في هذا الحوار مع موقع "تيل كيل عربي"، يتحدث عبد الرحيم الشيخي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح عن رهانات المؤتمر المقبل للحركة، كما يدلي برأيه في عدد من القضايا من قبيل العلاقة بين الديني والسياسي، ودور إمارة المؤمنين، وجدل حرية المعتقد.
ما هي رهانات المؤتمر المقبل لحركة التوحيد والإصلاح؟
فيما يخص الجمع العام السادس لحركة التوحيد والإصلاح الذي سينعقد أيام 3 و4 و5 غشت المقبل فإنه يأتي في إطار مرحلة عادية، إذ أن الحركة كان لها مخطط استراتيجي يهم الفترة الممتدة ما بين 2006 و2022، وهذه مرحلة من مراحله، لكن هناك بعض الخصوصيات التي يتميز بها هذا الجمع العام، والتي من بينها أنه يأتي في المرحلة الأخيرة لتنفيذ المخطط الاستراتيجي للحركة، الذي يتضمن رؤية ورسالة، وتوجهات وأهداف استراتيجية في عدد من المجالات، كما سيشهد المصادقة على صيغة جديدة لميثاق حركة التوحيد والإصلاح، الذي يعتبر هو الوثيقة التأسيسية التي نوقشت أيام الوحدة المباركة بين حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي سنة 1996، والتي تنبثق منها مختلف الوثائق والرؤى سواء في مجالات الدعوة والتربية والتكوين أو باقي مداخل ومجالات الإصلاح الأخرى، كما سيتم إدخال بعض التعديلات التحسينية على النظام الداخلي للحركة، وانتخاب قيادة جديدة، والمصادقة على التوجه العام للمرحلة المقبلة من خلال قراءة تقويمية للأربع سنوات الماضية واستشراف المستقبل .
الميثاق الحالي يتحدث عن المدخل السياسي كأحد مجالات عمل الحركة، رغم أنكم تقولون أنكم لستم حزبا سياسيا كيف تدبرون هذا الأمر؟
نحن لنا نظرتنا وتصورنا للإصلاح السياسي، لكن لا نباشر العمل فيه، لأن هناك هيئات تقوم بهذا العمل، وهي الأحزاب السياسية، أما نحن فلا نمارس السياسة على المستوى التدبيري، لكن عدد من القضايا ذات الطابع السياسي العام مثل قضايا الهوية والمرجعية والأسرة، والقضايا التي تمس استقرار الوطن ووحدته الترابية يكون لنا فيها رأي لأننا نعتبرها تهم الرأي العام، لكننا لسنا حزبا سياسيا يتقدم للانتخابات، ويقدم برامج سياسية في مختلف المجالات.
لستم حزبا سياسيا، لكنكم على علاقة بحزب العدالة والتنمية، لماذا إذن لا تفتحوا الحركة في وجه الجميع وليس الاقتصار على أعضاء حزب سياسي واحد؟
الحركة اليوم مفتوحة في وجه جميع المغاربة، وتشهد مجالسها التربوية حضورا متنوعا لكافة المغاربة على مختلف انتماءاتهم، لكن حقيقة على المستوى السياسي نحن ندعم حزب العدالة والتنمية ونعتبره شريكا استراتجيا بحكم التاريخ، فالذين يعرفون كيف نشأ هذا الحزب، وتم إحياؤه وتطويره بمشاركة مع مؤسسيه الذي نكن لهم كل التقدير والاحترام يعلمون أن حركة التوحيد والإصلاح ساهمت بحظ وافر ومعتبر، وأغلب قياداتها على مستوى الصف الأول هي التي أصبحت تقود الحزب، كما أن عددا من أعضائها انخرطوا فيه، وأصبحوا يمارسون العمل السياسي من خلاله، وهكذا تطورت علاقتنا به من الاحتضان إلى الدعم غير المباشر وصولا إلى التمايز سواء في الوظائف أو في الرموز أو في مجالات العمل، لكن بقيت علاقة التعاون التي أطلقنا عليها عبارة "الشراكة الاستراتيجية"، والتي اليوم نحن بصدد مناقشتها، وتطويرها، وهناك اليوم اتجاه عام داخل الحركة يميل إلى أن علاقة التمايز بين ما هو سياسي حزبي وما هو دعوي حركي يجب أن نعمقها إلى أبعد مدى ممكن، وفي الغالب هذا ما سيكون عليه الأمر في المرحلة المقبلة، وستكون الصورة في المراحل التي تليها أوضح.
هناك اليوم اتجاه عام داخل الحركة يميل إلى أن علاقة التمايز بين ما هو سياسي حزبي وما هو دعوي حركي يجب أن نعمقها إلى أبعد مدى ممكن
كيف ستفعلون ذلك على المستوى الإجرائي؟
الآن عندنا آلية التنافي على مستوى المسؤوليات، وعليه لا يمكن لرئيس الحركة أو نائبه، وعدد من مسؤولي الحركة على المستوى الوطني والمحلي أن يجمعوا بين هذه المسؤوليات ومسؤوليات أخرى في هيئات سياسية أو نقابية، وأحيانا حتى جمعوية، ولازالت هناك إمكانيات لإضافة مزيد من التنافي، وقد أضفنا في المرحلة السابقة حالة التنافي على مستوى الترشيح، رغم وجود بعض الاستثناءات القليلة، لكن على مستوى الانتخابات الجماعية الأخيرة تم اقرار حالة التنافي بين الترشح والعضوية في الهيئات المسيرة.
إن التمايز والفصل بين الدعوي والسياسي هو مسار يعمق على المستوى الإجرائي بمزيد من التمايز والانفتاح أكثر على فاعلين آخرين كي تكون الحركة مستوعبة لكافة الأطياف وللتنوع الموجود في المغرب سواء كان سياسيا أو ثقافيا، أو فكريا، وهو أمر يحتاج الى وقت وليس معلقا على قرار يمكن اتخاذه وتنفيذه بين عشية وضحاها.
علاقتكم بحزب العدالة والتنمية دائما تجلب لكم اتهامات، خاصة أن عددا من خطباء المساجد هم أعضاء في الحركة، وقد يدعمون "العدالة والتنمية"، وهو ما يؤدي إلى اتهامكم باستغلال الدين في السياسة، كيف تردون على هذا الأمر؟
نحن نتحدث دائما عن فكرة التمييز بين الديني والسياسي والتمايز بينهما، هذا ما نؤمن به، ونسعى لترسيخه وتعميقه، على أساس أن هناك نوعا من التداخل الضروري، لكن لا بد من التمييز حتى تتضح هذه المجالات، ولذلك فنحن لسنا مع استغلال الدين في المعارك السياسية، ولا مع استغلال السياسة في الدين، فالدين يبقى دينا، والسياسة تبقى سياسة يجب أن تؤطرها القيم والمبادئ والاخلاق.
هذا على المستوى الوظيفي، لكن على المستوى العملي هناك نوع من التداخل في الفضاءات، حيث يتأثر كل واحد منهما بالآخر، أو يؤثر كل واحد منهما في الآخر.
أما بخصوص الاتهامات الموجهة إلينا، فقد سبق أن أجبنا عليها، وقد وعينا بهذه الاشكاليات وقررنا عدم السماح لخطباء الحركة ورموزها في العمل الدعوي بالترشح، بل إننا وضعنا حالة التنافي حتى بالنسبة لرموز العمل الاجتماعي حتى لا يكون هناك أي استغلال، وقد قمنا باتخاذ هذه الإجراءات قبل أن تتبناها الدولة، وكل هذا من أجل أن ننأى بالمساجد عن أي تحزب، لأنها تعتبر جامعة لجميع المغاربة على اختلاف أطيافهم، كما أن الخطباء الذين ينتمون للحركة لا يقومون بأي استغلال لفائدة العدالة والتنمية، ولا يقومون بأي دعاية لأجله في خطبهم، وهم أحرص على ذلك اقتناعا منهم أن هذا هو الذي يجب أن يكون.
أما عن علاقتنا بحزب العدالة والتنمية فلازلنا إلى اليوم عند كل استحقاق انتخابي ننشر بلاغا يدعو أولا إلى المشاركة السياسية في الانتخابات لمحاربة العزوف، وكنا ندعو المواطنين للتصويت على العدالة والتنمية لمعرفتنا بأشخاصه، ومرجعيته، وربما هذا من الأمور الموضوعة للنقاش أيضا.
كنا ندعو المواطنين للتصويت على العدالة والتنمية لمعرفتنا بأشخاصه، ومرجعيته، وربما هذا من الأمور الموضوعة للنقاش أيضا.
هناك من يعتبر أن حركة التوحيد والإصلاح استفادت من مشاركة العدالة والتنمية في الحكومة، فيما يرى آخرون أن مشاركته أضعفت الحركة، وأفرغتها من أطرها، ما هي قراءتكم لذلك؟
المشاركة السياسية قد تجلب إيجابيات، والحمد لله أن هناك عدد من الايجابيات التي انعكست على الوطن كله، وليس على الحركة والحزب.
وفعلا، فإن عددا من الأطر والكفاءات الوازنة انتقلت من الحركة لحزب العدالة والتنمية، وهذا لا أقول أضر بالحركة كثيرا، لكنه أفقدها قوة كانت تتوفر عليها، وبالتالي نحن نسعى أن نملأ هذا الفراغ، وإن كان ذلك يصعب أحيانا خلال فترة وجيزة.
من جهة أخرى، فإن بعض ما يقع من مشاكل في الحزب قد ينعكس على مستوى نفسية بعض الأفراد وتصرفاتهم داخل الحركة، لكن لحد الآن لم تتأثر الحركة كمؤسسة وكهيأة، إذ لازالت مؤسساتها مستقرة وتجتمع، وتتخذ قراراتها. وتنجز برامجها.
وعموما فالمشاكل التي قد تقع في الحزب يصل تأثيرها إلى أفراد الحركة، وأحيانا يقع نوع من التراشق، وهو ما نحاول تجاوزه عبر التوجيهات التربوية والبلاغات.
أنتم مقبلون على مؤتمر الحركة، وهناك من يرشح عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية لرئاستها، ما تعليقكم؟
إن جميع أعضاء الجمع العام يمكن أن يكون واحد منهم هو رئيس الحركة، إذ هم الذين سيختارون المرشحين الذين تتوفر فيهم شروط القيادة، قبل المرور لمرحلة التداول، ويمكن أن يكون من بين هؤلاء الاستاذ عبد الإله بنكيران أو أي شخص آخر، كما أننا نفضل ترك الحديث عن هذا الأمر للجمع العام.
كيف هي علاقتكم الآن بباقي الحركات الإسلامية في المغرب، وخاصة جماعة العدل والإحسان؟
نقدر أن هذه العلاقة ايجابية، ونسعى ما أمكن إلى أن نتواصل، وإذا وجدنا أي سبيل إلى التعاون فإننا نسعى إليه.
طبعا، ليس هناك أي تنسيق كما كان في السابق، خاصة على مستوى قضايا الأمة، وفي بعض البلاغات والبيانات المشتركة، لكن هناك نوع من الحوار والالتقاء في عدد من المناسبات، خاصة في رمضان، وفي بعض المناسبات التي يعقدها الإخوة في جماعة العدل والإحسان كما هو الشأن بالنسبة لذكرى وفاة الشيخ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله، كما أننا نقوم باستدعائهم في عدد من المناسبات.
ماذا عن علاقتكم بالحركات الإسلامية خارج المغرب؟
علاقتنا ممتدة مع جميع الحركات الإسلامية باستثناء الحركات المتشددة المتطرفة.
لدينا علاقات مع جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية في أسيا، وتركيا، حيث نتعاون مع الجميع في حدود المستطاع.
السؤال الذي يطرح عادة هو علاقتنا بجماعة الإخوان المسلمين في مصر، هي علاقة تعاون، حيث استفدنا من كتاباتهم التي كانت في المتناول، كما أننا رفضنا الظلم الذي لحقهم، لكن حركة التوحيد والإصلاح تركز على الأصالة المغربية، واستفادت من تراثها وتجربة علماء المغرب.
ما رأيكم في قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصنيف حركة عبد الله غولن جماعة إرهابية؟
هذا الشأن لا نتوفر فيه على معطيات تمكننا من الحكم ونعتبره شأنا داخليا بالنسبة لتركيا، ويدخل في سياق سياسي، وربما تدخل فيه سياقات أخرى دولية.
نحن كانت علاقتنا مع جماعة الخدمة، ومع بعض كفاءاتهم الذين زاروا المغرب، وزرناهم في تركيا، وكانت علاقتنا بهم علاقة ايجابية، ولم تكن هناك أية مشاكل، لكننا لا نتوفر اليوم على المعطيات الكافية لمعرفة مدى صحة ما يتم الحديث عنه بخصوصهم.
كيف تقرؤون الدور الذي تقوم به إمارة المؤمنين في المغرب؟
حركة التوحيد والإصلاح طورت موقفا واجتهادا ثابتا بخصوص إمارة المؤمنين، ولم يعد بالنسبة لنا أي اختلاف حوله.
إمارة المؤمنين واحدة من ثوابت المملكة المغربية، وأنها حقيقة تاريخية أجمع عليها المغرب، وتعتبر أداة للاستقرار وحفظ الدين في هذا البلد، هذا موجود في وثائق الحركة، كما أصدرت بيانا حينما توفي الملك الراحل الحسن الثاني، رحمه الله تعلن فيه بيعتها للملك الجديد محمد السادس في إطار الكتاب والسنة والمعروف، وهذا البيان وقعه الرئيس السابق أحمد الريسوني، كما تم الحديث عن إمارة المؤمنين في المذكرة التي قدمناها للجنة وضع الدستور.
ونعتبر أن إمارة المؤمنين عصمت المغرب من عدد من الاختلالات التي حدثت في بلدان أخرى، فتوحيد المغاربة حول اختيارات في التدين والتمذهب جعلت منه نموذجا في التدين الوسطي المعتدل، وهذا ليس معناه عدم وجود اختلالات أو نقائص، وهذا ما نسعى إلى تجاوزه بالتعاون مع الجميع، ولذلك دائما نتحدث عن ترشيد التدين، ونعتبر أنفسنا سندا ودعما لمؤسسة إمارة المؤمنين.
ما هو موقفكم من حرية المعتقد؟
أولا حرية المعتقد لا تحتاج إلى رأينا نحن، هذه القضية تحدث عنها القرآن الكريم، إذ يقول "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، أي أنه لا يمكن إكراه الإنسان على دين، كما أن الاجتهاد الذي أصدره المجلس العلمي الأعلى حول حد الردة سبق أن تحدث عنه الدكتور أحمد الريسوني في كتابه "الكليات الأساسية"، واعتبر أن حد الردة لا يتعلق بتغيير الدين، وإنما بالخيانة العظمى، كما أننا لا يجب أن ندفع الناس كي يكونوا منافقين، وأعتقد أن مواد الدستور الحالي تضمن حرية المعتقد، إذ أن الدولة إسلامية، لكنها تضمن للجميع حرية ممارسة شؤونه الدينية.
وخلاصة القول، أنه ليس لدينا أي اشكال مع هذا الأمر، كما أنني منذ سنتين استقبلت إحدى الباحثات من الدانمارك لإجراء حوار، وكان ذلك في شهر رمضان، وقدرت أنها ليس من واجبها أن تصوم، فطلبت من الإخوة إعداد الشاي والحلوى المغربية، وقدمنا لها ما يليق بكرم الضيافة.
وعموما فإن هذا الأمر إذا تم تجنب تسييسه والاستقواء فيه بالخارج فإن تدبيره ليس بالأمر الصعب.