أنهى التصويت السري أشهراً من الجدل حول منح عبد الإله بنكيران، فرصة الترشح لولاية ثالثة لقيادة حزب العدالة والتنمية. وحسم المجلس الوطني لـ"المصباح" صباح يوم أمس الأحد، مصير بنكيران، بتصويت 126 عضواً ضد فتح باب التمديد له، مقابل 101 معه، وامتناع 4 عن الإدلاء برأيهم في الموضوع.
نجح الرافضون لبقاء عبد الإله بنكيران زعيماً لحزب "البيجيدي" في اسقاط تعديل المادة 16 من القانون الأساسي، إذ اشتد الصراع بين المناصرين للتعديل والرافضين له حتى آخر اللحظات قبل المرور إلى التصويت السري، وترجم الصراع بكلمة ألقاها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، الذي ترافع ضد التعديل، مقابل مداخلة للقيادي والنائب البرلماني السابق عبد العزيز أفتاتي، الذي تقمص دور المحامي عن الولاية الثالثة.
بنكيران المعني الأول بالقرار، قال بعد خروجه من مكان انعقاد المؤتمر خلال كلمة مقتضبة أمام الصحافة، إن "مهمة بنكيران في الحكومة انتهت باعفائه من طرف صاحب الجلالة ومسؤوليته الآن كأمين عام للحزب انتهت بعد قرار المجلس الوطني". وفي جواب له عن رضاه على نتائج التصويت على قبول التعديل، والتي حملت 126 ضد و101 مع وامتناع 4، رد بنكيران "نعم بنكيران راض"، وتابع أنه "الآن مرتاح أكثر".
اقرأ أيضاً: بنكيران: مسؤوليتي كأمين عام للعدالة والتنمية انتهت
مرافعة أفتاتي والرميد
قبل المرور إلى التصويت على مرور تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب، وحسب ما ينص عليه القانون، منحت الكلمة لمن هم مع التعديل ومن هم ضده. أنصار الفريق الأول مثلهم عبد العزيز أفتاتي، وقال الأخير في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، حول مضمون مداخلته، إنه دفع بـ"ضرورة الحفاظ على مصدر قوة الحزب، والمتمثل في من يجمع بين المشروعية والاصلاحية"، واعتبر أفتاتي أن أكثر الشخصيات القيادية التي استطاعت أن "تجمع بين النموذجين بشكل متفرد، هو عبد الإله بنكيران، وجسدهما في خطاباته ومواقفه السياسية". وشدد أفتاتي، أنه رغم نتيجة اليوم، "ليس هناك ما يمنع الحزب من الاستمرار في خطه واختياراته المستقبلية".
ومقابل مرافعة أفتاتي، استحضر مصطفى الرميد، عدداً من الأمثلة للدفع برفض تعديل المادة 16 ومنح بنكيران فرصة الفوز بالولاية الثالثة. مصادر متطابقة من المجلس الوطني، كشفت لـ"تيل كيل عربي"، أن الرميد، ساق خلال كلمته أمثلة عن مؤسسات وطنية تمنح حق تسييرها لولاية واحدة أو لولايتين فقط. وما فاجأ أعضاء برلمان "البيجيدي"، حسب مصادر الموقع، هو قول الرميد، إن "التمديد يخلق ديكتاتوريات"، بل ذهب حد "التحذير من نموذج السيسي في مصر، والرئيس الهارب بنعلي في تونس".
وعن مضمون مداخلة الرميد، اعتبر عبد الصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة ورئيس جمعية المحامين المنتمين للعدالة والتنمية، أنها "لم يكن فيها أبداً مس بشخص عبد الإله بنكيران، أو تشبيه بينه وبين الديكتاتوريات التي تحدث عنها الرميد". وأوضح الإدريسي، الذي رفض بدوره التمديد لبنكيران، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن "الرميد شدد على أن تحديد الولايات كمقتضى يقرر فقط لمن يتمتعون بقوة شعبية، وهنا طرح تجارب لجمهوريات كان زعماؤها أقوياء لكن لم يحددوا فترة ولاياتهم، ليتحولوا بذلك من جمهوريات رئاسية إلى أنظمة مبنية على شخص".
وتابع الإدريسي، حسب فهمه لمداخلة الرميد بالقول: "حزب العدالة والتنمية يعتمد نظاماً رئاسياً من خلال انتخاب الأمين العام داخل المؤتمر مباشرة، وذلك يمنحه قوة وصلاحيات واسعة، لذلك لا يمكن أن نغير هذا الاختيار في تحديد ولايات الأمين العام لصالح شخص، سواء كان بنكيران أو غيره، وهذا كان صلب ما قله الرميد".
استقطاب حاد
لم يخلا أي من الطرفين، وجود استقطاب حاد بين أنصار الولاية الثالثة والرافضين لها، قبيل المرور إلى التصويت على قبول تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للحزب. مصدر من المجلس الوطني، قال في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، إن "المعارضين للتمديد لبنكيران وظفوا إلى حد كبير ما قاله عن قيامه بالحملة الانتخابية لوحده وذهاب الآخرين إلى الحج". وتابع المصدر ذاته، أن تصريح بنكيران هذا، والذي خرج مصطفى الرميد لانتقاده في تدوينة على حسابه في "فيسبوك"، "كان حجر الزاوية الذي دفع به معارضو منحه الولاية الثالثة، وقاموا خلال الساعات الأخيرة قبل التصويت، بتعبئة عدد من أعضاء المجلس الوطني، عبر تحذيرهم من شخصنة الحزب ووضع مصيره كله في سلة بنكيران".
البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، محمد خيي، وفي تصريح لـ"تيل كيل عربي"، وصف الاختلاف بين الطرحين داخل المجلس الوطني بـ"الانقسام الكبير في الرأي".
في المقابل، وصف عبد الصمد الإدريسي، مداخلات قرابة 120 عضوا من المجلس الوطني ولساعات طويلة، بالنقاش العادي، وإن اختلفت المداخلات إلى حد كبير، وكشف المتحدث ذاته، أنه شخصياً كان ضد التمديد لبنكيران، وإن كان له دور في السياسة وفي المغرب وداخل العدالة والتنمية، لكن هذا لا يعني بحسب الإدريسي، تغيير مبدأ اختاره "البجيدي"، ولا يمكن تفصيل القوانين على قياس أي شخص.
نقطة أخرى حسب مصادر "تيل كيل عربي"، "أضعفت حظوظ بنكيران في مواجهة من يعارضون التمديد له، خاصة الوزراء الذين انقلب أقرب المقربين منهم عليه"، وهي "طرح بنكيران ودفاعه عن تعديل المادة 37 من النظام الأساسي، بحرمان الوزراء من العضوية في الأمانة العامة بالصفة، ما جعل عددا منهم يراجعون موقفهم، ويقنعون من يدورون في فلكهم باختيارهم"، وظهر ذلك بحسب مصدر الموقع، خلال التصويت على قبول تعديل المادة المذكورة، والذي تم رفضه بـ130 صوتاً.
وعن الاستقطاب الذي وقع، ورهان كل فريق، اعتبر الدكتور وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، محمد زين الدين، أن بنكيران "راهن بشكل كبير على شبيبة حزبه من أعضاء المجلس الوطني، لكن ما أصبح يعرف بـ "تيار الاستوزار" استطاع التعبئة بشكل أفضل، وأظهر أن لهم تأثيرا قويا، قاد إلى رفض الولاية الثالثة من جهة، ورفض تعديل المادة 37 كذلك، والتي كانت ستحرم الوزراء من العضوية في الأمانة العامة بصفتهم أعضاء في الحكومة".
دور التوحيد والاصلاح
يرى الدكتور وأستاذ العلوم السياسي بجامعة الحسن الثاني، محمد زين الدين، أن تأثير حركة التوحيد والاصلاح وتصريحات قياداتها، كان كبيراً، وساهم في رفض منح بنكيران فرصة ولاية ثالثة.
وأوضح زين الدين في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن خروج قيادات الحركة، وأولهم أحمد الريسوني، لإعلان معارضتهم لتعديل المادة 16 من النظام الأساسي لـ"المصباح"، جعل للموقف وزناً داخل المجلس الوطني للحزب، وإن صرح قياديوها بـ"عدم وجود تداخل بين العمل الدعوي للحركة والفعل السياسي للحزب، والأكيد أنه كان لهم حضور وازن في عملية رفض التعديل".
هذا الرأي، يرفضه عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والاصلاح، محمد الهلالي، والذي قال في حديث لـ"تيل كيل عربي"، إن "الحركة أكدت من خلال بيانتها وتصريحات رئيسها عبد اللطيف الشيخي الشخصية، أنه لم ولن تتدخل في شؤون الحزب الداخلية".
وذهب الهلالي حد القول، إنه وبصفته عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، سوف يكون "أول من يرفض التدخل، لأن مبدأ الحركة هو التمياز بين الدعاوي والسياسي".
وعن التحليلات التي تربط بين آراء قيادييها، وما آلت إليه نتائج المجلس الوطني، أوضح الهلالي أن "بعض المناقشات الصحافية، وتصريحات من يحملون صفة قياديين في الحركة والحزب، أعطت هذا التأويل وهوعاري من الصحة، لوجود أعضاء آخرين كانوا مع التمديد لبنكيران"، وأعطى المتحدث المثال بمصطفى الخلفي.
واعتبر الهلالي أن قرار المجلس الوطني اليوم، "قرار داخلي مستقل، صدر عن هيئة مستقلة، ومرتبط بما يتداوله أعضاؤه في كل محطة حزبية".
اقرأ أيضاً: التوحيد والاصلاح.. الورقة الرابحة لحرمان بنكيران من ولاية ثالثة
"مفاجأة" موقف الخلفي والإدريسي
ومقابل معارضة عدد من الوزراء للتمديد لبنكيران، من بين أبرزهم مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، ولحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، ومحمد يتيم، وزير التشغيل والإدماج المهني، وعزيز الرباح، وزير الطاقة والمعادن، صرح مصطفى الخلفي، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، بموقف اعتبره عدد من أعضاء المجلس الوطني "مفاجأةً".
ولم يقف الخلفي حد إعلان دعمه لولاية ثالثة تمنح لبنكيران خلال المؤتمر الوطني القادم، بل قال حسب أكثر مصادر "تيل كيل عربي"، إن "قوة حكومة سعد الدين العثماني مستقبلاً، مرتبطة باختيار بنكيران أميناً عاماً مرةً أخرى، بشرط الحصول على تعاقد منه خلال المؤتمر الوطني القادم، بأن يمنح الدعم الكامل للحكومة".
وأمام التصريح "المفاجئ" للخلفي، برز كذلك موقف آخر "لم يكن منتظراً" بحسب أعضاء المجلس الوطني، من مناصرين لبنكيران، بل ذهب أحد أعضائه حد القول: "والله ما فهمنا أشنو وقع"، الموقف هنا يخص عضو الأمانة العامة ورئيس جمعية المحامين المنتمين للعدالة والتنمية، عبد الصمد الإدريسي، والذي عارض خلال النقاش تعديل المادة 16 من النظام الأساسي للحزب، وفي تبريره لموقفه، صرح الإدريسي لـ"تيل كيل عربي"، أن " النظام الأساسي يحدد ولايتين، وأنا أعتبر أن الدعوة إلى تعديله في آخر لحظة دون الاستناد لحجج واضحة وبينة، ضد روح الديمقراطية".
وعن الطرح الذي يدفع بـ"منح بنكيران فرصة أخرى على رأس الحزب، بالنظر لما واجهه خلال فترة البلوكاج السياسي والحكومي"، دفع الإدريسي بطرح مفاده، أن "الحزب لم يفكر يوماً في إعطاء فرصة لأحدهم، واختياره كان لصالح البلاد أولاً ولصالح الحزب ثانياً.
اقرأ أيضاً: الولاية الثالثة في "بيجيدي".. الخلفي يعلن نفسه الوزير الوحيد المساند لبنكيران
"انهاء" مرحلة بنكيران ومستقبل "البيجيدي"
في جواب له عن مرحلة ما بعد بنكيران، وصف محمد يتيم، وزير التشغيل والإدماج المهني، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، ما وقع بـ"العادي"، وأن "الحزب سوف يختار قيادته الجديدة خلال المؤتمر الوطني القادم"، رافضاً الحديث عن "ما قبل بنكيران وما بعده"، وشدد يتيم على أن نتائج المجلس الوطني، "أفرزتها آلية ديمقراطية، ناقش قبلها أعضاؤه باستفاضة وطيلة ساعات وجهتي النظر، ثم مر الجميع للتعبير عن رأيهم بشكل حر عبر التصويت".
مقابل هذا الموقف، طرح البرلماني محمد خيي، الذي كان من المساندين للتمديد لبنكيران، أن "موقع بنكيران سوف يؤثر على موقع الحزب"، وأوضح خيي في حديثه للموقع، أن الفريق المناصر لتعديل المادة 16 طرح مستقبل الحزب كجزء من الدفوعات التي ترافع بها، لإقناع أعضاء المجلس الوطني بالتعديل".
ووصف خيي بنكيران بـ"الزعيم الوطني الذي استطاع أن يحظى باحترام كبير وتأييد تميز به إلى حد كبير، بل وعليه طلب شعبي حقيقي". وشدد المتحدث ذاته، على أن "مسار بنكيران السياسي استطاع الجمع بين الواقعية والقدرة على الدفاع عن مصالح المغاربة ومصالح المؤسسات". وختم خيي تصريحه بالقول: "كنا نتمنى قبول تعديل المادة، ولكن هذه هي الديمقراطية، وهناك اعتبارات كثيرة أدلى بها كل طرف، المهم هو أن الحزب خرج موحداً".
من جهته، اعتبر عبد الصماد الإدريسي، أن "عبد الإله بنكيران زعيم سياسي كبير، لا يمكن أن يكون اليوم أميناً عاماً، لكن مكانه بصفته قيادياً موجود في حزب العدالة والتنمية، وما اختاره المجلس الوطني هو لمصلحة الحزب".
وعن تأثير القرار على فئات عريضة متعاطفة مع الحزب، وعدد من قواعده، توقع عبد العزيز أفتاتي، أن هؤلاء "سوف يتفهمون القرار بالتواصل وبالاستماع والنقاش معهم"، وتابع أنه "ليس عنده شك في قبول كل من يدور في فلك العدالة والتنمية لقرار المجلس الوطني، لأن اللبس الذي وقع سوف يزول".
في السياق، اعتبر الدكتور محمد زين الدين، أن المجال مفتوح أمام سعد الدين العثماني لبلوغ منصب الأمين العام، بل اعتبر أن "نتائج المجلس الوطني، سيكون لها انعكاسات على الإسراع باقتراح أسماء الوزراء الأربعة الذين سوف يعوضون من تم اعفاؤهم، لأن حزب العدالة والتنمية استطاع بقرار مجلسه الوطني، بعث رسائل الطمأنة والثقة مع الدولة، بعدم التجديد لبنكيران، بالاحتكام إلى واقعية السياسية، وقطع فترة الانتظار التي كان يمكن أن تطول حتى انتهاء مؤتمر (البيجيدي) الثامن ومعرفة نتائجه على مستوى القيادة".
اقرأ أيضاً: جبرون (1/2): ما حققه الملك للإسلاميين ما كانوا ليحققوه ولو قاموا بالثورة
هل يسقط المؤتمر قرار المجلس الوطني؟
طرح عدد من المتفاعلين مع قرار المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، إمكانية مراجعة المؤتمر الوطني لقراره، وإعادة طرح المادة 16 للتعديل.
مصدر من المجلس الوطني لـ"البيجيدي"، أوضح لـ"تيل كيل عربي"، أن الأمر لم يسبق حدوثه في تاريخ مؤتمرات الحزب، وإن حدث يجب أن يكون عبر سيناريو واحد، وهو "رفض المؤتمر التصويت على لائحة التعديلات التي طرحت عليه مجتمعة، دون نقاشها، لأنه حسب القانون يجب المرور بعد ذلك إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني داخل المؤتمر، تراجع التعديلات جملة واحدة، وهذا أمر مستبعد بالنظر إلى المعطيات الحالية داخل الحزب".