"بي إر إي"، و"جي إر إي"، و"جي سي إي"، اختصارات بالأحرف اللاتينية لمهام وتخصصات أمنية، خرجت إلى الوجود بالمغرب، قبل أشهر، ولم يألفها كثيرون بعد، كما لا تسعف الدلالات اللاتينية المطبوعة على أزيائها وأدواتها، كثيرا من المواطنين في معرفة أدوارها. فماهي تلك الفرق؟ وفي أي سياق أحدثت؟ وماذا عن خريطة انتشارها؟
بالنسبة إلى المديرية العامة للأمن الوطني، انطلق كل شيء خلال السنة الماضية (2016)، التي كانت "محطة فارقة ومفصلية في تاريخ المديرية العامة، بوصفها عام العبور الآمن نحو العصرنة والحكامة الرشيدة لقضايا الأمن، وسنة إرساء آليات التخليق والنزاهة والشفافية، وتطوير وتحديث بنيات الشرطة والرفع من جاهزيتها، بالاستثمار في في العنصر البشري، ومراجعة منظومة التوظيف والتكوين الشرطي".
وإذا كان كل ذلك، يندرج في النهاية ضمن "الإستراتيجية الجديدة لإصلاح الأمن الوطني"، التي جاءت مع تعيين عبد اللطيف حموشي، تشير الوثيقة المعنونة بـ"2016-2017، جسر العبور الآمن نحو التطوير والحكامة"، التي أصدرتها الخلية المركزية للتواصل، أن "الإصلاح العميق، ليس بنيويا وتنظيميا فقط (...) إنما اقتضى أيضا تحيين مقاربة الشرطية، بتكييفها مع الطلب العمومي في مجال الأمن، ومع التحديات الجديدة المرتبطة بمكافحة الجريمة"، فخرجت إلى الوجود فرق أمنية جديدة.
"UMPS"... شرطة القرب
تسميتها الكاملة باللغة العربية، هي "الوحدات المتنقلة لشرطة النجدة"، والغاية من إحداثها "تكثيف التواجد الشرطي بالشارع العام، وتحقيق الفعالية والسرعة في الاستجابة لحاجيات المواطنين"، لذلك ترتبط مباشرة بخدمة الرقم الهاتفي (19)، إذ بعد أن تتلقى قاعات القيادة والتنسيق، المعروفة لدى العامة بـ"صال ترافيك"، تبليغات المواطنين، تعمل على تحديد مكان التدخل الميداني المطلوب، ثم إرشاد أقرب دورية لشرطة "UMPS" إليه.
وفيما دخلت الوحدات الجديدة وقاعات القيادة والتنسيق، منذ إحداثها في تحدي الاستجابة لنداءات المواطنين والحضور في المكان المطلوب خلال مدة أقصاها خمس دقائق، صار من مهامها أيضا، تنسيق التدخلات مع باقي المصالح العمومية من قبيل الوقاية المدنية والمصالح الطبية.
وتوازى إحداث الشرطة الجديدة، أيضا، مع تسميه المديرية العامة للأمن الوطني "مواكبة الامتداد الحضري وتدعيم القرب المجالي للشرطة مع التجمعات السكنية الجديدة"، من خلال إحداث منطقة أمن المهدية بالقنيطرة، وأمن المحاميد بمراكش، وتحويل دائرة الشرطة بسلا الجديدة لتصير مفوضية جهوية، وإحداث خمس دوائر أمنية جديدة بالصويرة والحاجب ومراكش.
"GCI" و"BRI"... تحرير الرهائن
توجد "GCI" بالرباط، واسمها الكامل "الفرقة المركزية للتدخل"، وتتبع لها ثمانية فروع جهوية تسمى "BRI"، في أفق تعميمها في المستقبل، وتتحدد مهمتها في التدخل الميداني خلال الأزمات الأمنية الكبرى، التي تكون وراءها شبكات إجرامية منظمة، من قبيل احتجاز الرهائن، إذ تستدعى الفرق للتفاوض حول تحريرهم، والتدخل لإيقاف المتورطين، ومداهمة الملاجئ الآمنة للمشتبه فيهم.
وتشير بعض المعلومات المسربة خلال أول ظهور لتلك الفرق خلال نهاية 2016، أنها على صلة أيضا بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (المخابرات المدنية)، ويتدخل أفرادها، الذي ظهروا في استعراضات بالمعهد الملكي للشرطة، وأمام بعض البنايات الإستراتيجية والمنشآت السياحية خلال احتفالات رأس السنة الجارية، مرتدين أقنعة تخفي ملامحهم، وسترات واقية من الرصاص، كما يتوفرون على عدة من الأسلحة، تشمل أسلحة نارية مختلفة الأحجام، وأسلحة بيضاء، أبرزها "الماتراك الكهربائية"، وهي "هراوات" متطورة تصعق المشتبه فيهم وتشل حركتهم خلال المواجهات مع الشرطة.
"GRI" في قلاع "اللأمن" بالمغرب
تتوفر المصالح الأمنية على فرقتين فقط من "GRI"، أي مجموعة الأبحاث والتدخل، واحدة بفاس، والثانية بسلا، يتبعان للفرقتين الولائيتين للشرطة القضائية بالمدينتين، وتتشكلان من مجموعة من ضباط الشرطة يرتدون عادة أزياء مدنية شبابية، أما زيهم الرسمي فعهو من قطعة واحدة، وعبارة عن سترة (جيلي) مضادة للرصاص، وفيها بعض الجيوب والأكسسورات، ولهم صلاحية التدخل في النفوذ الترابي لولايتي الأمن، بغض النظر عن الاختصاص الترابي للمناطق والدوائر الأمنية التي تتشكل منها.
وأحدثت الفرقتين الجهويتان بفاس وسلا، نظرا لخصوصية المدينتين في ما يتعلق بانتشار الجريمة في أحيائها الشعبية، دعما لباقي فرق شرطة القرب بهما، والأطقم التابعة للأمن العمومي والشرطة القضائية بالمدينتين، وتضم كل فرقة حوالي 50 عنصر، خضعوا لتكوينات متخصصة بالمعهد الملكي للشرطة بالقنيطرة، وتتنافس عناصرها الشابة، وفق مصدر مطلع، في الوصول إلى المشتبه فيهم والمبحوث عنهم من قبل مصالح الشرطة القضائية، ولا يتردد بعضهم في تشكيل مصادر شخصية للمعلومات، والانصهار وسط المدنيين في بعض الفضاءات المكتظة بالناس.
ومنذ إحداث المجموعتين، صارت الإعلانات عن إنجاز عمليات أمنية نوعية، من قبيل توقيف عتاة المشتبه فيهم من أجل ترويج المخدرات والأقراص المهلوسة بالأحياء الشعبية، أو "فتوات" السرقة بالعنف والتهديد بالسلاح الأبيض، والتي تصدر عن خلايا التواصل بولايتي الأمن، لا تخلو من لازمة، هي "تمكنت المصالح الأمنية بالمنطقة (...)، وبدعم من مجموعة من الأبحاث والتدخلات".
"BRPJ" ضد الفساد المالي
ومن البنيات الجديدة التي أحدثتها المديرية العامة للأمن الوطني، أيضا، في شتنبر 2016، "الفرق الجهوية للشرطة القضائية" (BRPJ)، وتوجد بالتحديد منها، أربعة بمدن فاس والرباط الدار البيضاء ومراكش، ومهمتها مباشرة الأبحاث والتحريات في الجرائم الاقتصادية والمالية وقضايا الفساد المالي.
وتميزت الفرق الجهوية الأربع، بإحداثها عبر قرار مشترك لوزير العدل والحريات، ووزير الداخلية، صدر بالجريدة الرسمية، تنفيذا لمقتضيات المادة 22.1 من قانون المسطرة الجنائية الجديدة، وفيه أن نفوذها الترابي، يغطي في الحقيقة كامل التراب الوطني، إذ أن الفرقة الموطنة بفاس، يشمل اختصاصها المكاني دوائر نفوذ محاكم الاستئناف فاس ومكناس والراشيدية وتازة والحسيمة والناظور ووجدة، أما فرقة مراكش، فيمتد نفوذها نفوذ محاكم الاستئناف مراكش وآسفي ووارزازات وأكادير والعيون.
وفيما يتكون نفوذ الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بالرباط، المختصة في الجرائم الاقتصادية وقضايا الفساد المالي بنفوذ محاكم الاستئناف الرباط والقنيطرة وطنجة وتطوان، يشمل الاختصاص المكاني للفرقة الجهوية للدار البيضاء نفوذ محاكم الاستئناف بالبيضاء وسطات والجديدة وخريبكة وبني ملال.
وفيما تمارس الفرق الجهوية للشرطة القضائية، أساسا، مهامها بالنفوذ الترابي لغرف جرائم الأموال التي أحدثت في 2012 بمحاكم الاستئناف لفاس ومراكش والرباط والدار البيضاء، وتتولى المهام التي كانت منوكة بقسم داخل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، احتفظ القرار الوزاري المنظم لها للفرقة الوطنية (BNPJ)، بحق التدخل في كافة الأقاليم كلما تقرر أن تحال عليها قضية من اختصاص الفرق الجهوية المحدثة.
16 مجموعة لحفظ النظام
وشهد العام الماضي، علاوة كل ما سبق، إحداث تغييرات في مجال المحافظة على الأمن والنظام العام، فتم إحداث 16 مجموعة من القوات العمومية للتدخل السريع، 10 منها متنقلة، وخمسة منها متخصصة في مكافحة الشغب، أما المجموعة الأخيرة منها تلك الفرق الخاصة بالتدخل السريع، فتم توطينها بالعاصمة الرباط، كما أحدثت أيضا، مجموعتين للمحافظة على الأمن والنظام العام، تابعتان لولاتي أمن الرباط والدار البيضاء، خاصتان بحماية المصالح الأجنبية بالمغرب، أي السفارات والقنصليات والمباني الدبلوماسية.
وفي حصيلة تلك التغييرات التي طرأت على البنيات الشرطية، تشير المديرية العامة للأمن الوطني، في تقريرها لـ2016، عن ارتفاع بنسبة 23 % مقارنة بـ2015 في أعداد الأشحاص المشتبه فيهم الذين تم إيقافهم، إذ بلغ 466 ألف و997 شخصا، كما أن عمليات الحجز ارتفعت بنسب قياسية في مختلف أنواع المخدرات، حيث بلغت 106 طنا و870 كيلوغراما من مخدر الحشيش، بزيادة أكثر من 55 طنا مقارنة مع سنة 2015، وطن و582 كيلوغراما من الكوكايين (بنسبة ارتفاع ناهزت 355 %).
أما مدى نجاح التغييرات، في تدعيم الإحساس بالأمن، فترى المديرية العامة، وفق الوثيقة السابقة، أن "الإحساس بالأمن، يظل شعورا يتباين من شخص لآخر، ويخضع لمؤثرات وتمثلات ذهنية مختلفة، تكون في غالب الأحيان، بعيدة عن المعايير الموضوعية"، لذلك يبقى الحل الذي تعتمده المديرية، هو "تبني مخططات عمل ميدانية لتوطيد وتدعيم الإحساس بالأمن، وتعزيز جو الثقة بين مصالح الشرطة والمواطن".