للأسف، حال الجارة الشرقية، اليوم، مثل حال الرجل الذي يتسول حاملا ابنه على كتفه، الأول يصيح: "شي صدقة على الله..."، والثاني يجيبه: "الله يجيب أ الواليد...". مناسبة استحضار واحد من أعمق الأمثال الشعبية المغربية، ليس فقط القرار الأخير بفرض "الفيزا" على المغاربة لدخول الجزائر، بل مسلسل تخبط تعيشه البلاد، منذ سنوات، بسبب ردود فعلها غير المحسوبة ضدا في انتصارات دبلوماسية وسياسية تراكمها المملكة المغربية، على الصعيدين الدولي والقاري.
مطلع شهر شتنبر الجاري، كنت بجنيف، حيث مقر الأمم المتحدة، لحضور وتغطية أشغال الدورة الـ57 لمجلس حقوق الإنسان، الذي يترأس ولايته الحالية المغرب. وكما هو الحال في المرات السابقة التي ولجت حينها المؤسسة الأممية لفترات طويلة، تُفضل الجزائر، وهي تحمل طفلها "البوليساريو" فوق كتف دبلوماسيتها، أن تحترف مهاجمة جارتها وتسول المواقف ضدها. تصرف الجهد والوقت والموارد البشرية على محاولات نسف مصالح المغرب تجاه حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
هناك، بجنيف، ولأقرب لكم الصورة، استفاق المشاركون في دورة مجلس حقوق الإنسان على دعوة لحضور لقاء روج على أنه سوف يناقش تطورات القضية الفلسطينية. ولأن هذا الملف مطروح على طاولة جدول أعمال الدورة، هناك من تفاعل معه، واختار أن يحضر أو يشارك، باستثناء السفير الدائم لفلسطين الذي فهم "أن شيئا ما وراء الأكمة".
انتهى اللقاء الذي كان برعاية الجزائر وجنوب إفريقيا، كما لم يبدأ. عدد من الوفود والمراقبين والمسؤولين انسحبوا، ومنهم من وجه احتجاجا رسميا لرئاسة مجلس حقوق الإنسان، والسبب أن الدعوة لحضور ما يهم فلسطين تحول إلى نقاش ملف الصحراء المغربية، رغم أن الأخير غير مطروح بصفة نهائية في أشغال الدورة.
هذا مثال واحد من بين مئات الأمثلة عن أنه في الوقت الذي تجتهد فيه عدد من دول العالم لإيجاد حلول للنزاعات المفتعلة وإنهاء الحروب ومنع تفتيت الدول والتكتلات، تركز الجزائر ومعها طفلها على السباحة ضد تيار التوجه العام للأمم.
تفضل الجارة ترك الترافع لأجل مصالحها ومصالح شعبها، وتنخرط، بلا كلل ولا ملل، في مواجهة مصالح المغرب والضرب تحت الحزام وفوقه. بل إن عددا من الدول، وبعد واقعة التدليس التي عرفها عقد "لقاء من أجل نقاش فلسطين"، اضطرت لتوقيع بيان تمت تلاوته داخل دورة المجلس، عنوانه: "دعوة الجزائر للكف عن استغلال حضورها لأشغال عدد من المؤسسات الأممية، في طرح ملف غير مدرج ضمن جدول الأعمال، واستغلال أنشطة موازية لأجل نفس الغرض".
وأمام كل ما سبق، تمنيت لو امتلكت الخارجية الجزائرية، في كل مرة تصدر بلاغا يتضمن ما هو ضد المغرب، أو تصطنع بدعة نقاش تقحم فيه ملف الصحراء المغربية عنوة، أن ترقن مداد الحقيقة كما هي.
والحقيقة هي أنه كلما تقدم المغرب بخطوة تجاه حصد دعم الدول والمؤسسات للاعتراف بمغربية الصحراء، كما وقع مع دولة الدنمارك، مؤخرا، يدخل "ديك الدبلوماسية الجزائرية المذبوج"، في هستيرية، رقصة لم تعد تغري كثيرين لاقتناء تذكرة الفرجة عليها.