أطفال التوحد في الحجر المنزلي.. المعاناة المضاعفة

الشرقي الحرش

إذا كانت منظمة الصحة العالمية قد اعتبرت في وثيقة لها، صدرت يوم 18 مارس الماضي، أن جائحة فيروس "كورونا" تتسبب في انتشار الضغط النفسي في صفوف جميع السكان، ووجهت عددا من النصائح لسكان العالم من أجل الحفاظ على صحتهم النفسية، فإن عددا من الآباء والأمهات يعيشون ضغطا نفسيا وتوترا مضاعفا بسبب إصابة أحد أبنائهم بالتوحد.

بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، فإن اضطرابات طيف التوحد عبارة عن مجموعة من الاضطرابات المعقدة في نمو الدماغ.

وتؤكد المنظمة أن هذه الاضطرابات تتميز بمواجهة الفرد لصعوبات في التفاعل مع المجتمع والتواصل معه، ومحدودية وتكرار خزين الاهتمامات والأنشطة التي لديه، مما يتطلب تمتيعه برعاية خاصة من أفراد عائلته.

وإذا كان العديد من أسر أطفال التوحد قد وجدت في بعض الجمعيات والمراكز ملاذا لأطفالها في الحالة العادية، حيث يشرف على تأطيرهم عدد من المختصين من خلال ورشات تروم علاجهم وتعديل سلوكهم، فإن إغلاق هذه المراكز والجمعيات بسبب الحجر الصحي زاد من معاناتهم ومعاناة أسرهم.

 تزايد الاضطرابات

تؤكد أم "إلياس"، البالغ من العمر 6 سنوات وواحد من أطفال التوحد، أن الحجر الصحي زاد من معاناة ابنها، كما زاد من معاناتها معه.

وتقول، أم "إلياس"، القاطنة بقرية أولاد موسى بسلا "ابني لا يقدر على التعبير عما يخالجه، ولا يمكن أن تتوقع ما قد يقوم به من سلوكات يؤدي بها نفسها".

وتضيف المتحدثة، لـ"تيلكيل عربي"، "في هذه الفترة زادت اضطراباته، وأصبح يصرخ باستمرار، لأنه غير متعود على  هذا الروتين الجديد، كما أنه لم يفهم ما يحدث".

ومما زاد من معاناة "إلياس" إغلاق المركز الذي كان يعالج فيه بسبب الحجر الصحي.

وتؤكد أم الطفل أن الوقت الذي كان يقضيه في المركز أثر إيجابا عليه، لكن إغلاقه زاد من معاناته، وأصبحت تخشى عليه من إيذاء نفسه، "فهو يلعب بكل شيء، بما في ذلك سكاكين المطبخ، كما يحاول أحيانا القفز من النافذة"، كما تقول في شهادتها.

"خوف من إيذاء أخته"

مروان المراكي، واحد من الآباء الذين يعيشون معاناة يومية، رفقة زوجته، مع ابنهما البالغ من العمر 7 سنوات بمسكنهما بالدار البيضاء، يقول "اكتشفنا إصابة ابننا بالتوحد في عامه الثاني، ومنذ ذلك الوقت بدأت معاناتنا مع الترويض والحصص العلاجية، علما أن ظروفي المادية لا تسمح لي بدفع تكاليف العلاج، إذ أن أصهاري هم من يساعدونني".

 ويشدد المراكي أن الحجر الصحي كان له بالغ التأثير على ابنه، الذي أصبح لا يكف عن الصراخ.

ويعتبر المتحدث، في شهادته لـ"تيلكيل عربي"، أن منع التجول خلال فترة الحجر الصحي يجب أن يستثني أطفال التوحد، الذين يبحثون عن فضاءات مفتوحة، مضيفا أن طفله لا يطيق البقاء في المنزل طيلة هذه الفترة، كما أنه وجد صعوبة في فهم ما يحدث.

ويضيف "نعيش معاناة يومية مع طفلنا، كما أصبحنا نخشى من قيامه بإيذائه أخته الرضيعة، التي حاول ضربها أكثر من مرة".

"متى تنتهي كورونا؟"

كريم العيار، أم لطفلة توحدية، لم تكتف بطرق أبواب الجمعيات والمراكز لعلاج ابنتها، بل إنها خاضت حربا ضد هذا المرض، حيث عملت على تأسيس مركز باسم ابنتها في مدينة سلا لعلاج أطفال التوحد، أطلقت عليه اسم "ياسمين برتون"، كما أن حرصها على الاعتناء بابنتها دفعها إلى لولوج الجامعة من أجل دراسة علم النفس والترويض النفسي الحركي، فضلا عن كونها مربية.

تتابع كريمة العيار حالة ابنتها باستمرار، وتحرص على تنظيم برنامجها اليومي من خلال جدول بصري يومي، وتؤكد، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أن الجدول البصري أساسي لتنظيم وقت أطفال التوحد، نظرا للصعوبة المتعلقة بمفهوم الوقت لديهم.

وتحرص هذه الأم على ترتيب وقت ابنتها من خلال تعليق عدد من الصور أمامها كصور الفطور والقراءة والنوم، وتؤكد أن هذا يساعد الأطفال على ترتيب وقتهم، إذ أن كل عملية مرتبطة عندهم بصورة، وفي حالة عدم وجود هذه الصورة يتيهون.

وأضافت "من بين الأسئلة التي تطرحها علي ابنتي: متى تنتهي كورونا؟"، مؤكدة "حينما فهمت ماذا تعني 'كورونا' من خلال الرسومات بدأت تتساءل عن وقت نهايتها".

وزادت "أخطأت حينما أخبرتها، في البداية، أنها ستنتهي في الصيف، لذلك لم تتردد في لبس ملابس الصيف حينما أحست بالحرارة، وطلبت الخروج، لكن 'كورونا' لم تنته بعد".

 وتعتبر العيار أن التحدي الذي يواجه أسر أطفال التوحد هو غياب التكوين، إذ أن أغلبهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع أطفالهم، وترتيب وقتهم مما يتسبب لهم في اضطرابات خطيرة.

وتعتبر المتحدثة أن أطفال التوحد أبرز ضحايا هذه الجائحة، إذ أن عددا منهم كانوا مقبلين على الاندماج في المدرسة مع أقرانهم، إلا أن إغلاق الجمعيات والمراكز حال دون استكمال تكوينهم.

"نريد الدواء"

 من جهتها، تقول "فاطمة"، أم "نصر الله"، القاطنة بمدينة مكناس، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، إن ابنها يعاني من تشتت الانتباه وفرط الحركة؛ إذ لا يطيق الجلوس في المنزل.

 وتضيف "كان ابني يمارس الترويض ويتابع علاجه في أحد المراكز، إلا أن إغلاقها زاد من معاناته".

ومما يزيد من معاناة "فاطمة"، غلاء أحد الأدوية التي يتناولها ابنها، إذ أن سعره يتجاوز 1700 درهم.

 ووجهت المتحدثة نداء إلى وزارة الصحة من أجل إيجاد حل للأطفال الذين يتناولون هذا الدواء المكلف.

 رأي الخبير

 يؤكد البروفيسور عبد السلام الإدريسي، الأستاذ الجامعي والأخصائي في علم الأعصاب بجامعة نيويورك الأمريكية، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أن هناك صعوبة في شرح الحجر الصحي للأطفال من قبل الآباء والأمهات مما يستدعي إيجاد حلول لمواكبتهم حتى يتمكنوا بدورهم من الاعتناء بأبنائهم.

ويعتبر الإدريسي أن البيئة التي يعيش فيها الطفل التوحدي تحدد سلوكه بدرجة كبيرة، إذ أن ما يقوم به هو نوع من التواصل والتعبير.

ويضيف "إذا كان محيط الطفل التوحدي يعاني من مشاكل، فمن المؤكد أن ذلك سيؤثر عليه ويؤدي إلى مزيد من الاضطرابات السلوكية".

ولفت البروفيسور الإدريسي إلى أن عددا من السلوكات التي يقوم بها أطفال التوحد تكون بسبب بعض المحفزات في المنزل.

ويشدد الإدريسي على أن الدعم البصري أمر حتمي للتخفيف من معاناة أطفال التوحد، مشيرا إلى أن محاولة إفهامهم عن طريق الرسومات والجداول والكلمات أمر ضروري، حسب الحالة، مضيفا أن "استعمال الجداول والرسومات أو الكتابة حسب قدرة كل طفل توحدي يساعده على التغلب على القلق، ويخلق نوعا من الروتين لديه".

ويرى المتحدث أن أطفال التوحد يحتاجون إلى دعم إضافي خلال فترة الحجر الصحي حتى يفهموا ما يقع.

ويزيد موضحا "يمكن الاستعانة بالقصص الاجتماعية المصورة من أجل مساعدتهم على معرفة الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا الوقت كغسل اليدين والتباعد الاجتماعي والدراسة عن بعد، حسب قدرة كل طفل".

ويعتبر الادريسي أن خروج أطفال التوحد من الروتين الذي ألفوه سبب مباشر في الاضطرابات العصبية التي تحدث لهم، لذلك يجب أن يبذل الآباء جهدا مضاعفا من أجل خلق روتين جديد لأطفالهم.

 ويخلص المتحدث إلى أن على الآباء والأمهات أن يشرحوا لأطفالهم بطريقة يسهل عليهم فهمها من أجل إدراك الوضعية التي يعيشونها، وكذلك إعطاء فسحة من الوقت من أجل طرح الأسئلة والإجابة عنها.