منذ السابع من أكتوبر 2023، ودموع تماسيح إسرائيل ومن يواليها تحاول إغراق كل قنوات الاتصال والتواصل مع العالم، برواية واحدة لا محيد عنها، وإن باختلاق الكذب وكتابة سيناريوهات من وحي خيال المحتل.. رواية أن "إسرائيل دولة ديمقراطية تواجه حركة حماس الإرهابية".
مشاهد هذه الرواية الكاذبة، دشنت إسرائيل الترويج لها باختلاق كذبة هي في حد ذاتها جريمة ضد الإنسانية بالقول قبل الفعل، حين روجت للعالم أن عملية "طوفان الأقصى" رافقها "قطع رؤوس الأطفال والرضع واغتصاب النساء والاعتداء على العجزة وكل من لا حول له ولا قوة".
ولأن الغرب الذي ذابت عنده القلاع الهلامية لحرية التعبير والرأي والصحافة، مهيأ بسبب "عقدة الذنب والخطيئة" التاريخية تجاه اليهود، تلقف معظمه الكذبة، وأعاد صياغتها بكثير من التضخيم والتهويل، وقدمها على أنها فرصة لإعدام القضية الفلسطينية برمتها، دفعة واحدة، قبل أن يعود المطبلون لكذبة الاحتلال، خائبين معتذرين بحرج وحذر، مع كثير من قلة العفة وغياب الضمير.
لترد عليهم "كتائب القسام" بفيديوهات وثقت كيف تعاملوا مع رضع وأطفال "غلاف غزة"، مقاطع أظهرت المقاومة من خلالها، أنها كانت تعرف جيدا ما يمكن أن يُستعمل ضدها من أسلحة "البروباغندا" الصهيونية.
وكان الفعل الكاذب وغيره الكثير، هدية لـ"حماس" وليس ضدها؛ ما يؤكد خلاصة أن أكبر داعم في العالم للحركة هي إسرائيل، أولا وأخيرا.
كيف ذلك؟
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن إسرائيل تواصل احتلال الأراضي وتوسيع سياسات الاستيطان في كل شبر من أرض فلسطين؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن تقتيل الشعب الفلسطيني تحول لخبر عادي في نشرات الأخبار، وكأنك تتابع إبادة آفة يجب أن تختفي من على وجه الأرض؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن المتطرفين الصهاينة يدنسون، كل يوم، الأماكن المقدسة، ويمنعون ولوج الملسمين إلى باحة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، دون شروط وقيود تنهل من أدبيات الفصل العنصري؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن الأمل فقد في اجتماعات مجلس الأمن ومؤتمرات الأمم المتحدة وقمم الجامعة العربية وطاولات مفاوضات لم تعد تأتي بأي جديد، بل بعد كل هذا، يسرق المزيد من كيلومترات من الأراضي الفلسطينية؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن من هم في الضفة الغربية يقتلون كما يقتل إخوانهم في قطاع غزة، بمبرر أن هؤلاء توجد من بينهم الحركة؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأنه عندما تطرح السؤال على أي طفل أو يافع أو شاب في قطاع غزة: ما مصيرك حين تكبر؟، سوف يجيبك: لا خيار لدي سوى المقاومة. فهو لا يستطيع إكمال دراسته، لا في الداخل ولا في الخارج. يعيش داخل سجن، سقفه السماء، وحدوده أسلاك شائكة نحو الشرق، ومعبر تتحكم فيه السياسة قبل مشترك الانتماء والإنسانية نحو الغرب؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن كل فلسطيني أصيب بوهم التخمة تجاه شعارات السلام وحل الدولتين، في حين أن كل التطورات تقوده نحو الطرد من أرضه لصالح دولة واحدة؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن المهجرين واللاجئين ملوا من حمل بطائق هوياتهم، لأزيد من 75 سنة، لعناوين تحمل وصف "مقيم بمخيم". أصبحوا يشعرون بأنهم ضيوف أثقلوا كاهل من يضيفهم فوق أرض ليست أرضهم التاريخية؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن قطاع غزة يعيش تحت وقع حصار تجاوز 15 عاما، كل شيء يدخله حسب أهواء المحتل واللائحة التي يحددها هو. سنوات من التفقير والتجويع والحرمان من أبسط الحقوق، مقابل صمت دولي أصبح يخرج القطاع من أولويات الإنسانية.
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن قطاع غزة تحول لما يشبه المسرح المفتوح أمام المتفرجين من كل العالم. كان كذلك، قبل سنوات، بالفعل، حين تحلق المستوطنون حول "حدود القطاع"، يتفرجون بنشوة وفرح على قصف المساكن وقتل الأطفال؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن العالم لم يعد يحركه أي شيء، غير دخول الحركة على خط المعادلة بالسلاح ولا شيء آخر غيره؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن الفلسطيني يمكن حرمانه، بشكل عادي جدا، عند المنتظم الدولي، من حقه في الصحة والتعليم والتنقل والتجول والسفر، بل وحقه في الحياة؛ لأن إسرائيل قررت له ذلك؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأنه قبل الحركة، كان القتل والقصف والتهجير وسرقة الأرض واحتلال الممتلاكات وتدنيس المقدسات وتقتيل الأطفال والنساء واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس؛
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن كل طفل فلسطيني يولد، يخاط كفنه قبل أن يختار اسمه!
* البديل عند الفلسطينيين هو "حماس"؛ لأن...
الأكيد أنني نسيت الكثير هنا لم أذكره.
لأنه لو كان البحر الافتراضي للكتابة مدادا لجرائم إسرائيل، لنفد البحر قبل أن تنفد الجرائم الإسرائيلية التي تدعم أن "البديل عند الفلسطينيين هو (حماس)".
ولا يجب أن يستغرب العالم إن شاهد، في المستقبل القريب، مقاوما يضع على جبينه شعار: "كتائب عز الدين القسام"، وصدره يحمل "الصليب".
كيف لا؟ وجيش الاحتلال قصف، بدم مثلج، مستشفى المعمداني الذي تحيط به كنيسة "القديس برفيريوس" و"مسجد الشمعة" ومقبرة "الشيخ شعبان".
معلمة من معالم الصحة التاريخية في فلسطين، وهو تابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس، وتم تشييده عام 1882؛ أي قبل حتى أن يحلم الصهاينة بإنشاء كيان يجمع شتاتهم فوق الأرض، ويختاروا ما بين الأرجنتين أو أوغندا وأرض فلسطين.
وبعد المستشفى الذي تمت إبادة من كانوا فيه وفي محيطه، إسرائيل ترتكب مجزرة جديدة، بقصف "كنيسة الروم الأرثوذكس"، قصف وصفته "البطريركية" بجريمة حرب، وما أكثر جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال ليس منذ أيام فقط، بل منذ عقود، حتى تحولت وقائعها لقصص يرويها متقاعدو جيش الاحتلال ومخابراته وهم مبتسمون يضحكون ويتهكمون، بل يرقصون على جثث ضحايا كيان الإبادة والفصل العنصري والتطهير العرقي. بل مرة أخرى، يتحدثون عن جرائم اغتصاب طفلات أمام أعينهم وهم شاهدون على ذلك دون أن يخافوا محاكمتهم على كونهم تفرجوا على ذلك، والأكيد أنهم ساهموا في الجريمة.
لا يجب الاستغراب من وقوع التحول في "الانتماء"، انطلاقا من المشترك الفلسطيني وليس الديني، لأن المتطرفين الصهاينة، بمباركة حكومتهم، أصبحوا يعتدون على مقدسات المسيحيين في القدس، إلى حد يمنع فيه المسؤولون الغربيون، حين زيارتهم للمحتل، من إظهار الصليب على أعناقهم، وهم على أبواب القدس.
أمام كل ما سبق وغيره، أليست إسرائيل الداعم الأول لحركة "حماس" في العالم؟