اعتماد سعرين تناسبيين بموجب قانون المالية لسنة 2019 يطبقان على المداخيل العقارية). وينجم عن هذا الإطار عدد من الاختلالات والتحويلات بين مختلف آليات الادخار.

وتوصي بتوحيد فرض الضريبة على مجموع فئات الدخل، مع اعتماد تضريب تدريجي؛ ومراجعة شرائح الجدول التدريجي المعتمد حاليا في تحديد الضريبة على الدخل، والعمل كل ثلاث سنوات على مواءمة هذه الشرائح مع معدلات التضخم، لضمان مواكبة الواقع الاقتصادي؛ وزيادة القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، عبر الرفع من سقف الشريحة الأولى للدخل إلى 36.000 درهم، وإعادة النظر في الشريحة المتوسطة، ورفع سقف شريحة الدخل العليا إلى 240.000 درهم؛ واعتماد خصوم ذات طابع اجتماعي لتغطية النفقات التي تتحملها بعض الأسر، خاصة الخصوم عن تكاليف الدراسة.

وتعتبر أن من  شأن إرساء خصوم عن تكاليف التعليم والتكوين والتكوين المستمر، سواء لفائدة أطفال الملزَم أو لفائدته شخصيا، أن يحفز التعليم وينهض بتحيين المعارف، وبالتالي سيشكل عنصرا من عناصر الارتقاء الاجتماعي.

دعم الاستثمار

وتشدد الرابطة على النهوض بالاستثمارات المنتِجة للقيمة والتي تمكن من إحداث فرص الشغل و المحافظة على المناصب الشغل الموجودة، حيث تلاحظ أنه يجب على الاقتصاد المغربي المحافظة على قطاعاته الاقتصادية التاريخية وتحديثها (الصناعة الغذائية، وصناعة الملابس، والسياحة، والصناعة التقليدية، إلخ...)، كما يتعين عليه العمل على تكثيف وتنويع إنتاجه ليشمل المنتجات والخدمات ذات الموقع المتميز في سلاسل القيمة العالمية.

وتعتبر أنه ينبغي أن تستفيد المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تنفذ مشاريع استثمارية ذات قيمة مالية صغيرة أو متوسطة، والتي غالباً ما تُشغِّل أعداداً مهمة من اليد العاملة، من نفس الاهتمام على الأقل ومن امتيازات ضريبية واجتماعية أكبر، مقارنة بالمشاريع الرأسمالية الكبرى، والتي غالبا ما تُوَلِّد مناصب شغلٍ أقل، مشيرة في الآن ذاته، لإرساء تحفيزات ضريبية واجتماعية من أجل دعم إحداث المقاولات الناشئة، ولمساعدة وإعادة هيكلة المقاولات التي تواجه صعوبات.

وترى أنه يجب الانخراط في الاتجاه السائد حاليا لدى غالبية الدول والمتمثل في خفض السعر المطبق على الضريبة على الشركات، والسعي نحو إرساء سعر لا يتجاوز 25 في المائة، مع العمل وفق منطق للتضامن (المجالي والاجتماعي)، على تطبيق مساهمة تُفرض عن الأنشطة المحمية سواء بموجب إجازات، أو أذون أو تراخيص أو باحتكار الدولة. ذلك أن الأرباح التي تجنيها المقاولات المعنية تتضمن جزءا متأتيا من الامتيازات الناتجة عن الاحتكار أو التراخيص؛ وسن إعفاء من الضريبة على الشركات لمدة 10 سنوات لفائدة المقاولات العاملة في مناطق نائية، على أن يتم تحديد هذه المناطق بموجب نص تنظيمي.