في هذا الحوار يتحدث البروفيسور عز الدين إبراهيمي، أستاذ البيوتكنولوجيا الحيوية والجزئية بجامعة محمد الخامس بالرباط ومدير مختبر التكنولوجيا الحيوية بكلية الطب والصيدلة بالرباط، عن الجهود العلمية التي يقودها رفقة فريقه بشأن فيروس "كورونا" المستجد.
إبراهيمي حصل على الإجازة من جامعة محمد الخامس في شعبة الميكروبيولوجيا ثم اتجه صوب فرنسا لاستكمال دراسته بجامعة نيس، التي خاض فيها مسارا علميا ناجحا توج بحصوله على شهادة الدكتوراة سنة 1992 في البيولوجيا الجزئية وعمره لم يتجاوز إذاك 26 سنة.
بعد ذلك انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث قضى فيها أكثر من عشر سنوات باحثا ثم أستاذا جامعيا بجامعة ستوني بروك بولاية نيويورك، وهي أحدى أهم الجامعات الأمريكية.
و بعد رجوعه إلى المغرب والتحاقه بكلية والطب والصيدلة يالرباط، أنشأ سنة 2014 المختبر الأول من نوعه في المغرب للبيوتكنولوجيا الطبية، الذي يضم عدة فرق للبحت. كما أنشأ مركزا للبحث على مستوى جامعة محمد الخامس يضم 8 فرق للبحث و أكثر من 100 باحث و أكثر من 150 طالبا باحثا.
كما أخرج للوجود عدة مسالك جامعية على مستوى الإجازة و الماستر حيث ينسق حاليا ماستر للبيوتكنولجيا وآخر للمعلوماتية الحيوية وإجازة باللغة الإنجليزية في البيوتكنولوجيا والتي تعتبر أول مبادرة وطنية من هذا القبيل.
بداية كيف تقدم مختبركم لقراء "تيلكيل عربي"؟
المختبر يشتغل منذ سنين من أجل إدخال الأدوات الطبية الجديدة للمغرب، كما يعمل على استخدام الذكاء الصناعي في مجال الصحة.
وقد تمكنا منذ سنين من قراءة "الجينومات" الكاملة لبعض البكتيريا وبعض الفيروسات، ونشر ذلك في مجلات علمية متخصصة، كما قمنا بعدد من الأبحاث التي تهم إخراج إرشادات جديدة بالنسبة لعدد من الأدوية المتداولة وإعادة استعمالها في علاج عدد من الأمراض.
حدثنا عن الفريق الذي يشتغل معكم؟
في الحقيقة، نتوفر على فريقين؛ أحدهما يشتغل في مختبر البيوتكنولوجيا الحيوية بكلية الطب والصيدلة بالرباط، ويضم عددا من الأساتذة الباحثين في تخصصات متعددة تهم الطب والجراحة والعلوم الدقيقة، كما خلقنا مركزا بالجامعة يضم حوالي 100 شخص من الأساتذة والطلبة الباحثين في تخصصات مختلفة نظرا لأن الطب يتطلب الجمع بين تخصصات مختلفة.
ما الذي تقومون به لمواجهة فيروس "كورونا" المستجد؟
لقد قمنا أولا اعتمادا على تقنية الاصطناعي بدراسة مدى إمكانية استعمال بعض الأدوية المتداولة في السوق المغربية لمواجهة هذا الفيروس، حيث قمنا بترشيح عشرة أدوية، يمكن أن تستعمل كعلاج لفيروس "كورونا"، وهو ما يوفر الوقت والجهد. إذ أن عملية اكتشاف وإيجاد دواء جديد يتطلب وقتا أطول في الوقت الذي يتزايد عدد الإصابات بالفيروس، لكن هذا العمل مازال في بدايته ومبني على محاكاة بواسطة الحاسوب ويحتاج لتجارب سريرية.
وهل ستتوجهون فعلا نحو القيام بالتجارب السريرية؟
لنكن واضحين، في المغرب هناك مشكلتان تواجهان التجارب السريرية؛ أولاها قانونية، إذ أننا لا نتوفر على تأطير قانوني لهذا الأمر.
أما المشكلة الثانية، فتكمن في أن التجارب السريرية مكلفة جدا، ولا تملك القدرة على القيام بها إلا شركات قليلة، لذلك فالمهم بالنسبة إلينا هو أن نضع المغرب في صورة البحث العلمي، وهذا شيء مهم، ليس على المدى القصير فقط، ولكن على المدى المتوسط والبعيد كي يعترف بالمغرب كبلد للبحث العلمي.
كما نسعى إلى أن تتمكن شركات مغربية أو دولية من استغلال هذه الأبحاث.
من جهة أخرى، نقوم بقراءة حوالي 3 آلاف "جينوم" من "جينومات" فيروس "كورونا" المستجد على مستوى العالم، ونقوم بمقارنة خصائصه مع باقي الفيروسات الأخرى من عائلة "كورونا"، كما نقوم بمعرفة ما إذا كان الفيروس قد طرأ عليه أي تطور.
كما نقوم بدراسة مدى إمكانية تشخيص فيروس "كورونا" المستجد اعتمادا على الإيكوغرافيا (التصوير بالصدى)، نظرا لأنها معممة في المغرب، ويمكن أن تساعدنا على إجراء أكبر عدد من الفحوصات، كما نعمل على إعداد موقع على الإنترنت يقيم درجة احتمال الإصابة بفيروس "كورونا" من خلال الإجابة على عدد من الأسئلة.
وستقوم خوارزميات الحاسوب بتقييم وضع الشخص المعني وتقدم له النصيحة المناسبة، بناء على أجوبته، إذ يمكن أن تؤكد له عدم إصابته بالفيروس، أو تنصحه بزيارة الطبيب.
وتأتي أهمية هذا الموقع في كونه سيخفف من الضغط على المؤسسات الصحية، بحيث يتوجه للمستشفيات فقط الأشخاص الذين تحتمل إصابتهم.
هل قمتم بدراسة "جينوم" الفيروس الذي دخل للمغرب؟
لسوء الحظ، لم نحصل بعد على عينات المصابين بفيروس "كورونا" المستجد في المغرب، ونتمنى أن نحصل عليها قريبا من أجل مقارنة خاصية الفيروس الذي دخل المغرب مع الفيروس المنتشر في أنحاء دول العالم، حتى نعرف ما إذا كان هناك اختلاف أم لا، ونعرف كذلك الأدوية التي يمكننا ترشيحها للاستعمال، علما أننا نتوفر على الأدوات اللازمة للقيام بهذا الأمر، وأعتقد أن هذا الأمر سنقوم به قريبا.
ما هي الخلاصات التي خرجتم بها من خلال تتبع "جينوم" فيروس "كورونا" المستجد؟
يتضح أن هذا الفيروس لا يتغير كثيرا، علما أننا تتبعنا تطور الفيروس من خلال بنك معلومات على الصعيد العالمي، كما نعمل على التأكد ما إذا كان هذا الفيروس يتحمل الحرارة أم لا، وهل هو موسمي كباقي الفيروسات الموسمية.
وهل فرض تعميم ارتداء الكمامات في الأماكن العامة سيحد من انتشار الفيروس؟
لقد اتضح أن هناك فرقا في انتشار العدوى بين الدول التي فرضت ارتداء الكمامات وبين تلك التي لم تقم بفرضها، وأعتقد أن هذا القرار الذي اتخذه المغرب قرار صائب كباقي القرارات التي اتخذها لصالح المواطن المغربي.
وفي الحقيقة، فإن الكمامات لا تحمي من يرتديها وإنما تحمي من يقابله، ومن تم فإذا قمنا جميعا بحماية الآخر فإننا نحمي أنفسنا.
ما المطلوب من المغاربة حتى يتم تفادي تفشي الفيروس؟
أعتقد أن الدولة قامت بإجراءات استباقية للحد من انتشار الفيروس من قبيل إغلاق الحدود، وفرض الحجر الصحي، وتعميم ارتداء الكمامات، ولذلك فوفاة أي مغربي بهذا الفيروس هو خسارة لنا، خاصة أننا يمكن أن نتفادى ذلك بالحجر الصحي.
إن الالتزام بالحجر الصحي يمكننا من تفادي الوفيات كما يمكننا من ربح الوقت، لأننا كلما تجنبنا ارتفاع عدد المصابين كلما تمكنا من الاستفادة من تجارب باقي الدول والاستفادة كذلك من التقنيات الجديدة لمواجهة الفيروس.
ندائي الخالص للمغاربة، التزموا بالحجر الصحي من أجل أنفسكم وعائلاتكم ووطنكم.
ما الذي ينقص البحث العلمي في المجال الصحي بالمغرب؟
هناك مسألة بسيطة نطالب بها، وهي الاستعداد لمواجهة الأزمات بتحقيق الاكتفاء الذاتي في جميع الميادين.
على المغرب أن يطور البحث العلمي ويضعه على رأس أولوياته، لأنه ربما من حسن الحظ أننا لا نواجه هذه الجائحة لوحدنا، العالم يفكر معنا أيضا، لكن، لا قدر الله، إذا تعرضنا لأزمة محلية فسنكون لوحدنا.
كما أتمنى أن يتم تحفيز الطلبة الباحثين، وتخصيص موارد مالية مهمة للبحث العلمي، وأن ترصد له موارد خاصة ومستقلة عن باقي القطاعات.