محاكمة برلماني.. متابعة رئيس جهة.. اعتقال رئيس مجلس عمالة.. توقيف عمدة.. التحقيق مع مسؤول عن تدبير الشأن العام وتعميق البحث ضد آخر... لو تسلحت السلطة القضائية بمزيد من الجرأة في سلك مساطر المحاسبة وطرح سؤال: من أين لك هذا؟ لكان عدد من "الكبار" يقفون اليوم ما بين "أحضان المحاكم" عوض اعتلاء منصات الخطابة والجلوس فوق كراسي المسؤولية.
عناوين الصحافة بالمغرب لم تعد تخلو من نقل مغامرات من احترفوا نهب المال العام، وجعلوا من حشو صناديق الاقتراع بأوراق الريع الانتخابي غنيمة، يستعيدون بفضلها أضعاف ما صرفوه مقابل التمتع بصفة تخول لهم اليد المدسوسة داخل جيوب من يدفعون الضرائب.
وعن "أثرياء الغفلة" يوجد في نهر مواقع التواصل الاجتماعي ما لا يوجد في بحر الإعلام. وكأن الفساد تحول عندهم لطقس مقدس لا يهمهم الوطن في أمره بشيء. وحين تقع اهتزازات اجتماعية يختبئون.. يتركون كل شيء وراءهم، ثم ينصرفون للمزايدة على ما ضمن لهم الهامش.
هامش قد يتفاجأ البعض هنا من ضرورته بمقدار.
يتفاجأ من طرح التمييز ما بين مستويات تدافع مفروض نعيش على إيقاعه.. ينتج تناقضات دون أن تطفو على السطح. تناقضات سوف يحتاجها المغرب عاجلا أم آجلا لتظهر للعلن.
تناقضات كانت ولازالت وستبقى الضامن الأهم لاستمرار استقرار الدولة. لكن - واللعنة على قول لكن - يظهر أن منسوب الجشع يرتفع.
ويظهر أن تلك التناقضات ستفقد قيمتها في سوق بورصة ضبط موازين القوى، لأن جُرأة من ألفوا الإثراء غير المشروع زادت.. بل تضخمت.
أصبحوا مقتنعين بأن لا شيء سوف يكبح جرائمهم في حق نمو الوطن واستفادة مواطنيه من خيراته.
أصبحوا يرون في الأحكام القضائية ما يشبه "تبييض" الغنائم التي حصدوها. والحديث عنهم بسوء أفعالهم، شهادة لأجلهم وليس ضدهم.
لو كنت فاسدا ناهبا للمال العام، وأحصد الثروة من استغلال المناصب والمسؤولية بدرجات أقل غباء من الذين يتورطون اليوم في عدد من الملفات، سوف أطرح سؤالا واحدا: "شحال فيها تاع الحبس ولا السجن كَاع؟!"
هؤلاء لا يهمهم تلطيخ سمعة حسبهم ونسبهم... أعرف برلمانية غنمت مؤخرا مقعدا بمجلس النواب، بعدما أسقطت قضايا فساد شقيقها. استلفت صفة ممثلة للأمة منه ومُنحت لها بنفس الأسلوب الذي وصل هو به للجلوس تحت القبة. عوضته من دكة بدلاء زيف صناعة النخب.
ما يحزن في القصة ككل، أن كل المتورطين في جرائم الفساد ونهب المال العام أغنياء يبحثون عن المزيد.
نعم!
أرصدتهم البنكية لا تنتظر وصول "راس الشهر" لضمان قوت يومهم وما يزيد من ترف العيش.
مع ذلك، فهم مصابون بسرطان "اللهطة" لسرقة المزيد.
ولا تملك اليوم أمام جشعهم اللامتناهي غير طرح سؤال: "واش ما كتشبعوش؟!'