أزمة إنتاج الحليب في المغرب.. خبير يتحدث عن التحديات والحلول الممكنة

خديجة قدوري

شهد الإنتاج الوطني للحليب انخفاضا بنسبة 25 بالمائة منذ عام 2020، إذ تراجع الإنتاج من 2,55 مليار لتر إلى أقل من ملياري لتر، وفقا لتصريحات محمد ريطة، المدير العام للفيدرالية البيمهنية لسلسلة الحليب "ماروك ليت".

خلل في إدارة القطاع

تعليقا على ما يعيشه القطاع، أفاد عبد الحق البوتشيشي، رئيس الجمعية الوطنية لهيئة تقنيي تربية المواشي، في حديث مطول لموقع "تيلكيل عربي"، أن "إنتاج الحليب شهد تراجعا حادا، حيث انتقلنا من التفكير في البحث عن أسواق خارجية لتصدير الحليب إلى السعي نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه المادة الحيوية".

وأضاف البوتشيشي، أن "الدولة خصصت إمكانيات مادية وموارد بشرية كبيرة بهدف تحديث وتطوير قطاع تربية الأبقار وإنتاج الحليب، إلا أن هذا القطاع يواجه تحديات جسيمة، مما أدى إلى أزمة تتعارض مع الأهداف التي حددها مخطط المغرب الأخضر".

وتابع رئيس الجمعية الوطنية لهيئة تقنيي تربية المواشي، قائلا: "جميع المهتمين بالشأن المحلي، ولا سيما سلسلة الإنتاج الحيواني، يدركون حجم الأزمة التي يعاني منها القطاع، إذ إن ندرة الحليب ليست مشكلة حديثة العهد، بل إن مؤشرات هذه الأزمة ظهرت منذ سنوات، نتيجة سوء إدارة قطاع لم يتوافق مع فلسفة الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على الموارد الطبيعية".

تداعيات إدارية وغياب حلول ناجعة

وكشف المتحدث ذاته أن "ما يعيشه القطاع هو تحصيل حاصل ومخطئ من ينسب قلة الإنتاج وتراجع قطيع الأبقار إلى شح التساقطات وغلاء الأعلاف. فقد بدأت أعراض الأزمة قبل جائحة كورونا، حيث قمنا بتقديم مقترحات واضحة في ذلك الوقت، لكن لم تلق تلك المقترحات أية استجابة، ولم تتخذ أي جهة المبادرة لتدارك المشكلة أو التفكير في إيجاد حلول تساهم في تجنيب القطاع ما وصل إليه اليوم من أزمة".

وأشار عبد الحق البوتشيشي بصفته مهتما بالشأن الفلاحي، إلى أنه يجد نفسه مضطرا بحكم تخصصه إلى طرح عدد من الأسئلة التي تعد، في جوهرها، تشخيصا لأسباب أزمة قطاع تربية الأبقار وإنتاج الحليب، ومن جملة هذه الأسئلة: 'لماذا سحبت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات الاعتراف من الفيدرالية البيمهنية لقطاع إنتاج الحليب Fimalait؟"

تراجع الإنتاج وارتفاع الواردات

ولفت البوتشيشي إلى أنه "خلال سنتي 2019 و2020 وفي الفترة الممتدة ما بين يناير ويوليوز من كل سنة، قامت الشركات المغربية باستيراد حليب ومشتقاته بقيمة 2.9 مليار درهم، في حين فرضت بعض الشركات المجمعة للحليب الكوطا على الكسابين المغاربة من منتجي الحليب. ومع ذلك لم تتدخل أي جهة لمعالجة هذا التناقض الواضح".

وأوضح أن "واردات الحليب شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2020، حيث بلغت نسبة الزيادة 22 بالمائة مقارنة بعام 2019، إذ وصلت إلى 520 مليون درهم في 2020 مقابل مقابل 432 مليون درهم في 2019. ثم تساءل من يحمي المنتجين والمنتوج المحلي في ظل هذه الظروف؟ ولماذا لم يتمكن صغار المنتجين حتى الآن من الاستفادة من الدعم المخصص للمواليد الجديدة من العجلات؟"

كما أشار المتحدث ذاته إلى أن هذه الأسباب تأتي في سياق عوامل أخرى، مثل الجفاف وشح التساقطات التي شهدتها بلادنا، مما أدى إلى إغلاق العديد من الاستغلاليات والضيعات الفلاحية. كمثال على ذلك، كانت جهة الخميسات تضم حوالي 79 ضيعة نموذجية لتربية الأبقار وإنتاج الحليب، لكن اليوم   أصبح عددها لا يتجاوز بضع ضيعات فقط. وغالبية الكسابين يفكرون في بيع ممتلكاتهم، حيث أصبح من الصعب الاستمرار في استثمار مشروع غير مربح وقد سبق لنا أن تطرقنا الى إشكالية إنتاج الحليب وتوقعنا انهيار القطاع نتيجة سوء التدبير من جهة وجشع بعض الشركات المجمعة.

إصلاح قطاع الحليب

في سياق متصل، نبه المتحدث إلى أنه عندما نتحدث عن تراجع عدد الأبقار يجب أن نلفت الانتباه إلى أن هذا القطاع يوفر فرص عمل مهمة، تشمل التقنيين، المسيرين لاستغلاليات الحليب، ومراقبي الحليب، بالإضافة إلى ملقحين الأبقار. وفي ظل هذه الأوضاع وإغلاق الضيعات، يبقى السؤال: ما مصير اليد العاملة؟ وفي ظل هذه المعطيات، ومع غياب حلول فعالة، ما هي الآفاق المستقبلية المتاحة ل 14000 خريج من المعاهد الفلاحية بحلول عام 2030".

وسجل أنه "لابد من التأكيد على أن الحلول لن تأتي دون إجراء تشخيص دقيق للوضعية الحالية ومسببات الأزمة، ومحاسبة المسؤولين عنها، فمن غير المرجح أن تنجح الحلول إذا كان منبعها أولئك الذين ساهموا في خلق هذه التحديات".

وأكد البوتشيشي، أن "الحلول يجب أن تنطلق من إعادة بناء الثقة بين المربين لقطاع الأبقار ومنتجي الحليب والشركات المجمعة. يتعين أيضا على الوزارة إعادة تقييم أسلوب توزيع الأعلاف المدعمة، إذ أن النظام المعتمد حاليا لا يتناسب مع شروط تغذية المجترات بشكل عام، وتغذية الأبقار الحلوب بشكل خاص. إضافة إلى ذلك، ينبغي إنشاء وحدات متخصصة في تربية العجلات، بهدف إعادة بناء قطاع وطني وفق منهجيات علمية حديثة، بدلا من الاستمرار في هدر العملة الصعبة عبر الاستيراد".

واختتم حديثه بالتأكيد على أن "إصلاح قطاع إنتاج الحليب يستوجب إجراء تحقيق لتحديد المسؤولين عن الأزمة التي يعاني منها القطاع، فضلا عن ضرورة استعادة الثقة بين المنتجين، لاسيما بين صغارهم".