من أجل التغلب على عدم الاستقرار المتزايد لحجم التساقطات المطرية، يلجأ المغرب أكثر فأكثر إلى تحلية مياه البحر، إذ سترى ست محطات كبرى للتحلية النور في القريب العاجل. التفاصيل.
"المغرب لن يضمن أمنه المائي إلا باللجوء إلا البحر، والحمد لله أننا نتوفر على 3500 كيلومتر من البحر"، هي العبارة التي خرجت من شفاه شرفات أفيلال، كاتبة الدولة المكلفة بالماء، إذ بعدما أثنت على سياسة السدود الشهيرة، التي "أنقذتنا من خطر العطش طيلة عقود من الجفاف"، تصر المسؤولة الحكومية على أن تتوجه السلطات العمومية، راهنا، نحو موارد مائية أخرى غير تقليدية.
فبالإضافة إلى معالجة مياه الصرف الصحي، التي يتطلب قبولها من قبل أغلبية سكان المغرب مقاربة بيداغوجية، تعد تحلية مياه البحر جزء من سياسة جديدة للتغلب على ندرة المياه في المستقبل، ولكن لأن مسألة المياه في المغرب تتدخل فيها ما بين 10 إلى 12 مؤسسة عمومية، فشرفات أفيلال، لا تخفي أن مسألة التنسيق بين مختلف الفاعلين، قلق يطرح نفسه بحدة.
واليوم، تقول كاتبة الدولة المكلفة بالماء، فقط 1 % من سكان المغرب يتم تزويدهم بمياه البحر التي تمت تحليتها، وهي نسبة مرشحة للارتفاع على خلفية الضغط المتزايد الذي يمارسه الطلب المتزايد على السدود، التي ترتهن مخزوناتها إلى التساقطات المطرية، على طول الشريط الساحلي.
وهذا التوجه من قبل السكان المغاربة نحو الاستقرار في المدن الساحلية، تؤكده المندوبية السامية للتخطيط: الثقل الديمغرافي في المدن الساحلية انتقل من 49 % في 1971 إلى 55.2 % في 2014، ما يعني تركيزا مرتفعا مقارنة بالمناطق الداخلية للبلد، حيث الموارد المائية الباطنية تتضاءل.
وعلى المستوى الوطني، خلصت دراسة لكتابة الدولة المكلفة بالماء إلى أن الحجم المتوسط من مياه البحر التي تمكن تحليتها في أفق 2030 من أجل التزود بالماء الصالح للشرب، قد يصل إلى 425 مليون متر مكعب، وهو رقم يشمل محطات التحلية الموجودة، وتلك التي توجد في طور التشييد.
الصحراء في المقدمة
تعود أول محطات تحلية مياه البحر بالمغرب إلى سنوات السبعينات، إذ ظهرت في الأقاليم الجنوبية المسترجعة، وكانت البداية بمحطة في طرفاية خلال 1976، قدرتها 75 متر مكعب في اليوم، تلتها بوجدور في 1976 (250 متر مكعب في اليوم)، وهي أحجام ضعيفة لا تضمن تزويد كافة السكان بالمياه الصالحة للشرب، علاوة على أن تقنية التقطير القديمة المعتمدة فيها لها فاتورة طاقية مرتفعة.
وذلك ما دفع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، إلى التجديد، بإحداث محطتين لتحلية المياه ابتداء من 1995 في العيون، بقدرة 13000 متر مكعب في اليوم، باعتماد تقنية "التناضح العكسي" (أوسموس آنفيرس)، الأكثر استعمالا في العالم، إذ تعتمد أغشية لتنقية المياه من الملح، وهي مقاربة تستهلك الطاقة خمس مرات أكثر من الطرق التقليدية.
ومنذ ذلك الحين، إرتفع مستوى الإنتاج في محطات التحلية في الأقاليم الجنوبية، فصارت محطة طرفاية تنتج 900 متر مكعب في اليوم، وارتفع حجم الإنتاج في محطة بوجدور إلى 2600 متر مكعب في اليوم، وهو الإقليم الذي أحدثت فيه محطة أخرى في "آكتي الغازي" بقدرة 90 متر مكعب في اليوم، بينما شهدت العيون في 2010، إحداث محطة جديدة، تتجاوز إمداداتها، المقدرة بـ26 ألف متر مكعب في اليوم، كبرى مدن الصحراء، لتصل إلى ثلاث جماعات محلية في إقليمها.
ومنذ فبراير 2016، انضافت محطة أخرى، قدرتها 1500 متر مكعب في اليوم، بالداخلة، عبارة عن بارجة بحرية، تعتمد تقنيات تكنولوجية، وأطلق عليها اسم "وادي ماسة"، ولها قدرة فريدة على نقل المياه المعالجة إلى مختلف البلدات الساحلية.
ضمان الأمن المائي
لا تشكل محطات تحلية المياه موضوع أي مخطط وطني مندمج، بقدر من يتم إحداثها وفق الحاجيات الترابية، وكانت تعد من مهام الإدارات الإقليمية للمكتب الوطني للماء والكهرباء، قبل أن تتحول إلى موضوع شراكة بين القطاع العام والخاص.
وفي يونيو 2015 طلب المكتب قرضا من البنك الدولي بقيمة مليار درهم، من أجل تأمين التزويد بالمياه الصالحة للشرب، في ثلاث مناطق حضرية، هي الحسيمة وطرفاية وسيدي إفني، من خلال بناء محطات لتحلية مياه البحر، بعدما توقعت الإدارة التقنية للمكتب، ارتفاعا في العجز من حيث استجابة العرض للطلب من الماء الصالح للشرب، إذ سينتقل في الحسيمة من 15 % خلال 2015 إلى 50 % في 2030، و40 % في سيدي إفني في 2030، و50 % في طرفاية.
وبالنسبة إلى الحسيمة، يقول رشيد علاش، المسؤول في إدارة المشتريات في المكتب الوطني للماء والكهرباء، "انطلقت الأشغال في يوليوز الماضي"، في المحطة التي ستحتضنها أجدير، ويتوقع أن تصل قدرة صبيبها إلى 200 لتر في الثانية، وستزود بالمياه أقاليم الحسيمة والناضور.
ولأن نسبة ملوحة المياه في البحر الأبيض المتوسط تصل إلى 38 غراما في اللتر، ستكون تكلفة الإنتاج مرتفعة أكثر مقارنة بالمحطات الموجودة في الشريط الساحلي الأطلسي، حيث نسبة الملوحة محددة في 30 غراما في اللتر، وعادت صفقة إنجاز المشروع إلى "تيداكا"، وهي من الشركات الفاعلة التي واكبت إسبانيا في تنفيذ سياستها لتحلية المياه منذ 30 سنة، حسب المصدر ذاته.
أما "مشروع طرفاية، الذي يتوقع أن يصل صبيبه إلى 15 لتر في الثانية، فالأشغال ستنطلق قريبا، بينما يوجد مشروع محطة سيدي إفني (100 لتر في الثانية)، والممول بشراكة مع البنك الألماني (KFW)، في طور المناقصة، وتم فتح أظرفة الصفقة في نهاية شتنبر الماضي".
للفلاحة نصيب
وليس الماء الصالح للشرب وحده المعني بتحلية مياه البحر، بل حتى الفلاحة ستستفيد مستقبلا من هذا التوجه، سيما في أكادير، التي تتوقع وزارة الفلاحة أن تحتضن أكبر محطة للتحلية في العالم.
ومبدئيا كان متوقعا أن تحدث المحطة في "كاب غير"، شمال أكادير، وبهدف وحيد هو تزويد حوالي مليوني و300 ألف نسمة بالماء الصالح للشرب في أفق 2030، قبل أن يتم تغيير الموقع نحو الجنوب قريبا من السهل الفلاحي لشتوكة.
وليس ذلك الاختيار اعتباطيا، لأن الموقع الجديد هو منشأ 90 % من الصادرات الفلاحية المغربية. وتعد شتوكة أيضا ضحية لضخ للمياه أجهد الفرشاة المائية الباطنية لسهل سوس.
"لقد اعتمد المشروع تبعا لطلبات الفلاحين خلال 2006 و2007، وبعد الدراسة، تقرر أن تجمع المحطة بين إنتاج مياه صالحة للشرب وأخرى للسقي"، يقول محمد أوحساين، مدير الري وإعداد المجال الفلاحي في وزارة الفلاحة والصيد البحري، مضيفا أن مديريته تباشر مفاوضات للاستثمار في هذا الورش الضخم، الذي يمكن أن ينتج 200 ألف متر مكعب في اليوم.
وبغلاف مالي قيمته 2.6 مليار درهم تم التعاقد بشأنه مع المجموعة الإسبانية "أبينغوا"، يتوقع أن يصل سعر المتر المكعب إلى 5.4 دراهم، وهو أدنى سعر في العالم حسب الوزارة، إذ يقول محمد أوحساين: "من أجل الانتقال من سعر إنتاج يصل إلى 16 درهما إلى سعر بيع بقيمة 5.4 دراهم للمتر المكعب، ستساهم الدولة بحصة 1.86 مليار درهم".
وعلى بعد 130 كيلومترا من الداخلة، ستوجد محطة تحلية أخرى خاصة حصريا بالأغراض الفلاحية، و"الاستثنائي في تلك المحطة هي أنها ستتزود بالطاقة الكهربائية بشكل كامل من حقل للطاقة الريحية"، وهو المشروع الذي سيحدث 10 آلاف منصب شغل، بفضل غلاف استثماري قدره 1.7 مليون درهم.
محطة الدار البيضاء في 2025
ستستفيد جهة الدار البيضاء سطات، بوصفها الأكثر كثافة سكانية بالمغرب، ابتداء من 2025 من محطة لتحلية مياه البحر. وقالت شرفات أفيلال إن المحطة ستكون موضوع اتفاقية تعاون تشمل المكتب الوطني للماء والكهرباء ومجلس الجهة. ويراد من المحطة أن تكون بديلا لـ190 مليون متر مكعب من المياه التي تستهلكها الجهة حاليا من مخزون سد أم الربيع.