ما قيمة الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان؟ ومارأي الحقوقيين فيها؟ وهل ستساعد على تحقيق مزيد من التقدم في مجال حقوق الإنسان بالمغرب؟ تفاصيل ندوة بسط فيها المصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان، وأحمد الهايج، وعبد الرحيم العلام، وعبد اللطيف أوعمو وجهات نظرهم.
أقر مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان أن "خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان حققت عددا من المكتسبات وما تزال تعتريها نواقص وخصاص حتى تتلاءم التشريعات الوطنية مع الدولية". جاء ذلك في مداخلة له، اليوم السبت12 يناير الجاري، بمناسبة أشغال الندوة الوطنية حول "خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان 2018/20121 في السياق الوطني والدولي الراهن"، الذي نظمه ماستر الإدارة وحقوق الإنسان والديمقراطية بجامعة ابن زهر، حضرها موقع "تيل كيل عربي".
ودعا الرميد لمواصلة الحوار حول القضايا الخلافية في الخطة وعلى رأسها "عقوبة الاعدام والمحكمة الجنائية الدولية ومنظمة العمل الدولية وإلغاء المادة 20 وتعديل المادة 175 و المواد و 49 و 53 و136 و 138 من مدونة الأسرة".
وأوضح الرميد أن لقاء أوليا عقدته وزارته، الاثنين الماضي، مع 40 جمعية حقوقية من أجل التوصل باقتراحات عملية لتنفيذ الخطة الوطنية، حدد لها أسبوعان لتجميعها، بغاية صياغة مخطط إجرائي وإعمال تدابير تفعيل الخطة. ومضى قائلا: خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان إنجاز وطني يعكس طموحا وطنيا من شأنه تقرير البناء الديمقراطي، لن يتعزز إلا بحرص الجميع وتعاون الجميع من خلال الأجرأة والتنفيذ والتنزيل.
الهايج: الخطة تخلق التباسا بسبب ازدواجية مرجعيتها
أقر أحمد الهايج رئيس الجمعية المغربية لحقوق الانسان بوجود "صعوبات كبيرة ومشاكل تؤمن الشروط الفعلية والعملية لتنفعل مختلف تدابير خطة العمل الوطنية في مجال الدمقراطة وحقوق الإنسان". وبسط الهايج عددا من التساؤلات من قبيل: ما هي الجهات التي ستسند إليها عملية تنفيذ التدابير والإجراءات؟ وما الفلسفة التي حكمت تحيين الخطة؟ وهل نحن أمام تحيين أم تعديل أم تغيير بين مشروعي عام 2012 و 2017؟ ولفت الهايج أن هناك "تغييرات جوهرية مست الخطة، من حيث المرجعية وهو الأمر الذي لا يمكن التوافق حوله بين مختلف الفاعلين، مادام أن مشروع 2012 يتحدث عن المرجعية الدولية، وخطة 2017 فيها ازدواجية بين المرجعية الوطنية والدولية، مما يخلق التباسا كبيرا".
وانتقد الهايج خطة الرميد قائلا: إخراج القضايا الخلافية من الخطة، يمس بمبدأ جوهري فلسفي حكم اتفاقية فيينا، حتى لا تكون قابلة للتجزيء ومبنية على المعايير الدولية لحقوق الانسان. وبينما دعا الهايج الدولة "لإلغاء عقوبة الاعدام وليس التدرج في ذلك"، أكد على أن "القضايا الخلافية ينبغي أن يكون فيها التزام ونقاش وتحيين للخطة وأن نقوم بأجرأتها".
العلام: افتقاد لعنصري الالزام والاستمرارية
انتقد عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، قائلا: الخطة تعبير عن النوايا الحسنة في مجال حقوق الانسان، وتفتقد لعنصري الالزام والالتزام والاستمرارية. وبسط العلام ذلك في كون "الدولة لم تلتزم بما هو موجود في الدستور كالمجلس الاستشاري للشباب وميثاق المرافق العمومية، فبالأحرى أن تلتزم بما هو مضن في الخطة، وسط تساؤلات كثيرة من قبيل ما هي الإجراءات العملية التنفيذية لإلزام القطاعات والسلطات بالبنود الدستورية في احترام المساطر المتعلقة بتأسيس الجمعيات، وكذا الإجراءات العملية لإلزام السلطات بالقوانين الدستورية".
وقدم العلام نموذجا لخطة العمل في دولة الأردن، التي تفوقت في الإلزامية والأجرأة، عير آليتين، الأولى من خلال خطة نظرية، والثانية في ملحق تنفيذي وجدولة زمنية من أجل تنفيذ المضامين، يتولاها منسق حكومي مكلف بمجال التتبع. وعاب العلام على الرميد "غياب فرع للسلطة القضائية. فهل هناك تخوف أم أن المجال محفوظ للملك؟"، مقدما في هذا الصدد مثالا "لغياب إجراءات تهم القاضي في حمايته من التنقيل التعسفي والتعليمات وحرية التعبير له".
كما انتقد العلام "غياب الشأن الديني في الخطة على مستوى مكافحة الفساد، مادامت أن وزارة الأوقاف لا تخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات، كما أن حرية الاعتقاد حق أساسي ناصره الرميد حينما كان وزيرا للعدل والحريات حينما تحدث عن تكسير البيوت في الخلوة ولم تتم الاشارة إليه في الخطة".
وشدد العلام على أنه "تم إغفال إجراءات حماية الصحافي أثناء مزاولته لمهامه، وتمكينه من حقه في المعلومة، وكذا حق التظاهر الذي ما تزال الخطة تجتفظ بشأنه بمنطق التصريح المسبق، على خلاف ما هو معمول به في دول أخرى مثل ألمانيا".
أوعمو: الخطة عليها أن تتخلص من عقدة الخصوصية
وسار عبد اللطيف أوعمو نقيب سابق لدى هيئة المحامين بأكادير والعيون ومستشار برلماني في نفس نهج الهايج والعلام إلى القول بأن "الخطة استثنت عددا من المجالات الحقوقية المتعلقة بالحريات الفردية وتجاهلتها رغم أنها مؤطرة بالمواثيق الدولية، وعليها أن تتحرر من عقدة الخصوصية العمياء وقبول الانفتاح من أجل تمكين المجتمع من التحرر والتغلب على الذاتية الضيقة، في ظل الازدواجية المرجعية المعتمدة في الخطة".
وأكد أوعمو على أن "الخطة ليست برنامجا حكوميا، بل وثيقة مرجعة تأطيرية في توجهاتها لها قوة إلزامية علينا أن نفتح لها أمدا بعيدا لا 4 سنوات فقط". وتخوف أوعمو من أن "تكون الخطة ورقة كالأوراق الأخرى لتلميع الصورة لدى الغير وسياسة صباغة الواجهات فقط، كما أن أمدها المتمثل في 4 سنوات لا يسمح بتفعيل ما يفوق 400 إجراء متضمن لها، لتنتفي عنها القوة الإجرائية والقوة الالزامية".
وعاد أوعمو ليؤكد على أن " المغرب في خطته لم يكن صادقا في نقل اتفاقية فيينا، ولم يتم التعبير بشكل صريح ضمن أهداف الخطة، كونها تفسح المجال لاستيعاب كل مكونات منظومة حقوق الاسنان، رغم أن هذا الورش بدأت بوادره منذ 1989، وما زالت تتعزز وتتقوى بعد دستور 2011".
ونبه أوعمو لتجاوز أوجه التناقض والتراجع الذي يمس واقع الممارسة الحقوقية، خاصة ما يتصل بالتعليمات. ودعا أوعمو "لمواصلة المصادقة على الاتفاقيات والبوتوكولات التي لم يصادق عليها المغرب وتسريع ذلك، وفي الآن نفسه ابتكار الوسائل لترجمة الأهداف، مع ربطها بالثروة الاجمالية للمغرب والرأسمال غير المادي: عامل لخلق الثروة الوطنية وتوزيعها المنصف".