من بين آلاف المرشحين لنيل لقب أفضل خطيب بالمملكة، فاز عبد الله بن المدني بالجائزة الوطنية للخطبة المنبرية في نسختها الثانية برسم سنة 2017. "تيلكيل عربي" حاورت الشيخ بن المدني (من مواليد 1952)، الذي اختير كأفضل خطيب لهذه السنة، ساعات بعد فوزه يوم أمس الأحد. وخلال هذا الحوار، كشف الشيخ عن كواليس فوزه من بين 111 خطيبا بلغوا النهائيات، فضلا عن حديثه عن دور الخطباء اليوم في العائلة وداخل المجتمع.
كيف تعرف نفسك.. وتعرف جائزة "الخطبة المنبرية" التي يمنحها المجلس العلمي الأعلى، وكيف ترشحت لها ؟
عبد الله بن المدني، من مواليد سنة 1952 بالريصاني بإقليم الراشدية جنوب المغرب. تخرجت من المدارس العتيقة، حيث درست الشريعة والدراسات الإسلامية. وأشتغل حاليا خطيبا لمسجد محمد السادس، وعضوا بالمجلس العلمي بنفس المدينة.
قبل الحديث عن الجائزة، أعرب عن امتناني بهذا التتويج وبالمكرِّم لها والمكرًّم بها. لأن الجائزة في نظري تحمل دلالات، من بينها أنها تقدير لدور المنبر النبوي، وكذلك تشجيع للخطيب، الذي ينظر إلى منبره بعين التكريم والتشريف. هذا فضلا عن كون الجائزة التفاتة إلى ثلة من الخطباء والوعاظ، وإلى دورهم في الرقي بالمجتمع.
الجائزة حديثة العهد، فهي في دورتها الثانية. وتفتح أبواب الترشح في وجه كل الخطباء في جهات المغرب. وتقوم لجنة من المجلس العلمي الأعلى ممن لهم دراية بالخطبة، باختيار أحسن خطبة، بناء على مستويين، على مستوى الكتابة ثم الإلقاء.
تحدد اللجنة موضوعا للكتابة حوله بالنسبة للمترشحين الذي تم انتقائهم في المرحلة الأولى. ثم بعد ذلك يحرر الخطيب حول ذلك الموضوع ويصوغ خطبته مكتوبة، فيتقدم بها إلى اللجنة. يشترط أن تكون خطبته مكتوبة بلغة جميلة، وراقية وبسيطة في نفس الوقت. وإذا تم قبولها، تزور اللجنة مسجد المترشح لتستمع إلى خطبته التي حررها، ولتعاين طريقة إلقائه وتعامل مع المستمعين داخل المسجد.
من بين آلاف المترشحين هذه السنة، نجح في الوصول إلى النهائيات 111 خطيبا. وتخصص الجوائز جهويا ووطنيا؛ فهناك جائزة للخطبة المنبرية على المستوى الوطني، ثم على مستوى الجهات، والإقليم، فالمدينة والبوادي.
بالنسبة لقيمة الجائزة، فلست أدري لحد الآن حدوده مقدارها. لكن ما علمته أن هناك شيكا، أرجح أنه يترواح ما بين 30 إلى 50 ألف درهم، وقد تركته عند المكلف في أمانة المجلس، لأنهم قالوا لي إن الأمر يحتاج إلى عدة إجراءات إدارية.
على ماذا تعتمد في خطبك وخطابتك ؟
يقع مسجد محمد السادس الذي أؤم فيه، ببني ملال وسط المدينة. ويعد أكبر مسجد بالمنطقة. وفي خطبي الجمعية، لا أعتمد على ديوان معين ولا إلى خطبة محددة، بل في واقع الأمر، أنا أنظر إلى ما يحتاجه الناس. فالخطبة هي تلبية لحاجاتهم. ولا يحتاج هؤلاء إلى أن يسألوك ويقدموا حاجاتهم، بل الخطيب هو الذي ينظر إلى حاجاتهم.
الحديث إلى الناس ومخاطبتهم يجب أن تنبع من إمام صادق، يريد أن ينفذ إلى قلوبهم برفق ولطف. فإذا ما شعر الناس بأنك أقرب إليهم رحمة وسماحة في خطبك، فضلا عن لغة عربية جذابة سليمة وبسيطة، لا تعلو على عامة المستمعين، ولا تدرج كلاما سوقيا، فإنك بذلك تكون كسبت قلوب الناس وحقق غاية دعوتك.
إذا أحس الناس صدق الخطيب فإنهم يلتفون حوله، وهنا لا تكفي اللغة والطريقة ولا الصياح. إنما هي مسألة قلبية وعلاقة اتصال لا سلكي، بين الخطيب والمستمعين. وعلى جهازي الإرسال والاستقبال أن يكون بينهما ذبذبات تصل غاياتها وموجاتها إلى القلوب.
كيف هي علاقتك كخطيب بالناس وبالمجتمع ؟
أنا أخطب بهذه المنطقة وأسكن بها كذلك. لذا فإني أقرب إليهم وأعرف ما يعانونه. الناس ينظرون الى حالك قبل مقالك. ومعيار القبول لدى الخطباء اليوم هو إقبال الناس عليك، والتحدي هو أن تعيش همومهم.
يشتكي إلي كثير من الناس من بعض المشاكل، والتي أغلبها مشاكل زوجية وعائلية. أضحت البيوت تعاني من هذه المشاكل مؤخرا بشكل كبير. لكن عندما يمس الخطيب جراح هؤلاء المشتكين ويضمضها، ولما تطمئن قلوبهم إليه، ويجد حلولا لمشاكلهم.. كل هذا أعتبره أصل الخطبة وجوهرها، وليس كثرة الكلام. يجب أن يجد الناس في خطيبهم؛ الطبيب الذي يعالج أمراضهم.
أنت كخطيب وعالم، هل تواجه موجات التطرف وكيف تحاربها ؟
العالم لم يعد كقرية واحدة، بل كغرفة واحدة، أو قل هو نافذة مفتوحة يراك العالم وتراه. وبالتالي فموجة التطرف لا يخلو منها مكان. المتطرف هو نتاج أفكار متطرفة، لذا لا يمكن أن نعالج مرض التطرف إلا بالفكر. المقاربة التي يجب أن يسلكها الخطيب هي مقارعة الفكر بالفكر. العنف لا يولد إلا العنف، والشدة والضغط يولدان الانفجار.
يجب أن نأخذ المتطرف بيده إلى الطريق التي سيسلكها وتوصله إلى مراده. قد تكون نيته وغايته "حسنة"، لكن وسيلة الوصول غير صالحة. وليس كل من يقصد الخير يجد وسيلته. وهذه الأخيرة قد تدمره وتدمر الآخرين معه.
لا يمكنك أن تنال من المتطرف وتنزع عنه فتيل الخطر، إلا إذا كنت متمكنا من أدلته ووسيلته المعتمدة. بحيث تستطيع أن تستوعب دليله وشبهه، لتحللها. شبهة التطرف والغلو لا يمكن أن تتبخر إلا بإلقاء ضوء الشمس الساطعة عليها. أي شمس الدليل. وحسبنا أحد الحكماء الذي سئل عن لذته في الحياة، فقال: " في حجة تتبختر اتضاحا وفي شبهة تتبخر افتضاحا".
ما علاقة الخطيب اليوم بوسائل التواصل الاجتماعي ؟
الخطيب لا بد أن يكون واعيا بواقعه. وهو يحتاج لعلمان: علم بتفاصيل الإسلام، وعلم بالواقع بتفاصيله. لينزل تفاصيل الاسلام التي عرفها ودرسها، على الواقع الذي يعيش تفاصيله. وأبعد من ذلك الخطيب لا ينجح بهذين الأمرين فقط. بل تصبح أمامه 3 أمور يجب أن يتقنها ويوازي بينها: معرفة الشريعة، ومعرفة الواقع، ثم معرفة كيفية تنزيل الشريعة على الواقع.
لا بد أن نستعمل كل الوسائل المتاحة، منها التواصلية والاجتماعية والافتراضية. لا يمكن أن نعيش خارج عصرنا. الآن يحيط بك العالم بكل ما هو متوفر. المشكل هو كيفية التعامل مع هذه الوسائل، لا أن نهرب منها أو نحرمها.