قضيت الأسبوع الأخير، كاملا، ما بين إسبانيا والبرتغال، عبر رحلة بالسيارة، اخترت خلالها زيارة ما أمكن من المدن الكبرى والصغرى، وحتى القرى والمداشر، بتعبيرنا نحن المغاربة. أسبوع يفرض عليك طرح سؤال: هل نحن مستعدون لإنجاح التنظيم المشترك لكأس العالم 2030؟
الجواب لن يكون بما نملكه نحن أو ما نعده لهذا الحدث الدولي، الذي كلما اقترب موعده، ركزت معك أكثر باقي دول العالم.
الجواب سيكون من خلال ما هو متوفر هناك.
عند الإسبان والبرتغال، لا حاجة لهم لتوسيع الطرقات أو حفر الأنفاق، ولا حتى إضافة طوابق علوية أو تحت أرضية لمنع الاختناق المروري. كل شيء عندهم جاهز لاستيعاب ما يمكن أن يتدفق عليهم من أمواج بشرية تبحث عن متعة الكرة، وأشياء أخرى ترافقها.
الربط الطرقي ووسائله متوفرة بين كل نقطة على كافة التراب الوطني للبلدين، ولا حاجة عندهما لإصدار بلاغات ترتيب مواعيد السفر أو تأجيلها، كما هو الحال عندنا، قبل أيام الأعياد والعطل والمدرسية.
لتصل من مدينة إلى أخرى، مرورا بالضواحي، أمامك أكثر من اختيار؛ من بينها طريق سيار مجاني يربط بين دول أوروبا كلها، وليس بين إسبانيا والبرتغال فقط.
ماذا عن الخدمات السياحية بكل تفاصيلها؟
داخل مطعم بإحدى المدن الإسبانية، جلست أنتظر دوري لطلب تناول وجبة الغذاء. رفعت رأسي نحو جدار مقابل للطاولة التي اخترت، يشبه السبورة السوداء لمدارسنا. كتب عليه: وجبة كاملة...
سلطة متنوعة وغنية تحتوي على فواكه بحر طازجة، بعدها طبق رئيسي، لك الحق أن تختار فيه ما بين قطعة لحم أو دجاج أو سمك أو معجنات، ثم التحلية... بالإضافة إلى قنينة ماء ومشروب آخر غازي محلي، معد من عصير الليمون الحامض، وقنينة أشياء أخرى إن شئت وضعها على الطاولة...
بكم كل هذا الخير؟
لم أصدق وأنا أقرأ على الحائط 11 أورو! نعم، سعر هذه الوجبة الكاملة بكل مرفقاتها، هو 112 درهما فقط!
في البرتغال، نفس المشهد تكرر، أكثر من مرة. تطمئن وأنت تجلس بالمقاهي والمطاعم لهؤلاء الغرباء عنك، وتحس أنهم يحترمون قدرتك الشرائية الضعيفة جدا مقارنة بهم. تعتقد أنهم يوفرون لك جودة الخدمات والأكل الصحي واللطف المفرط، بأسعار تفضيلية؛ لأنك غريب فقط.
المقابل المالي لتناول وجبات كاملة عندهم لا يضمن لك حتى احتساء فنجان قهوة وقنية ماء، رفقة صديقين، بإحدى مقاهي مدينة صغيرة؛ مثل بوزنيقة، عندما يحل فصل الصيف. أما في مراكش ومدن الشمال وأكادير و...، فقد تحتاج هذا القدر من المال لأداء إتاوة ركن سيارتك، خلال يوم واحد فقط.
كل شيء في مكانه، بما في ذلك الابتسامات التي تسبق السؤال عن طلبك، ولا تختفي بعد أدائك للفاتورة.
بكل شارع وزقاق وحي ورُكنٍ ما يسر أعين الناظرين. لا تمل خلف مقود سيارتك، وأنت تنتظر تغير إشارة الضوء إلى الأخضر، بل تتمنى أن يطول احمرارها، لأنك أين ما وليت وجهك، تتمتع بجمال تفاصيل ما صنع لأجل الإنسان، وليس ما هو مفروض على شيء آخر!
لا فرصة للصدفة هنا، كل شيء تم التفكير فيه، بشكل مسبق، وعندما ترصد ميزانيات تقوية البنى التحتية، تصرف على ما يضمن نجاعة استمرار خدماتها لعقود، وليس لسنوات معدودات، بغرض التحايل لكسب غنيمة حلب صناديق المال العام، بشكل متكرر.
وأنا وسط إشبيلية، قفزت إلي عنوة، مشاهد من الدار البيضاء، وتساءلت هنا: ماذا سيجد جمهور الكرة لرؤيته، عندما يزور أكبر مدن المغرب؟!
تذكرت حال الأزقة الضيقة المختبئة خلف سورها القديم، وكل ما هو محيط بها. حاولت عدَّ كم تملك من مساحة خضراء، ووُفِقت في ذلك، بسرعة؛ لأنها مهمة سهلة، سرطانات الإسمنت جعلتها كذلك.
ماذا عن الإنسان؟
هذا هو الامتحان الأصعب؛ لأن المؤسف في القصة ككل أن المسؤولين المغاربة يتوهمون؛ إلى حدود الساعة، أن ما يضمن النجاح في امتحان مونديال 2030 هو صرف الملايير على إعادة تأهيل ملاعب سبق ورصدت لها ملايير، أكثر من مرة، لنفس الغرض، والنتيجة النهائية تعرفون قصتها.