أصدرت النيابة العامة عدداً من التوجيهات من شأنها تضييق "هامش" السماح بتزويج القاصرات، وتقييد القضاة بإجراءات إلزامية قبل الترخيص بمنح الإذن لأولياء أمورهن لتقرير مصيرهن قبل بلوغ سن الرشد القانوني. ومن أهم هذه الإجراءات، الخبرة الطبية التي يجب أن تؤكد قدرة القاصر على تحمل الزواج المبكر جسديا ونفسيا، وتوعية القاصر بخطورة الزواج المبكر والاستعانة بالمساعدة الاجتماعية.
أصدر رئيس الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة محمد عبد النبوي، عدداً من التوجيهات الصارمة في ما يخص ترخيص القضاة لتزويج القاصرات، تتضمن على وجه الخصوص "ضمان حق الطفلة في التعليم والحماية الاجتماعية".
وجاء في دورية رئيس النيابة العامة، إلى كل من المحامي العام الأول والمحامين لدى محكمة النقض والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك لدى المحكمة الابتدائية وقضاة النيابة العامة، مؤرخة بـ29 مارس 2018، وصل "تيل كيل عربي" نسخة منها اليوم الجمعة (6 أبريل)، أنه يجب "عدم التردد في معارضة طلبات الزواج التي لا تراعي المصلحة الفضلى للقاصر".
اقر أيضاً: دراسة: تزويج القاصرات يمثل 11% من حالات الزواج بالمغرب
وذهبت دورية رئيس النيابة العامة، حد التوجيه بضرورة جعل "جلسات البحث مناسبة لتوعية القاصر بالأضرار التي يمكن أن يترتب عن الزواج المبكر، والاستعانة في ذلك إن اقتضى الأمر بالمساعدات الاجتماعية". مع "الحرص على الحضور في جميع الجلسات المتعلقة بإذن زواج القاصر".
وحثت دورية النيابة العامة التوجيهية كذلك، على ضرورة "عدم التردد في إجراء بحث اجتماعي بواسطة المساعدة الاجتماعية، للتأكد من الأسباب الداعية لطلب الإذن ومن وجود مصلحة للقاصر في الإذن بزواجه، ومن توفره على النضج والأهلية الجسمانية لتحمل تبعات الزواج وعلى التمييز الكافي لصدور الرضى بالعقد". بل شدد النيابة العامة على ضرورة "تقديم ملتمس بإجراء الخبرة الطبية والجسمانية والنفسية والضرورية للتأكد من قدرة القاصر على تحمل أعباء الزوجية".
وتضمنت الدورية التوجيهية أيضاً، ما يخص تزويج القاصرات المغربيات في الخارج، من خلال تنبيه المواطنين المغاربة المهاجرين، الراغبين في الحصور على إذن تزويج القاصر، بضرورة التأكد من أن الدولة المقيمين بها تقبل عقود الزواج دون سن الأهلية، وتنبيه الأسر المعنية بالوضعيات القانونية التي تنشأ عن إبرام تلك الزيجات.
كما تضمنت الدورية، ضرورة "تقديم ملتمسات بعدم الاختصاص بالنسبة لطلبات الزواج المتعلقة بقاصرين لا يقيمون بدوائر نفوذ قاضي الأسرة المكلف بالزواج الذي يقدم إليه الطلب باعتباره ذلك شرطا أساسياً لإجراء الأبحاث المشار إليها في الشروط السالفة الذكر.
ولرصد وتتبع تنفيذ هذه الشروط مستقبلا في ما يخص إذن القضاة بتزويج القاصرات، وضع رئيس النيابة العامة إجراءً يتمثل في "موافاته بإحصاء كل ثلاثة أشهر يهم إحصاء لطلبات الزواج المقدمة لفائدة القاصرين، وإشعاره بالصعوبات التي قد تعترض منظومة العدالة في تطبيق هذه الدورية.
وجاءت هذه الإجراءات الجديدة، حسب دورية النيابة العامة، بناء على مقتضيات الفصل 32 من الدستور، يجب على الدولة أن تسعى لتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، وعلى أن التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة.
كذلك، بناء على المادة 3 من مدونة الأسرة التي تعتبر أن النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة، وأيضاً، بناء على المادة 54 منها، والتي تنص على ضرورة حماية حياة وصحة القاصرين إلى حين بلوغ سن الرشد.
للإشارة، خلصت دراسة حقوقية صدرت شهر فبراير الماضي إلى أن المغرب "لا يزال يشهد حالات تزويج للقاصرات بشكل مرتفع، إذ تصل نسبة هذا الزواج إلى أكثر من 10 في المائة من بين حالات الزواج التي تسجل كل سنة"، وذلك بسبب ما وصفته الدراسة بـ"مساعدة" القضاة.
وقالت جمعية "حقوق وعدالة" التي أشرفت على إعداد الدراسة ونشرها، إنه من "الناحية القانونية تلوم القضاة" وتصفهم بـ"المتساهلين مع القانون والمناورين، وتضرب مثالاً بذلك للمادة 20 من مدونة الأسرة، التي تتيح للقاضي إجراء بحث طبي أو اجتماعي، ولا تقيده بإلزامية القيام بالاجراءان، وبالتالي يبقى للقاضي مجال أكبر للمناورة".
وتشير الجمعية إلى أن الخبرة الطبية التي يستند عليها القاضي، تمثل 77.7 في المائة من رخص الزواج، بينما 22.3 في المائة تمثل البحث الاجتماعي. لكن ومع ذلك، "لم يؤخذ في الاعتبار الجمع بين المعيارين (الاجتماعي والطبي) في الأحكام الأخيرة الصادرة عن محكمة الدار البيضاء"، تضيف الجمعية.