توقف العلامة علال الفاسي في الباب الرابع من كتابه "النقد الذاتي" عند "الفكر الاجتماعي" وتطرق إلى جملة من القضايا التي تهم المجتمع المغربي كطريقة التفكير فيه التي تنطبع بـما سماه بـ"الواقعية الجبرية" والأسرة التي قال إنها تحتاج إلى إصلاح عميق، وما يتهددها من مخاطر، تطرق إلى مواضيع تهم المرأة تحديدا على اعتبار أنها "عماد الأسرة، وكل بناء لا يستقيم عماده فهو إلى الانهيار".
حوادث مخرّبة
في مبحثه السابع حول "تعدد الزوجات"، الذي ختمه بحسم رأيه "بمنع التعدد مطلقا"، الذي لم تصل إليه مدونة الأسرة حتى اليوم، انطلق علال الفاسي في حديثه حول هذه القضية التي ذكر أنها "تظهر لكثير من الناس معقدة"، حول ما لاحظه من وجود الظاهرة في المناطق الإفريقية (هو العائد من منفاه الغابوني) وفي العالم الإسلامي (كان في مصر خلال فترة تأليف الكتاب الصادر في 1952)، أكد أن "الأحكام صريحة الدلالة ويجمع عليها من طرف المذاهب الإسلامية كلها، وهي منع التعدد مطلقاً عند الخوف من الظلم، وإباحته حتى الأربعة عند تيقن العدل لكن الذي مضى عليه عمل المسلمين هو ترك هذا الأمر لوجدان الرجل الذي يحكم على نفسه هل يقرر أن يعدل أو لا، وذلك هو الأصل في تطبيق الشرائع كلها؛ لأن الدين يتوجه قبل كل شيء للأفراد وضمائرهم".
واستدرك ليقول "التجربة التي لاحظناها طول التاريخ الإسلامي تدل على أنه باستثناء العصور الأولى فإن أغلبية المسلمين استعملوا التعدد في غير موضعه الشرعي. ولكي لانطيل بالإشارة للأحداث التاريخية التي نتجت عن تعدد الزوجات يمكننا أن نكتفي بتوجيه نظر إخواننا لما هو واقع في العالم الإسلامي كله اليوم، وفي المغرب بالخصوص، من استهتار بشؤون العائلة ومن حوادث مخربة لها لم يكن مصدرها غير العبث باستعمال الرجال لفكرة التعدد؛ فكم عائلات هدمت، وكم ورثة حرموا وكم أولاد منعوا من عطف آبائهم مراعاة للزوجة الثانية، وكم حوادث قتل وتسميم وقعت وكم أنواع من الزور ارتكبت لتقلب فئة من الأبناء على إخوانهم، وكم من أولاد ربوا خارج ديار آبائهم. إن كل واحد منا يستحضر أنواعا من هذه الأمثلة المؤلمة، خصوصا وأن الأغلبية الساحقة من الذين يعددون كلهم في الفقراء والمعوزين وضعفاء الأجسام".
اقرأ ايضا: علال الفاسي في ذكرى رحيله الـ44.. اجتهادات جريئة لـ"رائد التنوير" (الحلقة1)
منع "بات" للتعدد
اعتبر علال الفاسي أن كل سبب من الأسباب التي أوردها "يوازي السبب الصريح المذكور في القرآن وهو الخوف من أكل أموال اليتامى، فإذا كان التعدد ممنوعا خوفاً من أن يؤدي لغصب حق اليتيم فأحرى به أن يكون ممنوعاً إذا كان يؤدي لغصب أولاد الصلب نفسه حقهم أو إلى إزالة المودة التي وضعها الله رحمة للعائلة ورابطة بين الأب وابنه وأقرب الناس إليه. ولذلك أرى أن تعدد الزوجات يجب أن يمنع في العصر الحاضر منعاً باتا عن طريق الحكومة، لأن الوجدان وحده لا يكفي اليوم لمنع الناس منه. وقد قال عثمان رضي الله الله عنه: «إن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن»".
واعتبر أنه في المغرب، في تلك الفترة، "ذريعة أكبر من كل ما تقدم يجب سدها بمنع التعدد وتلك هي وجود العرف البربري الذي لم يتمتع بالإصلاح الإسلامي؛ فلكي يقضي على التعدد بما فوق الأربع المباح في أغلبية القبائل البربرية يجب أن يطبق ما قلناه من منع التعدد من أصله، حتى لا يبقى هنالك مبرر أو داع لحيلة من الحيل الاجتماعية في التمتع بالشهوات دون قيد ولا تحديد. إن تطبيق هذا الحكم ضروري لتحقيق المناط الذي قصده القرآن الكريم بقوله: «فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم»".
وبعد أن سرد العديد من الحجج ختم العالم المتنور هذا المبحث بقوله "إنني أقرر الرأي بكامل الاطمئنان النفسي الذي يمليه علي إيماني بأن شريعة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان، ورجائي أن يكون في هذه الاعتبارات التي أبديتها ما يحقق تطبيق مبدأ الإصلاح الإسلامي بمنع التعدد مطلقا في هذا العصر، إقامة للعدل، وتقديرا للمرأة، وحماية للإسلام".