صونيا في الحصلة.. "شطابة" جرت مخرجة للحي فوجدت الرجاء مكان الغيوان

عبد الرحيم سموكني

 

أعادت "شطابة" جماهير كروية وهي تسير في شارع الراشدي قبل سنوات، المخرجة المغربية سونيا التراب إلى الحي المحمدي، معقل مناضلين وفنانين طبعوا بموسيقاهم حقبة الستينات والسبعينات وشكلوا صورة وعي جماعي رسخ للاحتجاج ورفض الواقع خلال حقبة مهمة من تاريخ المغرب المعاصر.

كانت "الشطابة" عبارة عن عملية سرقة جماعية، تعرضت لها التراب وهي تسير في قلب العاصمة الاقتصادية، عندما غمرها حشد بشري من مراهقين كانوا في طريقهم إلى الملعب لحضور مباراة لفريق الرجاء البيضاوي، عصف الحشد بالمخرجة، وسرق كل ما لديها، دون أن تستطيع فهم ما حدث لها، لكن ما بقي عالقا في ذهنها وذاكرتها هي عيون الشبان، التي قالت عنها، إنها كانت عيون أموات، بفعل التخدير الذي كانوا فيه، فقررت أن تنجز فيلما عن هؤلاء.

في فيلمها الوثائقي الجديد، "الحصلة" الذي سيعرض مساء الأحد في إطار "قصص إنسانية" التي دأبت القناة الثانية على تخصيصه للأفلام التسجيلية والوثائقية، اختارت التراب زاوية معالجة للتطرق لحال الشباب في الألفية الثالثة، أما المكان فهو الحي المحمدي، كان فضولها يبحث عن أجوبة من قبيل "ما الذي تغير في هذا الحي؟ وما الذي غير سكانه وشبابه؟

تقول التراب في تقديمها للعرض ما قبل الأول، الذي احتضنته مدرسة للفنون في الدارالبيضاء، إن "عيون الأموات" التي رأتهالدى شباب جانح اثناء تعرضها للسرقة الجماعية، دفعها إلى محاولة فهم سلوك هؤلاء الشباب، وطرح اسئلة لماذا يحملون هذا العنف في دواخلهم، وتجيب "لقد كان أول ما دفعني إلى إخراج هذا العمل، هو أغنية "الحصلة" لمجموعة "المشاهب، خاصة مدخلها الذي يقول "بعدما كنت في نومي هاني، بقيت اليوم وحدي ممدود، وين هما شلا ناس زمان، كلهم غابو ذوك الأسـود".

لم يكن اختيار مجموعة لمشاهب اعتباطيا، ولا سقطة سهو في حق مجموعة "ناس الغيوان" التي ارتبط اسمها بهذا الحي، وتقر التراب بأن اعتماد موسيقى المشاهب إضافة إلى اختيار عنوان الفيلم من أغنية شهيرة لهم، يعتبر خيارا شخصيا، مرده إلى اكتشافها لشعر لمشاهب، الذي يفوق بكثير في جماليته ورميزته شعر الغيوان، وتقول "لقد كانوا شعراء استباقيين أو استشرافيين، كثير من الأبيات والأغاني تحققت اليوم.

فالحي المحمدي الذي كان مهدا لمجموعات غنائية شكلت علامة فارقة في تاريخ الفن المعاصر، انكشف للمخرجة بوجه آخر، وجه يطغى عليه حب الكرة وأغاني المدرجات، وبالتحديد حب حارف لفريق اسمه الرجاء البيضاوي.

بالنسبة لصونيا التراب، التي عمرت شوارع وأزقة الحي المحمدي لكي، تنال ثقة هؤلاء الشباب، الذين تحولوا إلى ابطال قصتها، كان لزاما عليها أن تقضي معهم أزيد من " أشهر قبل بدء التصوير.

توضح "إنهم شباب مهمشون، أولئك الذين ما إن نراهم في تقاطع الشوارع يعبرون الإشارات الضوئية، حتى نغلق نوافذ سياراتنا، اشكالهم وطريقة لباسهم ليست معيارا للحكم عليهم، هذا ما حدث، عندما التقيتهم ووثقوا بي، اكتشفت أنهم شباب يحتاج أولا إلى ثقة الآخرين، وإلا قليل من الأمل ليغيروا حياتهم نحو الأفضل.

نجح الوثائقي في عرض قصص إنسانية لشباب من الحي، أغلبهم عاطل عن العمل، أو منقطع عن الدراسة، وله سوابق عدلية مرتبطة بالسرقة، مع مرور دقائق الفيلم، الذي نجح في نقل تطور معيشهم على مدى سنة كاملة، ما منح القصة تطورا في متنها الحكائي، تتعرض انطباعات المشاهد مع ما طبعه "الأبطال" عند بداية الشريط وما ينتهي إليه الوثائقي من نسخ لمشاعر التعاطف معهم.