من بين أشد أنواع الابتلاء التي تُعاني منها المسؤولية بمختلف درجاتها في المغرب، غياب المحاسبة بعد طرح الحساب، والكشف عن التصريحات والوعود والأرقام التي تخرج من أفواه المسؤولين، مهما شابها من تناقض وسوء تقدير أو حتى خوف من الاجتهاد.
مناسبة هذه المقدمة، ما جاء يوم أمس الإثنين تحت قبة البرلمان على لسان وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي، بشأن مصفاة "سامير"، وحديثها عن أن "طلبات الاستثمار التي يتوصل بها المغرب في تكرير البترول جد ضئيلة ولا تُرفض".
سوف نتجاوز مسألة "لا تُرفض" لأنها قصة أخرى تحتاج أكثر من بضع كلمات هنا، أما ثقل ملفها،د فإنه يفرض طرح السؤال على المستفيد الأول مباشرة.
نبقى عند مسألة "جد ضئيلة" ونطرح سؤالا مباشرا مقصودا: ماذا تغير؟
وقبل الإجابة عليه، وجب الإشارة إلى أنه مع وصول الوزيرة ليلى بنعلي لوزارة الطاقة، كانت تشع حماسا وتفيض تحمسا... وتعد كل من يحيط بها بأنها سوف تُسخر خبرتها الطويلة لخدمة الأمن الطاقي للمغرب، خاصة في مجالي المحروقات والطاقة المستدامة. نحن نتحدث عن سيدة ليست فقط مطلعة على مجال الطاقة كما سبقها من مسؤولين على رأس وزارتها، أو متكفل بهم، بل إنه جزء لا يتجزأ من تخصصها، وشأن تعرف عنه كل كبيرة وصغيرة خارج المغرب وداخله.
وحين تم استدعاؤها لتكون عنصرا من لجنة إعداد النموذج التنموي الجديد، كانت تشغل منصب كبيرة الخبراء الاقتصاديين ومديرة إدارة اقتصاديات الطاقة والاستدامة لدى الشركة العربية للاستثمارات البترولية "أبيكورب".
وقبل ذلك، فقد شغلت مهمة مستشارة لسياسات الطاقة والغاز لدى شركة "أرامكو" السعودية. كما شغلت سابقاً منصب مديرة في شركة كامبريدج لأبحاث الطاقة (Cambridge Energy Research Associates)، وكذلك مع شركة (Schlumberger) النفطية.
سيدة بكل هذا "الثقل الطاقي" قالت يوم 19 دجنبر عام 2022 تحت قبة البرلمان، إن "القرار القضائي الخاص بكراء خزانات (سامير) يعود لسنة 2020".
وأوضحت أنه في "ماي من سنة 2020 كانت أسعار البترول لا تتجاوز 20 دولار، وحينذاك اتخذ قرار كراء خزانات (سامير)، وتكليف مكتب الهيدروكاربونات والمعادن بإبرام عقد الكراء".
وأبرزت الوزيرة حينها أنه "إذا انخفضت أسعار البترول، وأسعار المواد النفطية إلى أقل من 20 دولار، فإن الوزارة ستعمل كما اشتغلت عندما توقف الغاز الجزائري على تفعيل إمكانية كراء خزانات المصفاة وعدم تضييع هذه الفرصة".
وعن وضعية مصفاة (سامير)، صرحت أنها "تتسم بتعقيد غير مسبوق نتيجة تراكم المشاكل والديون بين المستثمر والدولة المغربية لما يزيد عن 20 سنة، الشيء الذي توقف بسببه إنتاج المصفاة".
وما يهمنا في قصة العودة إلى ما سبق، كون الوزيرة بنعلي أعلنت في ذلك الحين أنها "تعمل بمعية بعض المستثمرين والدول الشقيقة المهتمة بصناعة التكرير الذي يريدون الاستثمار فيه وفي التخزين وتحويل المواد البترولية أو الخضراء". وعبرت صراحة على أن وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة "لا تريد لمصفاة (سامير) أن تُغلق بعد عامين من إعادة تشغيلها من جديد".
فجأة لم يعد المستثمرون والأشقاء مهتمون. بينما باتت طلباتهم ضئيلة اتجاه الاستثمار في تكرير البترول وتخزينه المغرب!
هكذا وبدون مبررات أو توضيحات، لمحت الوزيرة يوم 2 يوليوز من العام الجاري لما يشبه "انعدام الاهتمام بالاستثمار في سوق تكرير البترول بالمغرب" في المقابل، سبق ووعدت يوم 19 دجنبر عام 2022 بأنها ستعمل على ضمان عدم إغلاقها وطموح العمل مع مستثمرين ودول شقيقة مهتمين بالقطاع.
ماهي الظروف التي فرضت الاختلاف إن لم نقل التناقض التام بين التصريحين؟
جزء من الجواب جاء على لسان بنعلي نفسها في التصريح الأول، حين قالت: "ملف (سامير) لا يحتاج للمزايدات التقنية والسياسية" لأنه يبدو أن "المزايدات" هي من تنتصر في الأخير، خاصة إن كانت تلك التي تجمع ما بين "سلطتي الاقتصاد والسياسة".
هذا ما تغير ما بين 19 دجنبر و2 يوليوز!