نجحت أسماء لمرابط منذ سنوات، في فرض اسمها في الساحة الثقافية والدينية في المغرب. وذلك بفضل أعمالها حول المرأة في الإسلام، وبما عبّدت طريقه نحو "نسوية إسلامية". في سنة 2017، أصدرت لمرابط كتابين على التوالي: "مؤمنات ونسويات، رؤية مغايرة للأديان"، وكتاب "الإسلام والمرأة، الأسئلة المقلقة".
تلمس المؤلفات الأخيرة للمرابط، شريحة أكبر من الجمهور، وتأتي لتكمل مشروعها الفكري. وتشكل القضايا القائمة حول الإرهاب وغياب المساواة الاجتماعية، دافعا لهذه المثقفة الملتزمة لخوض مجالات جديدة، إذ تعيش لمرابط بين عوالم "العمل الجمعوي، والديني والأكاديمي"، وتفضل الحوار على التصادم.
في هذا الحوار الذي سبق أن أجرته معها مجلة "تيل كيل" في السنة الماضية، توضح لمرابط مشروعها الفكري وما تسعى إليه من خلال التركيز على قضايا المرأة في الإسلام، والمساواة بين النساء والرجال. بالإضافة إلى تطرقها إلى حياتها الشخصية وانتمائها السياسي.
"تيل كيل عربي" تعيد نشر الحوار لأهميته بمناسبة الجدل القائم حول مواقف أسماء لمرابط الدينية، واستقالتها/ إقالتها، من الرابطة المحمدية للعلماء.
كتاباك "مؤمنات ونسويات" و"الإسلام والمرأة"، يبدوان تعليميين أكثر من كتبك السابقة. هل كنت صعبة على الفهم من قبل؟
لا أعلم ما إذا كنت صعبة، لكن بالتأكيد كنت أريد أن أشتغل على شيء تعليمي. فبطبيعتي أنا دقيقة جدا، لكني آخذ بعين الاعتبار وجود متلقي يريد نصا بسيطا. الكتاب الأول كان بمثابة مقرر صغير، كمدخل لنقاشات معاصرة. أما الثاني، فهو يطرح أسئلة محددة بلغة بسيطة.
أصدرت كتابين حول المرأة، رغم أنك سبق وصرحت لنا من قبل، أنك ستتوجهين شيئا فشيئا نحو قضايا جديدة..
يمكننا القول، إنه ولفترة طويلة كنت أنجذب لمكانة ودور المرأة في الدين. اليوم، أريد البحث في الإصلاح الديني بشكل عام، وليس الاكتفاء بقضية المرأة فقط. لكن العمل على ذلك، هو اعتراف في حد ذاته، بأن قضية تحرير المرأة لا تزال قضية مركزية، فهي نقطة الانطلاق التي دفعتني إلى التفكير في قضايا أخرى. إذن فالقضايا كلها مفتوحة ومرتبطة ببعضها.
تفضلين دائما الابتعاد عن الجدل، كما أنك نادرا ما تردين على مؤلفات أو آراء مفكرين وعلماء الدين. لماذا؟
هي طبيعتي واختياري في الوقت ذاته، فالصراعات لا تهمني. وأحتفظ بشكل من السذاجة المطلوبة في شخصيتي؛ لا أطلب من الناس سوى التعامل بحسن نية، ولدي أمل كبير في البيداغوجية والحوار. لكن هذا لا يمنعني من طرح آرائي مع من يعارضها.
في السنة الماضية، كنت في ندوة بباريس، بدعوة من مجلة "عالم الأديان"، وواجهت مدافعات علمانيات في قضايا المرأة، حيث اعتبرن تحرر المرأة متعارضا مع القيم الإسلامية. أؤكد لك أن النقاش كان فعلا ساخنا.
هل لا تزالين ترفضين خوض غمار السياسية؟
يُطلب مني ذلك كثيرا، لكني لا أفضل دخول عالم السياسة، رغم التزامي بأخلاقيات وبمقاربة نظرية يمكن أن نصفها باليسارية. وهذا الأمر هو إرث عائلي، حيث أن والدي عاش في المنفى بسبب التزامه السياسي.
تشاركين في ندوات حول التطرف الجهادي. هل هناك "جبهة أمامية" يجب التواجد بها؟
لا أفضل تعبير "جبهة أمامية" لكونه حربي جدا. لكن هناك معركة يجب القيام بها، لأن الجانب الأمني وحده لن يكفي ولن يحل شيئا. الخطاب الذي يقول " الإسلام لا ذنب له" أو "الغرب لا دخل له".. كاف للتأكد أننا لم نحرز تقدما. لذا فعلينا أن نفكك، نفكر ونسائل أنفسنا، من أجل المضي قدما لتغيير أسلوب تفكيرنا.
تلقى أعمالك صدى إيجابيا في أوروبا. هل تهتمين بالنقاشات هناك؟
أولا، مصير نساء الجنوب، أو اللواتي ينحدرن من الجنوب ويعشن في الشمال، مرتبط ببعضه. فهن جميعهن يناقشن نسوية سائدة؛ تدعي أحيانا، بشكل بريء، أنها هي التي حررتهن وليس هن من تحررن بأنفسهن. هذا ما نشعر به بوضوح عند قراءة خطاب (أدعو الجميع للاطلاع عليه) للناشطة "المتطرفة" الأفرو-أمريكية أنجيلا دافيس، خلال مسيرة النساء بعد تولية ترامب.
ثانيا، صحيح أنه يطلب مني كثيرا الإدلاء بتصريحات في الإعلام الأوروبي، لكن أحيانا أجد أن الضجة الإعلامية تضر بالقضية، لهذا فأنا حذرة. في المقابل، أقبل الاقتراحات التي تكون ملتزمة وعملية. على سبيل المثال، سأقوم بتكوين موظفات في قطاع العدل ببلجيكا، من أجل تحسيسهن بقضية المرأة والإسلام.
لذا أعتقد أن الآثار المجتمعية لمعاداة الإسلام وللإرهاب تدفع البعض للتفكير.
في نظرك، هل توجد معاداة للإسلام في أوروبا؟
بدون أدنى شك.
لنعد لأعمالك. ما هو الموضوع الذي ستشتغلين عليه مستقبلا؟
شرعت في التحضير لكتاب حول الإسلام التقدمي. أعلم أن الموضوع ليس جديدا، لكنه يستحق أن نعيد الحديث عنه، بمناقشته وتداوله. بالنسبة لي، يتشكل الإسلام التقدمي من ثلاثة زوايا: العدالة الاجتماعية، التعدد الديني، والمساواة بين النساء والرجال.
هذا الإسلام التقدمي يسائل جذريا ما تعلمناه لغاية اليوم؛ إنه يفكك معرفتنا ويقترح تحقيق عدالة اجتماعية، بمرجعية إسلامية مفارقة للقراءات القديمة. وشخصيا أؤمن بأن هذا الإسلام التقدمي هو العلاج الفعال لسم الجهاد المتطرف. إنها نظرية لا تتوافق تماما مع العالم الإسلامي الذي نعيشه، والذي يحتاج قطعا للتغيير، لا سيما لفئة الشباب، الذين هم في أمس الحاجة إلى بدائل.
يجب التذكير هنا، أن هذا الإسلام ليس مستحدثا، إذ نجده لدى رجال مثل المهدي بنبركة ومحمد بن العربي العلوي (الشيخ المقرب من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية).
إذن ستشتغلين بمرجعيات مغربية؟
نعم، سآخذ بعين الاعتبار التجربة المغربية، وهي مسألة مرتبطة بالأحداث الجارية. وفي نظري، بما أن غاية "الجهاد" هي ترسيخ إسلام خال من أي ثقافة، وعالم يلغي الخصوصية المحلية، فإني أقترح، لمواجهة ذلك، إبراز قيمة الخصوصيات والاختلافات، والتركيز على الثقافات الوطنية والجهوية.. وهو ما أعتبره تغييرا كبيرا بالنسبة لي، كوني في السابق كنت متجهة أكثر نحو كل ما هو روحاني، وبما يسمو على الحدود والسياقات.
لماذا لا تتحدثين كثيرا عن عملك كطبيبة؟
لا أتكلم كثيرا عن عملي - كطبيبة في مركز ابن رشد الاستشفائي - لأنني أعتبره واجبا. فبالنسبة لي كامرأة، أرى أنه من المهم أن أستمر في المهنة التي درست من أجلها سنوات طويلة، والتي تحقق لي استقلاليتي.
من جهة أخرى، أشعر فعلا أن الطب هو شغف أيضا، لكون الأطباء الذين استمروا بالعمل في القطاع العام مناضلون كذلك، حيث يجدون مكانهم بجانب كل الذين يحتاجونهم.
نادرا ما تتحدثين عن السيد لمرابط، مع أنه هو من ساهم في اتجاهك نحو المسألة الدينية؟
رسميا ليس هناك "السيد لمرابط"؛ فهذا اسمي قبل الزواج. وزوجي يحترم أفكاري رغم اختلافه معها. وبشكل دقيق، لم يكن هو السبب في اتجاهي نحو المسائل الدينية والروحية. فببساطة، لقد أعدت اكتشاف الشأن الديني في أمريكا اللاتينية، عندما كان هو يعمل هناك كديبلوماسي.
كيف ترين الجدل القائم حول النقاب والبرقع؟
عندما تكون مدافعا عن الحريات الفردية، من الصعب أن تقبل أو تدعم قرار "المنع"، سواء تعلق الأمر بالنقاب أو البرقع، رغم أني شخصيا أعارض تماما الإيديولوجية التي تقبع خلف ارتدائه. أفضل محاربة هذه المقاربة على أرض التعليم والفكر.
لماذا أهديت كتابك "مؤمنات ونسويات" لفاطمة المرنيسي..؟
فاطمة المرنيسي كانت دون شك، رائدة إعادة قراءة النصوص الدينية التي تعالج قضية المرأة في الإسلام. وقد أثبتت أن هذه المسألة كانت نتيجة تفسيرات وليست من المرجعية الإسلامية. كما كانت أول من انتقد النموذج الغربي في تحرير المرأة، ثم تبنت منظورا نسويا "غير استعماري".. إنني أدين لها بالكثير.