احتجاجات في مناطق مختلفة من المغرب بسبب قلة الماء. تقارير وطنية ودولية تحذر من شبح العطش القادم. الوزيرة شرفات أفيلال تقول كل شيء عن الأزمة وعن الحلول الممكنة.
تنشب بين الفينة والأخرى احتجاجات في عدد من المناطق بسبب العطش. هل عالجتم هذا المشكل؟
يجب أن ننصف المغرب على مستوى المجهودات المبذولة تجاه تزويد المواطنين بالماء الصالح للشرب وضمان الأمن المائي للمغاربة. تعد البلاد على الصعيد الدولي من الدول الرائدة في مجال الأمن المائي، لقد قطعنا أشواطا كبيرة جدا خاصة على مستوى الحكامة في تدبير الموارد المائية، وكذا تعميم التزويد بها، وتنمية الفلاحة، إذ يتوفر المغرب اليوم على أكثر من مليون و500 ألف هكتار من الأراضي المسقية.
هذا الصيف، تابعنا عن قرب ما يحدث في بعض المناطق من اضطرابات، لكن البعض قام بتهويل ما حدث، ولكننا شكلنا خلية لتتبع كل الاحتجاجات التي تخرج بسبب الماء، وكل ما كان ينشر نتفاعل معه، وأعددنا بهذا الصدد ملفا متكاملا يرصد حاجيات كل منطقة وسبب احتجاجات الساكنة فيها وما يمكن أن نقوم به لمعالجة هذه الاضطرابات.
واتضح من خلال العمل الميداني للخلية، أن بعض الاحتجاجات لا علاقة لها بشكل مباشر بالتزود بالماء الصالح للشرب، بل خرجت احتجاجاً على فاتورة المياه أو منازل شيدت بدون رخص وبدون الضوابط القانونية، لكن أصحابها يطالبون بربطها بشبكة التزود بالماء الصالح للشرب والصرف الصحي، أو بسبب أعطاب في المضخات وقنوات الجر، والتي تضطر بسببها مصالح التزويد بالماء لقطعه لفترة معينة.
مثلا ما وقع في اغبالة بمنطقة بني ملال، والتي وصلت فيها الاحتجاجات حد اندلاع مواجهات بين الساكنة وقوات الدرك الملكي، هو أن هؤلاء طالبوا في وقت سابق بالربط بشبكة الماء الصالح للشرب وشبكة تطهير السائل، وتم تحقيق هذا المطلب، ولكن عندما توصلوا بفواتير الأداء رفضوا تأديتها، واعتبروا أنها باهظة، يعني الاحتجاجات لم تكن بسبب غياب الماء كما روج، بل بسبب رفضهم لأداء فاتورة التزود به.
*كم كانت قيمة الفواتير التي توصلوا بها؟
ما أؤكده أن فواتير الماء تراعي الدخل الفردي لهؤلاء. في جميع المناطق الجبلية والمهمشة تكون الفاتورة أقل بكثير من الكلفة الحقيقية لتزويدهم بالماء.
مناطق أخرى عرفت بدورها احتجاجات، أذكر منها خريبكة، ما وقع هنا، هو حدوث عطب في المضخة، واضطررنا للتوقف لساعات من أجل إصلاحها، ولكن المواطن لم يعد قادراً على تحمل انقطاع الماء. أنا نشأت في منطقة تطوان، كنا حينها نستفيد من الماء فقط لخمس أو أربع ساعات في اليوم، هذا لم يعد مقبولاً اليوم، لكن أتحدث عن هذه الفترة لأؤكد أن الأوضاع تغيرت نحو الأحسن.
هذه الأمثلة لا تنفي أن ثلثي المناطق التي تحركت فيها الاحتجاجات عاشت خصاصا في الماء الشروب، ولكن الثلث الآخر الذي تم تهويله، كانت أسباب خروج الساكنة فيه بعيدة عن قلة المياه أو انعدامها. المناطق التي عرفت اضطرابات هذا الصيف عددها 37 مركزا فقط من مجموع عدد المراكز في المغرب والتي يبلغ عددها 700 مركز.
وأود أن أشير إلى أن فترة الصيف تعرف دائما اضطرابات في التزود بالماء الصالح للشرب، ويجب أن نسجل أن الفترة الأخيرة عرفت تراجعا مهما في التساقطات المطرية بالمغرب، ما انعكس على المخزون المائي سواء السطحي أو الجوفي، كما أن هذا الفصل يسجل طلباً مضاعفا على الماء في عدد من القرى والمناطق السياحية خاصة منها الجبلية، ما يؤدي إلى نضوب بعد الآبار ووالعيون، وهناك جماعات قروية نضطر إلى تزويدها بالماء الصالح للشرب عبر الصهاريج المتنقلة.
حاولت زيارة أغلب المناطق التي وقعت فيها احتجاجات هذا الصيف، والجولات الميدانية مستمرة، نتج عن الشطر الأول منها برامج عمل في 7 مناطق منها بني ملال والشفشاون ووزان وصفرو ومؤخراً بولمان.
* التقرير الأخير للبنك الدولي قدم أرقاماً وتوقعات مخيفة عن حصول المغاربة على الماء في المستقبل
حضرنا تقديم البنك الدولي للدراسة التي أشار فيها إلى المغرب، والتي شملت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بالفعل، ظهر من خلال المؤشرات والمعطيات التي اشتغلت عليها المؤسسة أن هذه المناطق أصبحت مهددة بندرة المياه وليس العطش، وذلك نتيجة للتقلبات المناخية التي أصبحت تعرفها عدد من الدول، والمغرب من بينها.
نحن لا ننتظر صدور تقرير عن البنك الدولي لينبهنا إلى خطورة تأثير التقلبات المناخية، هذه المخاطر لمسناها على أرض الواقع، وذلك من خلال الدراسات التي قمنا بها، ومن بين ما وقفنا عنده، أن السنة الجارية سجلت 48 في المائة من العجز بالسنة للتساقطات المطرية. يعني أن التقلبات المناخية أصبحت معطى يفرض ذاته.
ما يطرحه البنك الدولي هو توقعات فقط، ودائما ما يرفق خلاصاته بعبارة "قد يكون هناك..."، يعني ما يقدمه فرضيات يمكن أن تقع بعد 10 أو 20 سنة، كما يشير دائما إلى إمكانية تحققها إذا لم تكن هنالك إجراءات مصاحبة لمواجهة هذا الخطر، في هذا الصدد، نحن لسن في موضع المتفرج الذي يتابع الخطر وهو يقترب دون أن يتحرك.
*أين تتجلى الإجراءات العملية لمواجهة ندرة المياه مستقبلاً؟
نستعد لهذه التوقعات بالعمل على مواجهة شبح العطش. مثلاً، في وقت سابق، كان المغرب يعتمد فقط على السدود للتزود بالماء الصالح للشرب، عبر 140 سداً كبيراً و14 سدا في طور الإنجاز، لكن لاحظنا أن نسبة الملء فيها بدأت تنحصر، بل وصلت إلى مستوى متدن جداً في ظل ضعف التساقطات، وأصبحنا مطالبين بإيجاد حلول سريعة، من بينها استغلال مياه الأمطار التي تصب في البحر دون تخزينها.
وهنا أود أن أشير إلى اجراء مهم لا بديل للمغرب عنه في المستقبل لضمان أمنه المائي، وهو تحلية مياه البحر، إذ سنكون مطالبين بل مجبرين على إعادة هندسة نمط التزويد عبر هذا المصدر. يعني بعد العام 2030 يجب أن تتوفر مناطق الساحل كلها في المغرب بدون استثناء، على أقطاب محطات تحلية المياه.
بدأنا بالجنوب في مدن العيون وطرفاية والداخلة وأكادير، لكن هذا غير كاف، بل يجب إنشاء محطات جديدة، ونحن الآن بصدد إنشاء واحدة في مدينة الدار البيضاء، والمنتظر تشييد أخرى في كل من آسفي والحسيمة وطنجة، يجب أن ينهج المغرب سياسة إسبانيا في هذا الجانب، حيث تتوفر الجارة الشمالية على أقطاب للتحلية على طول مدنها الساحلية.
إذا ما تم ضمان تزويد مدن الساحل بالماء الصالح للشرب عبر تحلية مياه البحر، سوف نوجه الموارد المائية السطحية إلى مناطق الداخل. وبدأنا نشتغل مع عدد من الشركاء من أجل تنزيل هذه الرؤية. نعمل اليوم على مراجعة المخطط الوطني للماء، والذي يتطلب تمويلا كبيراً وهذا هو قطب الرحى، لأننا نبحث عن شركاء في القطاع الخاص.
*هل طرقت أبواب القطاع الخاص بهذا الصدد. وهل كان هناك تجاوب؟
لم نطرق أبوابهم، بل هم من اختاروا الاستثمار في هذا القطاع. يجب أن نعرف بأن القطاع أصبح محفزاً للاستثمار الخاص، وما شجع على ذلك هو الانفتاح الذي جاءت به الترسانة القانونية، ومن بين مضامينها قانون التعاقد والشراكة ما بين القطاعين العام والخاص، تحرير إنتاج الطاقة الكهرمائية، وهذه العوامل استقطبت عددا من المستثمرين لبناء السدود ومحطات التحلية ونقل المياه من مناطق إلى أخرى.
*في سياق الحلول البديلة للتزود بالماء الصالح للشرب. هناك حديث عن المخطط الوطني لإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة والحكومة الحالية وعدت بإنجاز 28 مركزاً خلال ولايتها. ألا ترين أن المغرب تأخر كثيراً في هذا المشروع؟.
أقر أن المغرب سجل تأخراً مهولاً في استغلال المياه العادمة، وإذا كانت بعض الدول الآن تعالج هذه المياه بل تستهلكها. إذا زرت مدينة كاليفورنيا أو دولة سنغافورة سوف تصادف قنينات ماء معبأة كتب عليها إن مصدرها مياه عادمة معالجة.
في المغرب، نطمح فقط إلى إعادة تثمين هذا المورد المائي، وتوجهيه إلى استعمالات أخرى. للأسف، استثمر المغرب الكثير في محطات معالجة هذه المياه، وهناك موارد مهمة لها، بعدما وصلنا إلى نسبة 74 في المائة من الربط بشبكة تطهير السائل في المجال الحضري، ولكن المقاربة الأولى لتدبير هذا المورد كانت خاطئة، بسبب خيار معالجة المياه العادمة ثم تسريبها إلى الطبيعة دون الاستفادة منها.
نعمل اليوم على القطع مع مقاربة المعالجة دون استغلال، ونشتغل مع مصالح وزارة الداخلية وشركاء آخرين، حتى نقوم بإدماج إعادة الاستغلال في المخطط الوطني للتطهير السائل. عندك محطة معاجلة، يجب أن تحتوي بالضرورة على منشأة خاصة بإعادة الاستعمال.
قبل قدومكم لإجراء الحوار، تلقيت اتصالا من شخص يبلغ عن استعمال الماء الصالح للشرب في سقي مساحة واسعة من العشب. وطرحت هذه الواقعة للقول، إن لا سلطة لنا في توقيف مثل هذه السلوكات، دورنا ايجاد البديل والتشجيع على استعماله، ومن بين البدائل المياه العادمة. استغلال هذه الأخيرة في السقي، يجب أن يرفق بإجراءات زجرية، أي إقرار غرامات على من له إمكانية اعتمادها في السقي لكن يستعمل الماء الصالح للشرب.
وأمام هذا الوضع، لا يمكن أن نغلف وجود مشاريع مهمة في مجال استغلال المياه العادمة، تم اطلاقها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، من بينها، سقي ملاعب الغولف الملكي دار السلام بالمياه المعالجة، و كذا غولف الباهية في مدينة بوزنيقة، والشريط الساحلي ما بين تطوان طنجة وصولا إلى الفنيدق، ومشروع آخر في زاكورة. وأعلن أنه كل من يريد الدخول في مشروع للسقي بالمياه المعالجة، مستعدون للدخول معه في شراكة، بل المساهمة معه في التمويل بأكثر من 60 في المائة من كلفة المعالجة التكميلية.
للأسف لا نستفيد من هذا الرصيد، اليوم هناك 500 مليون متر مكعب من المياه تعالج وتقذف في الطبيعة، ونطمح إلى إعادة 300 متر مكعب منها. ما يعانيه هذا القطاع هو نوع من الممانعة، وخوف الفلاحين الذين يفضلون سقي أراضيهم بمياه الآبار عوض المياه المعالجة.
*هل تتوفرون على أرقام دقيقة ومعطيات تشير إلى عدم استغلال هذا المورد بعدد من المناطق؟
ما نستغله من المياه العادمة بعد المعالجة نقدر فقط بما بين 9 إلى 10 في المائة من الرصيد الذي يعالج، في الوقت الذي نتوفر على كميات مهمة تضيع. هناك إمكانيات في عدد من المناطق لا يتم استغلالها، مع أن الكلفة تكون منخفضة وهناك دعم. هنا، أود أن أقدم نموذجاً مهما اعتمده غولف منطقة النخيل بمراكش، والذي دخل في شراكة مع الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالمدينة، وتم الاستثمار في البنية التحتية الخاصة بالمياه القادمة من قنوات الصرف الصحي، وذلك قصد سقي جزء كبير من ملاعبه، كانت كلفة الاستثمار تشاركية: درهمان ونصف للمتر مكعب تساهم بها ملاعب الغولف لتأدية الفاتورة، ونفس التجربة بدأت في مدينة أكادير. أمام كل هذا، أشدد أن ما هو قائم أقل بكثير مما يمكن تحقيقه على أرض الواقع، ولو استثمرنا في هذا القطاع سوف نضمن الماء لملايين المغاربة اليوم ومستقبلاً.
*وأنت تتحدثين عن مشاريع الماء في المغرب والاستثمارات والبرامج أستحضر المشاهد المستمرة لنساء وفتيات يقطعن عشرات الكيلومترات بمنطق المغرب العميق لجلب الماء. هذا واقع عاينته وموجود إلى اليوم، كيف يمكن القطع معه؟
الصورة التي قدمتها سوداء إلى حد ما. هناك جهود بذلت لتعميم التزويد بالماء الصالح للشرب. خلال العام 1995 كان هناك 14 في المائة فقط من الساكنة القروية تتوفر على تزويد بالماء الصالح للشرب، لكن الآن الإحصاءات الرسمية، وإن كان هناك من يشكك فيها، تقول إن نسبة الربط تقدر بـ96 في المائة، مع اختلالات طبعاً في بعض المناطق. هذه المعطيات تؤكد أن هناك تقدما، وأثرا إيجابيا على العيش اليومي للمواطنين، خاصة الفتيات اللواتي كن يغادرن المدرسة في سن مبكرة، ويقطعن كيلومترات لجلب الماء الصالح للشرب.
ما يقع الآن، هو أن بعض المناطق القروية العميقة، فيها خصاص في التزود بالماء الصالح للشرب، أي أن ما ذكرته لا يمكن إنكاره، لكن مناطق مثل أزيلال وإملشيل، وكذا بعض القرى النائية في شفشاون وترودانت، رغم أنها تعتبر شلال مياه، إلا أنه بحكم صعوبة تضاريسها يصعب إلى حد ما تنفيذ مشاريع التزود بالمياه فيها، لكن هذا ليس مبرراً، لأنه من واجبنا إيجاد حل لهم. وأود أن أوضح أن عملية جلب قنوات التزويد من السفح وصولا إلى قمم الجبال التي يفوق علوها 1500 متر صعبة، وكلفتها كبيرة في ما يخص الضخ وإعادة الإصلاح، لأنه العوامل المناخية والتضاريسية تفرض مراقبتها وترميمها أكثر من ثلاث مرات في الشهر.
*لماذا لا تفكرون في إيجاد حلول محلية؟ أي عوض جلب المياه من السفوح، تخزينها ومعالجتها بقرى قمم الجبال لتكون الكلفة أقل وضمان التزويد مستمر
أحيانا تجد في عدد من المناطق صعوبات في تخزين المياه، أولا بسبب برودة الطقس، حيث تتجمد المياه أو تنزل كثلوج، وفي مناطق أخرى هناك مشكل التربة، والتي لا تكون نافذة لتخزين المياه داخل الآبار. وأعيد ما أطرحه ليست مبررات للتملص من مسؤولية توفير مياه الشرب لساكنة هذه المناطق، يجب التفكير دائما في حلول بديلة، والعمل على تفعيلها. مثلا في أزيلال ناقشنا مع الساكنة وبحثنا معها عن حلول، واليوم هناك برنامج لتزويد 39 جماعة عبر البحث عن بئر وضخ مياهه لتكون مصدراً للشرب. المواطن اليوم ينتظر من المسؤول حلولا عملية لواقعه، لا يهمه كيف، لأن الأساسي عنده هو توفره على ماء الشرب.
*ننتقل إلى واقع سدود المغرب، والتي أصبح عدد منها يعاني من تكدس الوحل، خاصة في المناطق الشرقية. ما هي خطتكم لمعالجة ظاهرة تحد من استغلال المياه المخزنة؟ وهل أخطأنا في انشاء سدود في مناطق تنحصر فيها التساقطات المطرية؟
إنشاء أي سد، يساهم بالتأكيد في ضمان الأمن المائي للمغاربة، بل يجب تقوية سياسة السدود هذه بإنشاء أخرى، لأن كميات كبيرة من المياه لازالت تجد طريقها إلى البحر دون أن نستفيد منها.
ما تعرفه عدد من السدود اليوم، راجع إلى انحصار التساقطات المطرية في السنوات الأخيرة، ولكن عندما تأتي حمولات طوفانية، فهذه السدود تحمي مناطق واسعة من الفيضانات، ونسجل أحيانا في مناطق تكون جافة لفترة طويلة حمولة استثنائية تفوق 3000 متر مكعب في السنة. بالإضافة إلى أن عددا من السدود توفر مخزونا مائياً مهما لثلاث أو أربع سنوات وإن كانت في مناطق شبه جافة، بسبب مخزون المياه الذي يسجل خلال التساقطات المطرية الاستثنائية.
خلال الفيضانات التي سجلتها مناطق الجنوب عام 2014، مكنت سدود المنطقة من ضمان مخزون مائي مهم، هو الذي وفر الأمن المائي خلال السنتين الأخيرتين بعد ما انحصرت التساقطات المطرية بشكل كبير، ولو لم تكن هذه السدود أؤكد لكم أننا كنا سنرسل مياه الشرب إلى مدينة أكادير عبر الباخرة من الدار البيضاء أو الجرف الأصفر، وقبل تلك التساقطات المطرية المهمة والاستثنائية، بدأنا في التجهيز لخطر شح مياه الشرب بالمدينة ونواحيها. دور السدود مهم مهما كانت نسب ملئها والفترات التي تسفيد منها من التساقطات المطرية، لم تعد لوحدها كافية كما أوضحنا سابقاً.
أما في ما يخص مشكل "الغيس"، فهذه ظاهرة تعاني منها مجموعة من السدود، ولكن تختلف من منطقة إلى منطقة، وسدود الجهة الشرقية والريف هي أكثر المناطق التي تعاني من نسبة توحل كبيرة، وذلك راجع إلى طبيعة التربة غيرالمستقرة مع ضعف انتشار الغطاء النباتي ما يسهل عملية انجراف التربة. في هذا الصدد، نشتغل اليوم مع مصالح المندوبية السامية للمياه والغابات لتهيئة الأحواض، كما نشتغل على سد محمد بن عبد الكريم الخطابي في الريف لإفراغه من الوحل، للرفع من مستوياته التخزينية. لكن، ما نقوم به محدود، ولا يمكن أن أعد بأننا قادرون على معالجة هذا المشكل بنسبة 100 في المائة، نستطيع التخفيف من الظاهرة فقط.
*في ما يتعلق بالمياه التي تأتي من السدود أو من مصدرها نلحظ أنه على ضفافها تتعرض للتلوث إما بسبب سلوك الساكنة التي تملأها بمخلفات مواد التنظيف أو ما ينتج عن أنشطة فلاحية وصناعية. أنتم واعون بهذا الخطر وهل هناك تحركات للحد منه؟
هناك شرطة للمياه تقوم بتتبع ورصد عدد من المخالفات. هناك من يقوم بقذف المياه العادمة، وهي مشكل، كذلك "المرجان" (مخلفات زيت الزيتون)، وهذا الأخير كارثة بيئة خطيرة جداً، أحيانا مخزون المياه في السدود يصبح مثل سواد الطاولة التي أمامنا، وكل ما كانت محاصيل الزيتون جيدة في المغرب، يرتفع خطر تلويث المياه بمخلفات عصرها.
في هذا السياق، قمنا بعدد من الإجراءات والمبادرات، وصلت حد منحهم الإمكانيات المادية ومساعدتهم تقنيا على التخلص من "المرجان" عبر إنشاء محطات للتبخر، لكن الوضع مستمر دون نتائج، وهنا نعود لخيار ضرورة إقرار غرامات مالية للحد من هذا الخطر، لا نريد نهج هذه الطريقة، لكن يبدو أننا سوف نتجه إليها في المستقبل.
وما لا يعرفه الذين يرمون مخلفات زيت الزيتون في مياه الوديان ومنابع المياه، أنه في بعض الأحيان، نضيع كميات ضخمة، لأنه لا يمكن أبداً معالجة هذه المياه وضخها للمواطنين من أجل الشرب، لأن قدرة محطات المعالجة تتوقف، وهنا نضطر لانتظار جولة أخرى من المياه كي يقل مستوى التلوث إلى درجة كبيرة، ثم نقوم بمعالجة مكلفة.
المشكل في غياب الوعي. وهنا سوف أسوق لك مثالا صادماً. رئيس جماعة دون ذكر اسمه، كان يوجه الساكنة لحمل مخلفاتها من الأزبال ورميها بسد "الوحدة"، تخيل. قمنا بتنبيهه أكثر من مرة دون أن يستجيب، ومن حسن الحظ أن عامل المنطقة تدخل شخصياً بعد التنسيق معه، وأجبر رئيس الجماعة على توقيف هذا السلوك.
*ماذا عن جودة المياه التي تحملها الصنابير بالمدن إلى الساكنة. يطرح المواطنون دائما أسئلة عن جودتها خاصة وأن عدد من الأحياء تحس بتغير طعمها، ولونها أحيانا؟
دائما أشدد على أن طعم الماء وجودته "ما فيهمش اللعب" ولا يوجد تساهل ولو بسيط بخصوص هذا الجانب. يمكن أن نتهاون في وتيرة انجاز المشاريع أو مد قنوات الربط ولكن صحة المواطن خط أحمر. وأؤكد أن الماء الذي يتم توزيعه عبر قنوات الربط مراقب من المصادر وصولاً إلى الصنابير، ولا يمكن أن نسمح بوصول مياه فيها نسبة من أي مادة شكل خطراً على صحة المواطنين، لا يمكن أن يحتوي على بكتيريات ولا فيروس ولا نترات ولا مواد سامة... هذه المراقبة دورية.
للفهم، ما يحدث في بعض الأحيان، هو أن البنايات القديمة قنواتها تكون متهالكة ، ويجب أن يعاد تأهيلها وإصلاحها، وهنا المسؤولية تقع على عاتق من يقطن هذه البنايات.
أٌقسم وبصدق، شرفات أفيلال "ما كتدخلش الماء المعدني لدارها"، أشرب من مياه الصنبور، لأنه عندي الثقة أنها مراقبة وصحية، وتخضع كما قلت لمراقبة صارمة، تليها أخرى مضادة تقوم بها وزارة الصحة.
*ألا تفكرون في سياق حديثك الدائم عن الموارد المائية البديلة واستغلالها، في الاستفادة من التساقطات المطرية بالمدن والتي تذهب مع قنوات الصرف الصحي؟
أتفق مع ما طرحته، لكن اليوم يصعب بناء منشآت كبيرة لتجميع مياه التساقطات المطرية في المدن، لكن يجب التفكير في هذا المورد، وكيف يمكن الاستفادة من نمط تعمير مغاير لخلق شبكة خاصة بمياه الأمطار كي لا تختلط بمياه الصرف الصحي وتضيع.
مثلا في ألمانيا، مياه الأمطار التي تتساقط فوق السطوح تخزن ويستفاد منها لسقي المساحات الخضراء أو الاستعمال داخل المراحيض. هذا الخيار ممكن، لكنه دور المشرفين على التعمير للتفكير في آليات تمكن من ذلك، ونحن مستعدون لدعمهم تقنياً. ومثل هذه التجارب في استغلال مياه الأمطار، هناك مبادرات لها في عدد من المناطق الجبلية.
*أين وصلت مشاريع قطاع الماء في منطقة الريف؟
بالنسبة للمنطقة الحمد لله لم نسجل تأخيراً كبيراً في انجاز الأوراش التي دشنت في السابق، أعتقد أن هناك مشاريع تأخرت لشهر أو شهرين فقط، خاصة المرتبطة بالحماية من آثار الفيضانات، وقمت بالوقوف عليها شخصياً، الآن جميع الصفقات فعلت، ونصف ما التزمنا به أنجز والنصف الآخر في طور الإنجاز، واليوم أتوصل أسبوعياً بتقارير تهم سير المشاريع التي تهم المنطقة.
كما أن المنطقة مقبلة على إنشاء سد على "واد غيس" بحقينة تبلغ 120 مليون متر مكعب، سوف يؤمن تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب، وقد عرف بعض المشاكل المرتبطة بنزع الملكية، ولكن بتنسيق مع عامل المنطقة تم تجازها، والمشروع في طور الإنجاز بوتيرة عالية.