من لا يحترم تاريخه لا مستقبل له. حقيقة علمية، تفرض التذكير، أنه عام 1948 لعب وداد الأمة ربع نهائي كأس شمال إفريقيا عند الأشقاء من شعب الجزائر. قبل ولوج أرضية الملعب التي كانت حمراء قبل أن تخضر، وضع "الأب جيكو" يده على كتف الهداف قاسم قاسمي، ووجهه نحو حكم المواجهة بالقول: "اليوم خاصك تكون راجل..."
تساءل الرجل الرياضي المقاوم حينها عن السبب في شهادته التي يمكن العودة إليها، لمن يبحث عن دليل، لمشاهدتها بالصوت والصورة، ولمن في قلوبهم مرض لا حاجة لهم لذلك.
قال قاسم بتصرف دون خيانة للمضمون: "حط الأب جيكو يديه على كتفي... قال ليا اليوم خاصك ترجل... اعتقدت أنه يقصد نترجلو في الماتش لأجل الفوز على النادي الجزائري... ولكن قصد أنه نمشي عند لاربيط... ما نلعبوش الماتش يلا ما ترفعش علم المغرب فوق أرضية الملعب..."
يواصل أحد الأعمدة التاريخية للوداد: "جلسنا في فيستيار... واحد اللحظة شدني لاربيط من يدي قال ليا طلعو تلعبو العلم تهز... سولتو... باش عرفت؟ أجاب: سمع الغوات... سمع الجزائريين كلشي فرحان... كين لي نقز من تريبين للملعب..."
واقعة كتبت بمداد من وفاء للإنتماء المشترك، وسط وهران الجزائرية، إبان الاستعمار الفرنسي الذي قَتل مليون جزائري لكي لا تتحرر الأرض، حين كان يؤدي المغاربة "ضريبة" دون إكراه لأجل الحركة الوطنية الجزائرية، بغرض تمويل تسليح المقاومة هناك.
كانت الرياضة فرصة للتحرر والاستقلال من المستعمر، وليس استغلالها لأغراض طحن الوحدة الوطنية مهما بلغت درجات الخلاف والاختلاف.
لاعب آخر من أساطير نادي الوداد الرياضي، إدريس جوماد، خاض المباراة التاريخية ضد نادي سبورتينغ بلعباس، يقول في شهادته الموثوقة بالصوت والصورة دون إمكانية دحضها: "ليس العلم المغربي فقط من رفع يومها... بل رفع علم الجزائر لأول مرة في تاريخ الرياضة الجزائرية فوق ملعب أرضية ملعب جزائري".
رُفع علم "بلد المليون شهيد" لأول مرة في تاريخه الرياضي بفضل نادي مغربي مرجعي تأسس على مبادئ المقاومة، ووهب مشاركته من عدمها لأجل التحرر والتحرير.
نادي يصل الماضي بالحاضر ومنح مرة أخرى للمستقبل ما يخدم القضايا الوطنية، حين زين قمصيه الرسمي بخريطة المغرب وخاض بها المنافسات القارية التي سيطر على أدوارها النهائية طيلة 10 سنوات متتالية.
نادي فرض قبل أقل من سنتين، إما أن يُرفع علم المغرب، أو يتم إنزال علم الجزائر بدوره، ليس اختيارا، بل بعدما فرضت سلطاته الحاكمة بزناد العسكر، عدم تحليق علم المملكة فوق ملعب "5 جويلية"، شهر فبراير من العام 2023 برسم دوري أبطال إفريقيا.
تناقض مؤلم... كيف تحولت مشاركة نادي مغربي في مسابقة فوق تراب الجزائر، أن يتحول من فرض تحررها رياضيا، لخدمة من يحكمها بمرض إطالة أمد الاستعمار الجديد الذي يقتات ويعيش بسياسة تفتيت الوحدة الوطنية والاستثمار في تقسيم الدول على أساس ضمان مصالحه.
تناقض مؤلم... حين يتم الحجر على نادي آخر من المغرب؛ نهضة بركان، داخل مطار "بو مدين"، ممثل المدينة الأقرب للحدود الشرقية التي وجد فيها وبين أحضانها جنرالات الجزائر وبعض الأوفياء من المقاومين، الملجأ الآمن، حين كان المستعمر يطاردهم لقطف رؤوسهم، ووضع جماجمها ضمن مختارات متاحف جرائمهم، ويتباها بعرضها حتى اليوم، دون خجل أو تأنيب ضمير إنساني وتاريخي.
تم احتجاز نادي نهضة بركان داخل المطار في سياق غير رياضي، دون احترام لماضي من قرر احتاجزهم.
الماضي الحقيقي لبلد كان المغرب حافز ودافع استقلاله، ورفض ترسيم الحدود معه على أساس نزوات الاستعمار. ماضي وإن أخفوه، يُعد جزء من تاريخيهم.
كان السبب المعلن هذه المرة بشكل فاضح خريطة هي امتداد للعلم المغربي الذي فُرض رفعه عام 1948 فوق ترابهم بوهران يجاور "درابو البلاد".
ما هو غير مؤلم... أن ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم لن يستطيع محو "وصية الأجداد" الصادقين.
أن يمحوا أن مغرب المقاومة عوقب من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب دعمه لاستقلال الجزائر من المستعمر سياسيا ورياضيا.
وحمل المقاومون المغاربة دائما وصية من الأجداد هي التي فرضت وأوصلت الرياضة في شمال إفريقيا لما هي عليه اليوم قبل الاستقلال وبعده... في الجزائر على الأقل... بفضل بركان وإقليمها جغرافيا وبفضل المملكة المغربية ووداد الأمة رياضيا والأهم بفضل الوطنيين المقاومين المغاربة سياسيا.