حصل أخيرا الفيلم اللبناني "أصحاب ولا أعز"، على العلامة الكاملة من ناحية ارتفاع نسبة مشاهدته على المنصات والمواقع السينمائية، كما تمكن من خلق ضجة كبيرة في الأوساط العربية بصفة خاصة، أولا من ناحية الموضوع القديم الجديد الذي تجرأ على إثارته، وثانيا بفضل تمكنه من نزع طابع المحافظة وتسليط الضوء الساطع على العديد من الطابوهات التي تمارس في الخفاء، بل وبشكل كبير وإن غلب عليها طابع التواطؤ الاجتماعي.
وفي المقابل من ذلك، يحكي الفيلم عن لقاء جمع بعض الأصدقاء ـ وعددهم سبعة ـ حول مائدة العشاء، حيث اقترحوا تجريب لعبة بسيطة تقيس مدى شفافيتهم، وذلك عن طريق وضع هواتفهم الذكية على الطاولة، شريطة أن تكون كل الرسائل والمكالمات والصور مكشوفة للعموم، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى تعرية جملة من الحقائق التي كان يخفيها كل فرد منهم إما على زوجه أو أصدقاءه.
وفي نفس السياق، تمكن هذا الفيلم من خلق ضجة كبيرة وإعادة نقاش مفهوم الرقابة السينمائية ودورها في الانتقاء من طرف فئة عريضة من المحافظين، خاصة وأن الفيلم حسب تصورهم يحوي بين طياته دعوة مضمرة على "الفسق والمثلية والانحلال الخلقي والانسلاخ عن الهوية".
فيما أكد فريق مهم من المنفتحين، على أن الفيلم مجرد تحصيل حاصل لما يحدث في المجتمع، وأنه لم يبتدع فكرته من فراغ، بقدر ما أثار مواضيع عدة تمارس بشكل كبير في مجتمعاتنا، إلا أنها لا تخرج عن الجدران السميكة للشقق التي تشهد عليها. لهذا فإن الفيلم بمثابة فرصة سانحة لتعرية الواقع، وتصوير منطقة ظله ونشر غسيلها للعموم.
هذا وعلى غرار العديد من الأعمال الفنية الجريئة، فقد تمكن الفيلم سابق الذكر من معالجة موضوع مهم، ألا وهو مدى الإخلاص في الصداقة والحب والعلاقات الزوجية، كما أنه حافظ على التصور الذي يدعو إلى إعادة ترتيب العلاقات الإنسانية على المستوى الأخلاقي وليس المصلحي. وبما أنه كان صادما للغاية، فقد خلق ردود أفعال متباينة، بين مندد ومشجع.
أما على المستوى الفني، فلا شك أن الفيلم قد نال إعجاب العديد من النقاد، سواء من خلال الديكور والخلفية، أو اعتماد تقنية الفضاء الوحيد الذي تدور فيه كل أحداث الفيلم، وهي للإشارة تقنية صعبة تسعى إلى الحفاظ على نفس الريتم أو الزيادة فيه دون أن يشعر المتلقي بالملل. من ثمة فقد عمل المخرج على إدخال المشاهد في أحداث الفيلم، وجعله جزءا لا يتجزأ منه، من خلال الكاميرا المتحركة من جهة، والتدقيق أحيانا في ملامح الشخصيات من جهة ثانية، وتحديدا لحظة إحراجها.
وفي سياق متصل، عمل الفيلم من بداياته على خلق التناقض بين شخصياته من خلال وضعهم في دائرة الصراعات المتواصلة رغم القرابة التي تجمعهم، بين أم وابنتها، وزوج وزوجته، وصديق وصديقه.. والحال ان هذا الصراع تمكن طبعا من إغناء الحوار وفتح الفيلم على إمكانات سردية متعددة، أضفى عليها الكاستينغ الاحترافي سحرا خاصا.
وعودة إلى ردود الأفعال المتباينة حول الرسالة التي يبلغها الفيلم، فقد أصدرت نقابة المهن التمثيلية بمصر بيانا تندد فيه بالانتقادات الفجة التي تعرضت إليها الممثلة المصرية منى زكي، من طرف العموم وأيضا من طرف بعض الشخصيات السياسية، خاصة وأن بطلة الفيلم تعتبر عضوا فاعلا بالنقابة سابقة الذكر. داعية في نفس الوقت إلى احترام حرية التعبير، ومؤكدة على وقوفها اللامشروط مع منى زكي.
يذكر أن الفيلم من إنتاج منصة نيتفليكس، وإخراج وسام سميرة في أول تجربة لها، ومن بطولة منى زكي وإياد نصار وعادل كرم ونادين لبكي وجورج خباز وفؤاد لمين، هذا ويمثل مبدئيا النسخة 19 للفيلم الإيطالي الشهير غرباء بالكامل.