قبل أسابيع من توقيع "الاتفاق النهائي" بين الحكومة ونقابات قطاع التعليم، نشرت على حسابي في موقع "فيسبوك":
"سوف تنتهي إضرابات أسرة التعليم بالتخوين والتخوين المضاد".
كلمات قاسية حينها تمت مواجهتها في التعليقات بعبارات: "أنت ما فاهم والو..."، ورسائل عبر الخاص بحمولة أن ما كتبته يدخل في خانة خدمة أجندة طرف ما على حساب الأستاذات والأساتذة.
تتفرجن وتتفرجون، اليوم، على تفاصيل ما يقع.
واليوم، سأكتب هنا، بلغة قاسية؛ لأنها صادقة:
"أخاف أن يتحول نضال أسرة التعليم من الاحتجاج على إسقاط النظام الأساسي إلى الترافع على عودة زملاء لهم مطرودين من الوظيفة"... "أخاف أن يتحول الفعل لرد الفعل فقط، وتغرق المطالب في مستنقع الفئوية الصرفة ومسك الآلة الحاسبة لجرد كم سيدخل الحسابات البنكية لكل فئة، على المدى القريب".
هذه ليست معلومة. بل تحليل نابع من تأمل مسار ما آلت إليه مخرجات هذه القضية، بعد حوار بين الحكومة وتنظيمات تشتغل من داخل المؤسسة، ولن تحاور الحكومة غيرها.
لنعد إلى العام 2011. وهنا سوف أكتب بذاتية مفرطة. حينها، كنت أردد عبارة كانت تقلق البعض أو لنقل السواد الأعظم من الرافضين للواقع، نصرة للشعارات لا غير.
كنت أقول: "النضال لم يبدأ مع حركة 20 فبراير، ولن ينتهي معها".
وأضيف دائما: "إذا كانت الحركة لا تملك قيادة ولا يمكن أن يتمخض عنها أجهزة بتراتبية واضحة، فلا يمكن أن تترك أثرها من خلال ترجمة فعل شبابها وليس شيوخها".
دافعت عن صياغة وثيقة اقتراحاتنا في ما يتعلق بتعديل دستور فاتح يوليوز، وناقشت مع من كانوا يتحكمون في المصير قبل تداوله، أن مقاطعة "لجنة المنوني" خطأ.
كثيرون عندما سيقرؤون هذه الفقرات، سوف يتذكرون كم التخوين الذي تم مواجهتنا به حينها. ووصل أحيانا للتهديد بالاعتداء أو محاولة تنفيذه. ولولا نعمة مسقط الرأس بمنطقة (04) والنشأة بحي "التشارك" في الدار البيضاء، لما كان الخروج من مواقف كثيرة بسلام.
ماذا تبقى اليوم من 20 فبراير، بكل زخمها وسياقها وتضحياتها؟ وأتحدث هنا عن بقاء الأثر بالفعل، وليس الانتقال من قوته إلى ضعف رد الفعل.
يبقى السؤال مفتوحا؛ لأنني لا أملك سلطة مطلقة على كتابة التاريخ وأنا جزء منه فقط يمكن أن أخطئ أو أصيب.
"لنعد إلى الكبش..."
خرجت أسرة التعليم إلى الشارع، وعُطلت الدراسة من أجل "إسقاط النظام الأساسي" وليس "إسقاط النظام". هذا هو الهدف المعلن الذي التف حوله مئات الآلاف.
جرت مياه كثيرة بحجم الفيضان تحت جسر التفاوض. انتظارات الكل من الجزء أكيد لن تقنع لا الفئة الأولى ولا الثانية. ومع ذلك، فإن بث الشعور العام بتحقيق المكاسب أهم اليوم من لعن الجمل بما حمل.
ولم أبالغ هنا حين كتبت "إسقاط النظام"؛ لأن من أسس تفكيك المجتمعات إخلاء قاعات المدارس. ولا يحتاج الوضع للتذكير بسياسات الدولة تجاه التعليم العمومي. ولو استسلم له من انخرطن وانخرطوا في تعليمنا وتربيتنا داخل المؤسسات التعليمية، على مدى عقود، لما كنا ما نحن عليه اليوم.
من حق هذا الشعب أن يُحس، من حين إلى آخر، بأن فئات منه حققت انتصارات بعد الترافع لأجلها، ولا يمكن الاستمرار في طمس كل مكتسب، بمبرر أن تقدير من يقودون الحوار والتوقيع من داخل المؤسسات هم مجرد "خونة".
اكتوى الفعل السياسي والنقابي والحقوقي بما يكفي، على مدى سنوات من خطاب التخوين بعد كل تفاوض. وسئم لغة الشعارات على حساب الاحتكام للتراكم والعودة للانطلاقة من مكتسباته وليس لعنها.
أليس كافيا عند الجميع أن التعليم الخصوصي سجل "ريمونتدا" تاريخية في شباك التعليم العمومي، بعد خسارته في مباراة الذهاب خلال "زمن كورونا"، وأن رسوم الساعات الإضافية للدعم ارتفعت بنسة 300 في المائة وما أكثر، وأن ساعات الدراسة التي ضاعت أكيد أنها أنتجت الهدر المدرسي والإدمان والاعتداءات والانحراف وكل أشكال نخر نشأة جيل بأكمله؟
سوف يقول أحدهم بل الكثير: "الدولة من تتحمل المسؤولية". هذا واقع منذ عقود وليس اليوم فقط. لكننا نتحمل المسؤولية معها. لأن تجويد التعليم لتحضير أجيال قادرة على الدفاع عنه اليوم ومستقبلا يبدأ من كراسي القسم وليس خارجه.
ولا مصلحة للجميع في إطالة هذه المحنة التي يبقى أطفال المغاربة ضحيتها الأولى والأخيرة.
وللتذكير والتنوير؛ فإن مصير سنة بيضاء إن وقع سوف يعم الجميع. نعم يشمل التعليم العمومي والخصوصي. لذلك، يجب أن يعلم الجميع أن "بعض التنازلات انتصار وليست هزيمة".