يحق للأغلبية الحكومية، أو لنقل لحزب التجمع الوطني للأحرار أن يستأسد أمام خصومه السياسيين، ويعتبر أنه وحده اليوم "مضوي البلاد" في مواجهة ظلام قاتم عند الضفة الأخرى، وما بين الضفتين، ترك المغاربة داخل متاهة.
من حسن حظ من يقود الحكومة اليوم، أن مكونات المعارضة غارقة في الشتات النابع من حسابات شخصية ونزوات فردية.
ومن سوء حظ المغاربة، أن لا صوت لهم ينبه لوصول السكين إلى العظم، وتركهم لوحدهم يواجهون ضربات اجتماعية واقتصادية متتالية، قسمت ظهر أغلب الفئات حتى الميسورة منها.
نهاية الأسبوع المنصرم، جمعني لقاء بأحد المستثمرين المغاربة الكبار، واحد من الفاعلين الاقتصاديين في قطاع يضمن الاستقرار.
سألته في سياق جلسة شخصية تحفها الثقة: "أشنو بان ليك في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمغاربة؟"
أجاب بعفوية: "أنا وليت يلا بغيت نصرف 1000 درهم كنخمم ليها فين غاديا تمشي وأشنو غاديا تجيب!"
الرجل الذي يتحدث هنا، تحقق فروع مجموعته الاقتصادية رقم معاملات بالملايير، رغم ذلك، بلغه الإحساس بأن الجمود الذي نعيشه اليوم، بلغت إنعكاسته كل حلقات المجتمع.
جواب رجل الأعمال، ذكرني بالتصريح الذي جاء على لسان الأمين العام لحزب الحركة الشعبية محمد أوزين، حين قال إنه "يتجادل مع زوجته بخصوص ارتفاع تكاليف العيش".
تصريح تم التفاعل معه للأسف بسخرية، عوض الغوص في خلفياته التي وإن كانت نسبة قليلة منها صادقة، فإنها تدل على أن هناك شيء ما ليس على ما يرام، وأن الأعطاب الاقتصادية والاجتماعية تتمدد، وتتسع دائرة أثرها على الحياة اليومية للمواطنين المغاربة من مختلف الفئات.
ما علاقة كل ما سبق بالأغلبية والمعارضة؟
هناك رابط وثيق. وهو أن اختلال موازين القوى السياسية وحتى النقابية يترك الجهة الغالبة تتصرف وتتحرك على هواها، وتعتقد بيقين أن كل ما تُصرفه من قرارات هو عين الصواب مهما كانت النتائج.
اليوم نحن أمام الرأي الواحد في كل شيء وأي شيء.
لم نعد نسمع الضجيج الضروري لمصالح نقابة "الباطرونا".
تحول الحوار الاجتماعي السنوي لبروتكول يجب قبول ما يتحصل من فتاته والاحتفاء به.
لم تعد جلسات البرلمان بغرفتيه مغرية للمتابعة، ولم يعد الوزراء مجبرين على حضورها لمساءلتهم ومحاسبتهم.
دخلت أحزاب المعارضة غرفة إنتظار تعديل حكومي مؤجل واختارت باستثناء حزب التقدم والاشتراكية "حكمة الصمت" لعلها تعود عليها بمكافأة ركوب سفينة الأغلبية.
انصرف السواد الأعظم من الجمعيات لتدبير مشاريع شراكاتها التي أصبحت تدر على مسيريها الملايين من الدراهم سنويا، عوض مواصل التركيز على تأطير مجتمع مدني، يجب أن يبقى بالضرورة لأجل الدول حيا وإن لم يُرزق.
شخص علماء النفس الانزعاج من بعض الأصوات على أنه اضطراب نفسي، يلزم معه العلاج.
لذلك، وأمام ما نعيشه اليوم، نتمنى ألا تكون الأغلبية ومن يقودها قد أصيبوا ب"متلازمة كره الأصوات المزعجة" وإن على قلتها، لأن بانقراضها، تنقرض أحد أركان استمرار التوازن داخل الدولة.
رؤية الأصوات المزعجة وسماعها، أرحم في الحاضر ولأجل المستقبل، من اختبائها حيث تتشبع بتربية الهدم، عوض المساهمة في ضمان استمرار الاستقرار.