حين تتحول الجريمة لتتويج وفرح بالإبادة...
نتفرج اليوم، جميعا، بوعي ودون ضغط، وليس بعد عقود على تنزيل مقولة: "التاريخ يكتبه المنتصرون".
مقولة ولدت من جديد من رحم تصريح الممثل الإيرلندي كيليان مورفي، بعد فوزه بجائزة أوسكار "أفضل ممثل" عن أدائه دور شخصية "العبقري النووي"، روبرت أوبنهايمر، حين قال: "نحن نعيش في عالم أوبنهايمر والقنبلة الذرية، بحسناته وسيئاته. وبالتالي، أود أن أهدي هذه الجائزة لصانعي السلام في كل أنحاء العالم".
تصريح يفرض بعنف ما يوصف ب"القوة الناعمة" على الضمير الجمعي للبشرية، أن يُطبِّع مع الكلمات الأخيرة قبل نقطة النهاية فيه.
أن يقبل بأن الإبادة البشعة التي أنهت حياة 140 ألف شخص في هيروشيما و80 ألف آخرين في ناكازاكي، من بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والرضع والعجزة والمرضى، كانت "ضرورة إنسانية من أجل السلام".
رغم أنها كانت في الواقع صراعا على السلطة الدولية وتنافسا بين من يتحكمون في رِقاب البشر على من سوف يستعبدهم لأجل نموذجه السلطوي على حساب الآخر.
إعادة صياغة التاريخ عبر "Oppenheimer"، تتواصل بتتويجه بجائزة أفضل فيلم، وحصده لجوائز ستِ فئات أخرى، من أصل ثلاثة عشر فئة كان مرشحا لها.
لينضم بدوره إلى كوكبة عربات مرتبطة بقطار بدون سرعة محددة، يمر عبر محطات التاريخ، ويجر خلفه من تحمل العلامة التجارية التي تشير إلى أن البقاء والاستمرار للأقوى.
يعيش إلى هذه اللحظة بين البشر فوق الكوكب من عاصروا الإبادة الذرية في اليابان. ولا يملكون القوة حتى للبوح بأن الفيلم يحمل في تفاصيله كل الشروط التي تُدخله في خانة التدليس وتحويل جريمة حرب إلى "حاجة إنسانية" كانت البشرية "مرغمة" على اقترافها بسواعد أمريكية، ربت الأجيال على أن "السوبر مان" يحمل جنسيتها بالضرورة.
جعلت من خلال السينما، حياة الآلاف بل الملايين، لا تساوي شيئا، مقابل اللقطة الأخيرة التي يَفلت فيها "البطل" من الموت، ولو بتدخل مائع من المُخرج.
فيلم "Oppenheimer" ليس الأول ولن يكون الأخير ضمن نهج إعادة التأكيد على أن "التاريخ يكتُبه الأقوياء"، بل أصبحوا يعودون للتذكير بروايتهم والزيادة فوقها دون خجل ودون انتظار وفاة الشهود.
نهج يسقط معه المثل المغربي القائل "الكذوب غير على الموتى".
ولا تستغربوا حين تتفرجون مستقبلا وأنتم شهود اليوم تجاه ما يتعرض له شعب فلسطين، على أساس أنه "كان حاجة لأجل صانعي السلام في كل أنحاء العالم".
أن تعيدوا نسخ خبر التتويج بجوائز "الأوسكار" وغيرها، لأجل الاحتفاء بجرائم الإبادة الجماعية، بعدما رشت مساحيق التجميل على إعادة تمثيلها، وفق سيناريو وحوار، يجعل من الجلاد "بطلا" والضحية "مجرما".
أن يُمسخ "مسرح جريمة غزة"، ويتحول من رقعة يباد فوقها مئات الآلاف من الضحايا إلى بلاطو تصوير، بخلفية خضراء، يسهل معها تزييف التاريخ دون أن يكون متصلا بالواقع.