أحمد مدياني: غنائم جملة مفيدة يكونها عزيز لأول مرة... بدون مساعدة!

أحمد مدياني
أحمد مدياني

"إضراب قوم عند قوم غنائم... إضراب قوم عند قوم غنائم..." كانت جملته المفيدة الأولى التي يُركبها، بدون مساعدة من طرف أو أطراف أخرى. هو لا يملك من أين يصرف على من يكتبُ له أو يُلقنه الجمع بين الحروف والكلمات لتركيب الجمل، ومع ذلك فقد استطاع القيام بهذا الأمر من فرط فرحة ما وقع من تحول في حياته!

مر أسبوع على عزيز وهو يتأمل غنائم فشل إضراب زملائه المرابطين خلف "تيوات" ضخ المحروقات في السيارات وشفط الأموال من جيوب من يركبها.

"زائد درهم هنا... زائد درهمين هناك... 10 دراهم... 20... 100...". كانت الغنيمة كبيرة كتمها في سره، رغم أنها مفضوحة وسط زملائه داخل "بومبا المازوط"!

استفاق صباح يومه الخميس وهو يصيح:

"الدريسية... واااا الدريسية... فيقي ولادك يمشيو للمدرسة... راه الأساسيد رجعو يقريو... قالتها الحكومة..."

كان يصيح بأعلى صوته. لم يسمع الرد من خلف الباب حيث تبيت الدريسية جوار ابنته وابنيه. صمت قليلا وقال بهمس خافت إما بسبب الخوف أو الحذر:

"هذ المرا بان ليا مستغلا بزاف أنني رجل مهم خدام في بيع المازوط وليصانص... باينة ربات ريش، لا تحتاج معه خيط الملابس باش تعيق شي شوية، وسط نساء الدرب... ودايرا شي دارت معفية من الضرائب... خازنة شي حصيصة نيت خلاتها تبدا تعفر عليا... غا متنساش أنني عونتها تهنا من الشاونية... كانت محرمة عليها تنفع..."

ثم تذكر فجأة أنه "ما عندو ليها جهد...".

نهض عزيز من فراشه مهرولا نحو "الكوزينا" قبل المرحاض لالتهام ما تبقى من خبز عجن وتم طهيه قديما. لعن مرة أخرى الساعة الجديدة. ووضع خطته لحصد المال من "البومبا" بعيدا عن عداد "المازوط وليصانص" الذي تعتبر حصته منه في أجرته التي تعتبر مثل الفتات مضمونة.

نظر للمرآة وابتسم بمكر... دخل في بوح مع نفسه بحذر شديد مخافة أن ينطق وتسمعه الدريسية. يعرف جيدا أنها وإن لم تُجبه، يمكن أن تسمع قبل أن تقرأ حركة شفتيه.

قال: "هذ الإضراب هناني من داك الصلع القصير... كان قبيح وحاكم كلشي...". رغم أنه يتوهم فقط ما ينسجه من أسباب بؤسه القديم.

لا يتذكر اسم "الأصلع القصير" لأنه لم يُطقه يوما. وكان يعرف جيدا أنه من الذين كانوا خلف الإضراب داخل الشركة. تنبأ له بأنه سيخرج يوما مكرها لا بطلا، ويترك خلفه الجمل بما حمل.

كان الإضراب هدية من السماء عند عزيز.

عزيز عنده أقدمية تقارب 20 سنة داخل "البومبا". كان يتحرك فقط، حيث يمكن أن يستفيد في صمت، وأحيانا بقليل من الضجيج المتحكم في مصيره لأنه يخاف كثيرا.

"ما كانش كيزعم على الهمزات الكبار دون خوف". اليوم كل شيء عنده وله ولأجله مباح.

أنهى عزيز "طرف تاع الخبز الكبير" الصباحي وإن كان خبزا عمره أكثر من ليلة، تحت دفء ما يضمن عدم انتشار رائحة تعفنه.

استعد جيدا للانطلاق  عبر حافلات النقل العمومي الممول فرق سعرها من جيوب من يدفع الضرائب.

وصل "البومبا"... تنهد...

تأمل قنينات الغاز هناك عند الطرف الأقصى من محطة الوقود... انتقل بنظره حيث يضخ الهواء في إطارات السيارات التي ينصح بمراقبتها قبل السفر... ومخيلته اشتغلت هنا بسرعة آلة حاسبة...

تنهد مرة أخرى بعمق شديد...

شكر "الأصلع القصير" الذي مكنه تهوره من كل هذه الغنائم التي سوف يحتكرها وحده،د بحكم الأقدمية. الاسترزاق من خدمة مقدمة لمن يحتاجها... كلها حاجيات يومية لا مفر منها...

تنهد للمرة الثالثة... تذكر أنه لم يجتهد كثيرا تجاه زوجته الدريسية لكي تفيق ابنته وابنيه... صارح عقله العاقل قبل الباطن بأن آخر همه هو استفادة من خرج من صلبه من تعليم عمومي مجاني ذي جودة...

همه الحقيقي اليوم أن تساعده ابنته البكر في جني غنائم تغيير قنينات الغاز الفارغة بأخرى معبئة بدون دعم... وأن يقف ابنه الثاني عند آلة ضخ الهواء لمن يحتاجونه من أجل مواصلة رحلة سفرهم في الحياة...

وينتظر بحرقة أن يستمر الإلهاء حيث يسترزق من الأزمات طويلا، حتى يكبر نجله الأصغر... ويقف لجمع الدراهم من الداخل حيث توجد صنابير مياه لا تصلح للشرب في الغالب...

عزيز يا عزيز... حكاياته مستمرة في القادم من الأيام...