"إن أشد أنواع القمع هو التضليل" جملة من جمل إرث شهيد الموقف والكلمة والسياسة والعمل النقابي الراحل عمر بن جلون، قيادي ناضل من أجل الحرية والكرامة والديمقراطية لأجل الشعب المغربي، ثم اغتيل حينها بخلفية دعاية "عقائدية" كاذبة، حتى قال أحدهم بعد قتله "إنه كلب أجرب".
تذكروا جيدا شهر دجنبر، سوف نعود إلى حين تلتصق بك لعنة إعلان المواقف في تواريخ محددة تبقى تلازمك طيلة حياتك. وللتذكير، يوم 18 من كانون الأول - كما يحلو لمن هم مرتبطون بالمشرق أكثر من المغرب نطقه - عام 1975 تم اغتيال بن جلون.
لماذا وضعت هذه الشخصية من تاريخ المغرب في سياق ما سوف يكتب هنا؟ وما الغاية من تكرار ضرورة التركيز على شهر دجنبر؟!
أولا وجب التأكيد على ما جاء في عنوان المقال: "القضية الفلسطينية ليست أصلا تجاريا ولا انتخابيا!"
ووجب التشديد على أن أقصى ما وصل إليه المغاربة من "اختلاف وخلاف" فيما بينهم حول هاته القضية هو: "هل تازة قبل غزة؟" أم "غزة قبل تازة؟"
وليس: "هل إسرائيل قبل فلسطين؟"
شهر دجنبر من العام 2020 وبعد ساعات من توقيع المغرب على عودة "استئناف علاقته" مع إسرائيل، توقيع كان أحد أطرافه حينها، رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني المنتمي لحزب العدالة والتنمية، طُلب من رئيس الحكومة الأسبق ومن نفس الحزب عبد الإله بن كيران الخروج بموقف داعم لهذه الخطوة.
ولأن رقم الهاتف الذي رن عليه وباعترافه في إحدى خرجاته، لا يمكن أن يقابل بالرفض، اختار بن كيران الخروج لدعم قرار الدولة المغربية بصيغة "المصدر المقرب منه"، قبل إطلاق "لايفه" في "فيسبوك" للحديث عن القرار مباشرة (فرش ليه مزيان).
وقع اختياره لتصريف موقفه لمن يهمهم أو بصريح العبارة يهمه تحديدا البوح بالموقف، (اختياره) على منبر زملاء، راكم معهم دعمهم له زمن "البلوكاج" وما بعده وإن بقليل من الانتقادات.
وقال لهم من "وراء ستار" حين كان في ضيافتهم الافتراضية: "القضايا الخارجية للمملكة أمر سيادي بسيد سيدنا. يعني اللي دارها راه لمغاربة موافقين عليها وقابلينها حقاش عارف كلشي اش وقع".
ومن يملك القليل من الفطنة، سوف يتأكد بأن هذا "الأوف تاع بن كيران دون غيره".
شهر دجنبر من نفس عام توقيع اتفاق "استئناف العلاقات"، خرج بن كيران عبر فيديو على صفحته في "فيسبوك"، وقال:
"حزب العدالة والتنمية جزء من بنية الحكم في الدولة، ولا يمكنه بالتالي رفض التوقيع".
وأضاف في نفس كلمته الافتراضية - وتبقى كذلك - عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن "حزبه ليس حزبا عاديا، بل يرأس الحكومة، وعضو أساسي في بنية الدولة، ويتخذ القرار في القضايا المصيرية".
شهر دجنبر من العام 2021 وخلال أول اجتماع للمجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، بعد عقد مؤتمره الاستثنائي، ذهب بن كيران بعيدا حين حاول اقتراف توجيه الخطاب نحو من هم خارج تنظيمه قبل داخله، بالقول:
"النظام الجزائري ظلم المغرب ويستعمل أموال النفط والغاز لزعزعة استقرار المملكة".
ومهد لما سوف يأتي في صلب كلمته، باعتبار أن "الجزائر تغلق حدودها مع المغرب بسبب خوفها من حب الجزائريين للمغاربة".
بل ذهب حد تلخيص كل ما وقع من تحولات في الموقف المملكة، بأن: "علاقات المغرب مع إسرائيل قديمة، لكن لولا الجزائر ما وصلت إلى هذا الحد".
"علاقات قديمة" بتعبير لسان الأمين العام الحالي لحزب العدالة والتنمية، قدم علاقة التوظيف السياسي للقضايا وفق منطق الغنائم الانتخابية مستقبلا.
والأمر متروك لمن يفهم، دون مركب نقص مرتبط بحجم الغنائم، لفهم تحولات المواقف في شهر دجنبر من كل سنة.
ولكسر نغمة "كانون الأول" سوف نذكر بموقف آخر لبن كيران، حول "استئناف العلاقات" بين المغرب وإسرائيل، جاء على لسانه يوم 2 ماي 2022:
"لا يمكن أن نوقع على ذلك الاتفاق ونخرج بين عشية وضحاها لمعارضة التطبيع الذي كان يتجاوزنا، لأنه مرتبط بظروف الدولة ونحن حزب الدولة".
لنترك "غنائم بن كيران" الحزبية جانبا، ونمر إلى غنائم من جعلوا من هذه القضية أو الملف ـ لأنه لا قضية عندهم ـ أصلا تجاريا يجب عبره ومن خلاله كنز ما يمكن بسرعة من الثروة.
وقبل المرور إليهم، وجبت الإشارة إلى أنه مباشرة بعد توقيع اتفاقية "استئناف العلاقات" بين المغرب وإسرائيل، اتصل الملك محمد السادس برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وقدم له كل ما هو مرتبط بمبدأ المغرب والمغاربة ملكا وشعبا تجاه الشعب الفلسطيني من التزامات.
خطوة لم يقدم عليها أي من الحكام الذين وضعوا التحول في علاقاتهم بإسرائيل فوق كفة واحدة دون غيرها وهي "اتفاقية أبرهام".
محمد السادس يجر معه إرثا حقيقيا قيمته وعمقه تأثير المغرب في اليهود وليس تأثير الصهاينة في المملكة المغربية.
لذلك، لا يمكن أن ينتقل بنا البعض "صحة" من رفض سطوة تأثير الاستغلال بنزعة حزبية ضيقة للقضية الفلسطينية، نحو استغلال أبشع لها، أو ضدها، بمبرر "وطني" ليس سوى سراب وسط صحراء، لن تخضر لأجل تحرر الفلسطينيين، مهما أمطرت بوهم أن محتلهم "ينشد السلام"، ومن يقاوم لعقود، حلال وصفه ب"الإرهابي المجرم ضد الإنسانية"، ومن يقتل أطفاله ونساءه ويقصف مستشفياته ومدارسه ويحاصره حد التجويع، له الحق في "الدفاع عن نفسه" إلى حين أن تقول "محاكمات مسرحيات بريخت الألماني" كلمتها!
يجب أن يفرض داخل المغرب على من يملكون اليوم "الأصول التجارية لاستئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل"، أنهم سواسية مع الذين يحاولون انقاذ ما تبقى من "أصولهم الانتخابية".
وحين يستضاف ممثل للمقاومة الفلسطينية من الخارج، فهو يتحدث من منطلق ما ينتمي إليه لا غير. بل مروره يجب أن يوظف لا صالح الدولة المغربية وليس ضدها. أن تبقى المملكة فوق أي استغلال من هنا وهناك.
إقرأ المزيد: أحمد مدياني يكتب: إسرائيل الداعم الأول لحركة "حم.اس" في العالم!
لذلك وجب التنبيه وليس التحذير، من توجيه المغاربة ضد جعل كلمة أحد من استضافهم الملك محمد السادس يوما ووفر له الحماية فوق تراب المغرب. واستغلالها لقمع أو تجريم استمرار الهبة التضامنية التي أصبحت تتجرم أكثر قوة عند الغرب على أرض الواقع.
وهنا وجب التذكير بأن المغاربة الوطنيين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مرورا بالوسط، كانوا قليلا ما يختلفون في ما بينهم أو يستغلون المواقف عندما يتعلق الأمر بالصحراء المغربية وفلسطين.
يتصارعون في كل شيء وأي شيء دون أن يحاول البعض أو الكل منهم جعل قول الموقف بخصوص "أرض الزعتر والزيتون" وحبات رمل الجنوب المغربي، قيمة مضافة في رصيد بنكي أو ورقة إضافية وسط صندوق انتخابي.