حسن أنفاوي*
على الرغم من أن الطاقة أصبحت عاملاً استراتيجيًا في التنمية الاقتصادية، إلا أن المغرب لا يزال يعتمد إلى حد كبير على سوق الطاقة الدولية، لأنه يستورد أكثر من 90٪ من احتياجاته من الطاقة.
للحد من اعتماده على الطاقة المستوردة، تبنى المغرب إستراتيجية جديدة للطاقة في عام 2009 بزيادة حصة الطاقات المتجددة في مزيج القوة الكهربائية المركبة إلى 52٪ بحلول عام 2030. كما يتيح موقعه الاستراتيجي أن يكون مركزًا كهربائيًا بين أوروبا وأفريقيا.
بينما كان تحقيق أمن الطاقة أولوية قصوى بالنسبة للمغرب خلال السنوات العشر الماضية، أدى ارتفاع أسعار الغاز الحالي بسبب الصراع الروسي الأوكراني إلى زيادة فاتورة الطاقة الوطنية بشكل كبير، مما يسلط الضوء على حاجة المغرب لاعتماد سياسة طاقية أكثر اكتفاءً ذاتيًا.
تنامي مشاريع التنمية المستدامة
مشاريع الطاقة المتجددة في المغرب ممكنة بفضل إنشائه إطار مؤسساتي وتشريعي وتنظيمي مناسب، بينما يواصل تحديث مبادراته في مجال الطاقة، من أجل جعل قطاع الطاقة المتجددة أكثر جاذبية للاستثمار الخاص، مما مكن المغرب بأن يصبح من بين رواد الطاقات المتجددة في إفريقيا، إلى جانب جنوب إفريقيا ومصر.
كما طور المغرب أيضًا برنامجًا متكاملًا لتحلية مياه البحر يشمل محطات تعمل بالطاقة االكهربائية مدعومة بوحدات إنتاج للطاقة المتجددة، بالإضافة إلى إعداد لخارطة طريق للطاقة البحرية. زيادة على ذلك، فإن المغرب على خريطة البلدان التي يمكن أن تصبح رائدة على مستوى العالم في تصدير الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050.
بما أن جنوب المغرب يستفيد من مصدر استثنائي للطاقة المتجددة، فإن العقد القادم سيشهد تطوير مجموعة كبيرة من مشاريع الطاقة المتجددة، خاصة طاقة الرياح، في هذه المنطقة. ومع ذلك، فإن نقل هذه الطاقة إلى مراكز الاستهلاك يتطلب تعزيز شبكة التيار المتردد 400 كيلو فولت في جنوب المغرب، وما يترتب على ذلك من زيادة في قدرة العبور لهذه الشبكة.
الربط الكهربائي الإقليمي
أما بالنسبة لموريتانيا، فقد دفعت الزيادة في استهلاك الكهرباء دول غرب إفريقيا إلى إيلاء المزيد من الاهتمام بتنمية إنتاج الكهرباء من خلال مصادر الطاقة النظيفة. كما تهدف تقنيات طاقة الرياح إلى إنتاج 129 ميجاوات بحلول عام 2030 في موريتانيا.
منذ عام 1997، تم ربط الشبكة الوطنية المغربية للكهرباء بنظيرتها الإسبانية، وسيشكل ربطها بالشبكة الوطنية الموريتانية نموذجًا لتكامل، مما يمكن من تحسين وترشيد استهلاك الكهرباء ويساهم في التنمية الاقتصادية للدول الأفريقية المطلة على المحيط الأطلسي.
تشترك موريتانيا في مصادر طاقة الرياح مماثلة مع جنوب المغرب، ولاسيما المنطقة الساحلية الشمالية. تبلغ طاقة الرياح المركبة في موريتانيا 34.4 ميغاواط، وبالتالي، يمكن لمشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك طاقة الرياح، أن تكون بمثابة نموذج لتكامل الطاقة الخضراء في جنوب المغرب وشمال موريتانيا.
الطاقة الكامنة في الرياح
تعتمد دراسة سرعة الرياح وتقييم الطاقة الكامنة فيه في موقع معين على عدد قياس سرعة الرياح والمدة الزمنية لقياسها، وبالتالي على طبيعة وقيمة التغيرات في سرعة الرياح، على سبيل المثال، بالنسبة لموقع طنجة في شمال المغرب، يتطلب تقييم الطاقة الكامنة في الرياح أربعة قياسات في اليوم لسرعة الرياح (الساعة 0، الساعة 6، الساعة 12 والساعة 18) لمدة لا تقل عن تسع سنوات.
في جنوب المغرب، يعتبر أغسطس ويوليو أكثر شهور السنة قوة للرياح، بمتوسط شهري يبلغ 7.67 م/ث و 10.12 م/ث في العيون والداخلة على التوالي. بالنسبة للعيون، تقارب سرعة الرياح القصوى 34 م/ث بينما تقدر ب 27 م/ث في الداخلة، مع تباين أكثر انتظاما في سرعة الرياح بالنسبة لجهة الداخلة.
فيما يخص قرية الكويرة المغربية، فإن شهر يونيو هو أكثر قوة للرياح، حيث يتراوح متوسط سرعة الرياح اليومية بين 7.9 م/ث و 10.7 م/ث لمدة 27 يومًا، بينما خلال شهر ديسمبر، تكون قوة الرياح ضعيفة والمدة لا تتعد 5 أيام، بينما 19 يومًا، فمتوسط سرعة الرياح يتراوح بين 5.4 م/ث و 7.9 م/ث.
بالنسبة لغالبية المواقع التي تمت درستها، تكون سرعة الرياح قوية خلال النهار وتصل إلى أقصى حد لها حوالي الساعة 4 مساءً بالتوقيت المحلي، قبل أن تصبح منخفضة في الليل. يمكن تفسير الاختلاف بين سرعة الرياح أثناء النهار والليل بشكل أساسي من خلال تأثير الارتفاع التدريجي في درجة الحرارة خلال النهار على ساحل المحيط الأطلسي الذي يتسبب في خلق رياح محلية (نسيم بحر/أرض) التي تتقوى بانضمامها إلى رياح الأزور.
إن طاقة الرياح الكامنة المتاحة، فهي أكبر بالنسبة لجهتي الداخلة، جنوب المغرب ونواديبو، شمال موريتانيا، حيث سيتم إنشاء محطة طاقة الرياح بقوة 100 ميجاوات. بالنسبة للداخلة، على ارتفاع 10 أمتار، المتوسط السنوي للطاقة الكامنة في الرياح المتاحة هو الأعلى (462 وات/م2) في العام، تقريبًا ضعف مثيله في العيون وأربعة أضعاف مثيله في طانطان.
طاقة الرياح
في عام 2021، بلغ إجمالي قوة طاقة الرياح المركبة في المغرب 1350 ميجاوات، أكثر من 56٪ (757.3 ميغاواط) تقع في جنوب المغرب. لا تزال محطة طاقة الرياح المغربية في طرفاية (301.3 ميجاوات) التي تم تركيبها في عام 2014 أكبر محطة في إفريقيا. بينما يبلغ إجمالي قوة طاقة الرياح في موريتانيا 34.4 ميجاوات، تم تركيب أول محطة طاقة الرياح بقدرة 4.4 ميجاوات في نواكشوط في عام 2011. بالنسبة لجنوب المغرب وشمال موريتانيا، تعد طاقة الرياح بديلاً تنافسيًا للطاقة الأحفورية (البترول، الغاز والفحم) لإنتاج الكهرباء مستقبلا.
طاقة الرياح، عامل أساسي للتكامل الاقتصادي
مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك طاقة الرياح، هي نموذج وعامل أساسي للتكامل الاقتصادي لجنوب المغرب وشمال موريتانيا. إن تطوير طاقة الرياح سيكون له آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة على هذه المنطقة وسيساعد البلدين، المغرب وموريطانيا، على أن يصبحا رائدين إقليميين في مجال الطاقة الخضراء.
تعريف كاتب المقال:
الدكتور حسن أنفاوي، حاصل على دبلوم شهادة الدراسات العليا في الطاقة الشمسية ودكتوراه دولة في الهندسة الكهربائية (طاقة الرياح) من جامعة محمد الخامس (المغرب) بالتعاون مع جامعة ريدينغ (المملكة المتحدة) برعاية المجلس الثقافي البريطاني.
منذ عام 1986، هو عضو بمختبر الطاقة الشمسية والبيئة بكلية العلوم بالرباط، بالإضافة إلى مجال بحثه الرئيسي الحالي في الهندسة الكهربائية وطاقة الرياح، فقد طور نماذج للتنبؤ بالإشعاع الشمسي وسرعة الرياح.
يعمل حاليًا أستاذًا للطاقة المتجددة، الهندسة الكهربائية، النجاعة الطاقية، الفيزياء الصلبة، الإلكترونيات، الضبط الآلي والمعالجة الرقمية للإشارات في جامعة محمد الخامس بالرباط، المغرب. نشر العديد من المقالات البحثية العلمية في المجلات الدولية المفهرسة. كما أشرف على العديد من الطلاب لإعداد أطروحة الدكتوراه وعلى مشاريع نهاية الدراسة لطلاب الهندسة بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط،. البروفيسور أنفاوي هو أيضًا خبير معترف به من قبل المنظمات الدولية في تقييم موارد طاقة الرياح والطاقة للشمسية.
الدكتور أنفاوي مراجع لعدة من المجلات الدولية حول طاقة الرياح والطاقة الشمسية، بما في ذلك مجلة "الطاقة المتجددة" التي تنشرها "ألسيفياء"، وكذلك محرر مشارك بمجلة "الاتصال: الطاقة - الفرنكوفوني".
كما ساهم في تطوير مجلد طاقة الرياح لموسوعة "ألسيفياء" حول الطاقات المتجددة، التي نشرتها سنة 2012. وشارك في نشر العديد من الكتب الجماعية، على سبيل المثال، "طاقة الرياح بالمغرب: الموارد، الكمون والتطور"، طاقة الرياح - التطور والتوجهات المستقبلية من منظور عالمي، نشرته "سبرينجا" في عام 2019.
البروفيسور أنفاوي، حاصل على شهادة في تدبير الشركات وممثل الشبكة العالمية للطاقة المتجددة بالمغرب، وهو أيضا عضو في العديد من الجمعيات الوطنية والدولية، بما في ذلك الجمعية المغربية للطلاب السابقين "فولبرايت".