الإعدام والمؤبد للمتهمين بقتل البرلماني مرداس.. التفاصيل الأكثر إثارة في جريمة السنة

تيل كيل عربي

طوت الهيأة الثالثة للجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، خلال الليلة الفاصلة بين أمس (الاثنين) واليوم (الثلاثاء)، الفصل الابتدائي من محاكمة المتهمين بقتل عبد اللطيف مرداس، برلماني الاتحاد الدستوري وعضو مكتبه السياسي، بإدانتهم بأحكام تراوحت بين الإعدام والمؤبد ونصف قرن من السجن النافذ. الحكم يأتي بعد مرور تسعة أشهر على الجريمة، التي فكك المكتب المركزي للأبحاث القضائية ألغازها بالاستعانة بوصفة تدمج بين التقنية التكنولوجية وأساليب الاستعلام التقليدية.

صدر الحكم ليلة أمس بالقاعة رقم 7، التي احتضنت جلسات المحاكمة التي انطلقت في منتصف أكتوبر الماضي، وفيه مؤاخذة وفاء بنصامدي، زوجة الضحية بالمنسوب إليها، والحكم عليها بالسجن المؤبد، في حين نال القناص هشام مشتراي، المستشار الجماعي بمقاطعة سباتة في الدار البيضاء والموصوف بأنه عشيق الزوجة، بالإعدام، بينما وزعت 50 سنة على حمزة مقبول، ابن شقيقة المشتراي وسائق سيارة تنفيذ الجريمة، ورقية شهبون، العرافة صديقة العشيقين والوسيطة بينهما، بأن نال الفتى 30 سنة نافذة، و20 سنة للعرافة.

وأربك سماع أحكام الإدانة، التي اعتمدت فيها أعلى ظروف التشديد سيما بالنسبة إلى المتهم الرئيسي وزوجة الضحية، المتهمين الأربعة، وبدا من ردود فعلهم أنهم لم يتوقعوها، إذ نقل موقع "الأول"، عن وفاء بنصامدي، زوجة البرلماني، ترديدها "أنا اللي يتمت ولادي..."، في حين علت وجه هشام المشتراي ملامح دهشة جعلته لا هو بحزين ولا هو بمبتسم، وفيما ظل الشاب حمزة مقبول، مشدوها، إذ لم يتوقع الحكم عليه بـ30 سنة هو الذي أقر بكل التفاصيل التي حاول باقي المتهمين إنكارها، لم تستوعب العرافة بسرعة مضمون الحكم الصادر في حقها، بأن ظلت تردد "بشحال حكمو عليا؟".

ونال المتهمون تلك الأحكام بعد إدانتهم من أجل "تكوين عصابة إجرامية والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد"، و"محو آثار الجريمة قبل القيام بالعمليات الأولية للبحث القضائي بنية عرقلة سير العدالة"، علاوة على "تهريب مجرم من الاعتقال والبحث ومساعدته على الاختفاء والهروب"، مع "حيازة وحمل سلاح ظاهر بدون رخصة والاحتفاظ به خرقا للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل".

كيف وصل "بسيج" إلى المتهمين؟

المدانون الأربعة، تم الوصول إليهم وتقديمهم إلى العدالة، من قبل المكتب المركزي للأبحاث القضائية، وفق ما تكشفه وثيقة مسطرة الإحالة التي أنجزها عبد الحق الخيام، مدير المكتب، إلى الحسن مطار، الوكيل العام السابق لاستئنافية الدار البيضاء، باستعمال تقنيات تكنولوجية، بينها تحليل البيانات المتعلقة بآلاف الهواتف التي مرت في دائرة التغطية الهاتفية للاقط الشبكة التابعة لمختلف شركات الاتصالات بالمنطقة التي حدثت فيها الجريمة، وجرد كافة السيارات المخصصة للكراء بالبيضاء، التي تتطابق أوصافها مع التي استعملت في التنفيذ.

وبالنسبة إلى الهاتف، فبتعاون مع شركات الاتصالات، تم الحصول على بيانات جميع الأرقام الهاتفية التي جرت بينها مكالمات قبيل وبعد وقوع الجريمة بدائرة التغطية الهاتفية التي يدخلها ضمنها محيط منزل البرلماني المقتول، ما مكن من فرز رقمين هاتفيين، واحد يعود إلى زوجة البرلماني، والثاني إلى هشام المشتراي، وجمعت بينهما 98 مكالمة هاتفية، بدت مضامينها للأمنيين مثيرة للشكوك، سيما أن الشخصين متزوجين، أي "محصنان" بتعبير القانون.

ولم يخف تقرير مسطرة تقديم المتهمين، أنه خلال يوم تنفيذ الجريمة، تمت بين زوجة البرلماني وخليلها، مكالمات بين الرابعة عصرا، والتاسعة و44 دقيقة مساء، آخرها بعد مرور 11 دقيقة على تنفيذ الجريمة، كما كانت بينها واحدة، بمثابة "الطعم" الذي استعمل لاستقدام البرلماني إلى مسرح الجريمة، وجرت من هاتف الزوجة نحو هاتف ابنتها، وفيها تأمرها بأن تطالب والدها البرلماني بالقدوم إلى البيت، من أجل نقلها رفقة إخوتها لتناول وجبة العشاء.

وبخصوص السيارة، فبعما عاين المحققون تسجيلات "الكاميرا" الخاصة ببيت الضحية، واستيقاء شهادات حراس السيارات بمحيط منزل الضحية، وقع إجماع على أن سيارة من نوع "داصيا" بدون صفائح معدنية، رابضت لساعات أمام منزل الضحية، وغادرت بسرعة جنونية بعد إطلاق النار، فتكلف فريق فرعي بإنجاز تحريات دقيقة للوصول إليها.

وكانت أول خطوة قام بها الفريق الأمني المكلف، دق أبواب الوكيل الحصري لتوزيع وتسويق ذلك النوع من السيارات بالبيضاء، فأرشد الأمن إلى وكالات السيارات التي اقتنتها وتضع رهن إشارة المكترين، لتتم مباشرة أبحاث في سجلات وكالات كراء السيارات، حول من اكترى سيارات بمواصفات السيارة المستعملة في الجريمة، خلال يوم وقوع الجريمة، فتبين أن واحدة اكتراها شخص، سبق أن تم تحديد هويته بصفته صاحب أحد الأرقام الهاتفية المشبوهة التي تم جردها بدائرة التغطية الهاتفية لمسرح الجريمة، وبتتبع مسار السيارة بـ"جي بي إس"، تم العثور عليها بسباتة، وتبين أن مكتريها هو حمزة مقبول، ابن شقيقة هشام المشتراي.

وإذا كان تنقيط مكتري السيارة، قد أبرز انه غادر مطار محمد الخامس نحو تركيا، كشفت الأبحاث أن العلاقة بين وفاء بنصامدي، زوجة البرلماني عبد اللطيف مرداس، و"عشيقها" هشام المشتراي، نائب رئيس مقاطعة سباتة بالبيضاء، بدأت لدى "رقية شهبون"، العرافة التي كانت تستعين بها زوجة البرلماني، وتطورت العلاقة بينهما إلى علاقات جنسية وثقها المستشار بـ"الفيديو"، في الشقة التي كانت تجري فيها مغامراتهما.

وعلى ما يبدو، كان الشكوك تنتاب عبد اللطيف مرداس، النائب البرلماني قيد حياته، من سلوكات زوجته، بسبب غيابها المتكرر عن البيت، ولأنه سبق أن كتب مجموعة من ممتلكاته باسمها، قرر استرجاعها منها، فاقترح عشيقها تصفيته والانفراد لاحقا بأملاكه، ففكر، في تنفيذ العملية عبر تدبير حادثة سير، وأما استحالة ذلك، فكر في قتله بالرصاص في مقهى "اللوفر" بشارع المسيرة في المعاريف، حيث كان يمضي البرلماني كثيرا من الوقت، ولكن لأنه مكان به محلات تجارية ودائم الحركة، تقرر استدراج الضحية، نحو بيته في "فيلات" حي كاليفورنيا.

6 ملايين كشفت الكثير من الحقائق

محاكمة المدانين خلال الأسابيع الماضية، رفعت سرية التحقيق، فكشفت تفاصيل مثيرة، تبدأ من الطريقة التي كانت تتواصل وفاء بنصامدي، زوجة البرلماني المقتول، مع هشام المشتراي، المتهم الرئيسي، وهي تتلقى العزاء من مسؤولين كبار، وتدلي بتصريحات لوسائل الإعلام،علاوة على حكاية مثيرة عن كيفية وخروج مبلغ 60 ألف درهم من الخزنة الحديدية للضحية مرداس، ليجد طريقه (المبلغ) نحو جيب "قاتله".

وفي هذا الشأن أفادت وثائق المحكامة ووقائع الجلسات أنه رغم أن "فيلا" عبد اللطيف مرداس بحي كاليفورنيا ومحيطها، كانت تعرف حركة كثيفة لرجال الشرطة، وتوافد سياسيين ووزراء وشخصيات كبيرة لتقديم العزاء إلى زوجته وفاء بنصامدي، في وفاته رميا بالرصاص، إلا أن علاقتها، التي أفاد التحقيق أنها تربطها، بهشام المشتراي، نائب رئيس مقاطعة سباتة المتهم بقتل الضحية، ليلة 7 مارس الماضي، لم تنقطع.

وحدث ذلك بأن استطاع المدانان ابتدائيا، في الإبقاء على التواصل بينهما بعد وقوع الجريمة، التي شارك في التحقيق فيها أكثر الأجهزة الأمنية بالمغرب كفاءة: المكتب المركزي للأبحاث القضائية، والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، إذ بلغ الأمر، في أحد الأيام، إلى درجة قيام الزوجة، التي كانت ترتدي اللباس الأبيض للحداد، وفق وثائق ملف القضية، بأخذ مبلغ ستة ملايين سنتيم من الخزنة الحديدية لزوجها القتيل، وإرساله إلى المتهم بتنفيذ عملية القتل.

وقامت الزوجة بتلك الخطوة، رغم أن فتح الخزنة الحديدية للضحية، تم ضمن إجراءات التحقيق وجمع الأدلة في مسرح الجريمة ومحيطه، إذ حل المحققون في بيت الضحية، بعد ثلاثة أيام على وقوع الجريمة، وقاموا، بحضور زوجة الضحية، وشقيقه، بفتح "الكوفر-فور"، التي وجدوا فيها 20 مليون سنتيم.

وكشفت معطيات البحث التمهيدي لدى الشرطة القضائية، ومعطيات التحقيق التفصيلي لدى قاضي التحقيق، أن أرملة الضحية سلمت المبلغ إلى صديقتها رقية شهبون، وهي نفسها "الشوافة"، التي كانت وراء تعرف زوجة البرلماني، على المستشار الجماعي، في بداية دجنبر 2016، وخلال الأيام التي تلت تنفيذ الجريمة، لازمت زبونتها وصديقتها خلال كل فترات تلقي العزاء، وكانت على يمينها، ترتدي غطاء رأس أحمر، حتى حينما كانت الأرملة تدلي بتصريحات صحافية، حول ملابسات مقتل زوجها.

وكان ذلك المبلغ موضوع ورطة للمتهمين في كافة مراحل التحقيق، هو الذي أثير لأول مرة على لسان الزوجة، بقولها إن صديقتها العرافة، التي لازمتها بعد الحادث، أخبرتها لما علمت بموضوع فتح الخزنة أن هشام المشتراي يطلب منها مده بــ60 ألف درهم، مصاريف لتمكين ابن شقيقته، حمزة مقبول، الذي حوكم من أجل المشاركة بتنفيذ بأن كان سائق سيارة "داصيا" التي نفذت منها عملية إطلاق الرصاص، من الهروب إلى تركيا، فلم تتردد الزوجة في الاستجابة لطلب خاله المتعلق بالمبلغ المالي.

ولم تنف العرافة، أمام الشرطة القضائية، حقيقة خروج المبلغ من بيت الضحية وتسلمه من قبل المتهم، الذي أخذه منها، ونفحها بـ1000 درهم منه، لكنها حاولت خلال التحقيق التفصيلي أمام قاضي التحقيق، تأكيد رواية أخرى، مفادها أن الزوجة سلمتها المبلغ وطلبت منها إيصاله إلى تاجر مجوهرات.

أما  الزوجة فحاولت إقناع قاضي التحقيق برواية ثانية، مفادها أن المبلغ سلف لهشام المشتراي من أجل تمويل دراسة ابن شقيقته بتركيا، لكن إقرارها بالمبلغ، ومعرفتها أن وجهته هو حمزة مقبول الذي فر إلى تركيا وتعلم أنه شارك في عملية قتل زوجها، كان دليلا ضدها في إضافة جنحة المشاركة في مساعدة مجرم على الفرار إلى التهم الموجهة إليها.

ويبقى المثير في قضية المبلغ المالي، أنه يحتمل أن يكون انتهى في جيب المتهم الرئيسي هشام المشتراي، وليس حمزة مقبول، إذ طيلة مراحل البحث مع حمزة مقبول، الذي قال أمام قاضي التحقيق إنه مصر على قول الحقيقة كلها لإراحة ضميره، تبين أن تمويل سفره إلى تركيا تم بالعائد المالي لهاتفين.

ذلك أنه بعدما اختفى الشاب في منطقة الواليدية، أرسل له خاله هشام المشتراي، 1050 درهما عن طريق إحدى خالاته، ولما علم بأن "خنجر"، شقيق فتاة كانت على علاقة بالضحية عبد اللطيف مرداس، تمت تبرءته في النهاية بعدما كان مشتبها فيه من أجل قتل الضحية، اتصل حمزة بخاله هشام المشتراي، وعبر له عن رغبته في الفرار إلى تركيا.

ولم يتأخر المتهم الرئيسي هشام المشتراي، في تلبية رغبة ابن شقيقته، لكن ليس بمبلغ 60 ألف درهم الذي خرج من خزنة الضحية مرداس، بل اكتفى بأن أرسل له هاتفين ذكيين من نوع "سامسونغ إس6"، واحد أزرق اللون، والثاني ذهبي، وطلب منه بيعهما.

ومكن عائد بيع الهاتفين ابن شقيقة مطلق الرصاص من الحصول على مبلغ 6700 درهم، استثمر 3800 درهم منها في اقتناء تذكرة ذهاب وإياب إلى تركيا عبر شركة الخطوط الجوية "العربية"، فغادر الشاب، المزداد في 1995، مطار محمد الخامس، إلى أن تم اعتقاله، مفيدا أنه طيلة إقامته بتركيا، كان يتلقى اتصالات من العائلة توصيه بتبرئة خاله، لكن والدته أصرت على العكس. ولما سلم حمزة  إلى المغرب، قال لقاضي التحقيق إنه سيقول الحقيقة كلها لإراحة ضميره، هو الذي قال له خاله، أول مرة إن إطلاق الرصاص، هو فقط من أجل إخافة أحد الأشخاص وليس قتل عبد اللطيف مرداس.