لم تتبن حكومة سعد الدين العثماني تدابير، يمكنها أن تخرج قطاع العقار من الركود، الذي غاص فيه منذ سبعة أعوام، بما كان لذلك من تأثير على قدرة الأسر على التوفر على عرض سكني يستجيب لانتظاراتها. ويتجلى أن قطاع العقارات دخل في حالة من الركود، من مسبباته، من جهة، ارتفاع مديونية المنعشين العقاريين، ومن جهة أخرى، تحدي العرض السكني للقدرة الشرائية للأسر، في ظل ارتفاع الأسعار. وفي هذا الحوار نتساءل مع، إدريس الفينا، الاقتصادي المغربي، والخبير في قطاع العقارات، حول حصيلة حكومة سعد الدين العثماني في مجال العقار بعد عامين ونصف من عمرها.
ماهو تقييمكم لوضعية قطاع العقارات بالمغرب، بعد عامين ونصف على تنصيب حكومة سعد الدين العثماني، التي تحتفي بانقضاء نصف ولايتها؟
الظاهر أنه بعد عامين ونصف من عمر هذه الحكومة، لم تبلور استراتيجية خاصة بقطاع العقار، الذي يعاني من ركود ترسخ في الأعوام الأخيرة، وهو ركود يؤشر عليه مستوى القروض البنكية أو استهلاك الإسمنت، الذي تراجع في العم الماضي إلى إلى حوالي 13,3 مليون طن في العام الماضي، بعدما تجاوزت المبيعات 16 مليون طن في 2011. لقد فقدنا حوالي ثلاثة ملايين طن في سبعة أعوام، الشيء الذي سيترجم على مستوى الاستثمار في قطاع البناء والأشغال العمومية بخسارة تصل إلى 510 مليار درهم، ولكم أن تتخيلوا عدد فرص العمل التي لم تحدث أو فقدت بسبب ذلك.
لم تأت وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، برؤية جديدة يمكنها أن تتيح إنعاش قطاع العقارات
ونلاحظ،بعض النظر عن المعطيات الظرفية، إذا نظرنا إلى المؤشرات البنيوية، أن الوضعية مازالت صعبة. وأمام هذا الوضع، لم تأت وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، برؤية جديدة يمكنها أن تتيح إنعاش قطاع العقارات.
غير أن لوحظ أن الوزارة تعلن في كل مرة عن اتجاه النية نحو إعادة إنعاش ذلك القطاع؟
يجب أن نعلم أن وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة، تعاني منذ 2011 من ضعف الحكامة على مستواها، فلا تتوفر على أشخاص يمكنهم إنتاج أفكار كفيلة بإعادة بعث القطاع.
ونحن نرى أن العديد من الفاعلين في القطاع الخاص على مستوى العقار، ينتظرون من الحكومة اتخاذ المبادرة واقتراح ما يمكن أن ينعش القطاع، ولا أعتقد أن الوزارة بإمكانها القيام بذلك كما تجلى في العامين والنصف من عمر هذه الحكومة.
نحن نستمع منذ سنوات لتصريحات حول نية الوزارة في اقتراح خطة لإعادة إنعاش قطاع العقارات
أنتم تتصورون أن هناك ضعف على مستوى حكامة قطاع العقار والسكن بالمغرب، كيف ذلك؟
كان هذا القطاع يأتي بمقترحات للدولة، التي تتبناها، غير أن القطاع لم يأت برؤية جديدة في مجال التحفيزات أو مقترحات من أجل إنعاش صنف ما من السكن أو استراتيجية معينة كي تتم المصادقة، وهذا نوع من الضعف يعاني منه المشرفون على القطاع، هذا ما يدفعني إلى التأكيد على أن المشكل الرئيسي يكمن على مستوى حكامة القطاع.
وماذا عن المنعشين العقاريين الخواص؟
المنعشون العقاريون يوجدون في حالة انتظارية، ونحن اليوم لا نتوفر على رؤية واضحة، حول ما يجب أن يكون عليه قطاع العقار، وهو مؤشر ضعف الإشراف، الذي يتجلى في وزارة الإسكان والتعمير وسياسة المدينة.
لكن الوزارة تعبر عن توجهها نحو طرح رؤية جديدة لإنعاش القطاع وتوفير السكن لمختلف الفئات..
نحن نستمع منذ سنوات لتصريحات حول نية الوزارة في اقتراح خطة لإعادة إنعاش قطاع العقارات. هذا خطاب ردده الوزير السابق الوصي على القطاع في حكومة عبد الإله بنكيران، نبيل بنعبد الله، وهو نفس الخطاب الذي نسمعه اليوم، بينما لم تنجز حكومة سعد الدين العثماني أي شيء لإخراج قطاع العقارات الذي غاص فيه مع حكومة عبد الإله بنكيران.
كيف تنظرون إلى الدعوات الرامية إلى إعادة النظر في التحفيزات التي يستفيد منها القطاع؟
يعاني القطاع اليوم من ضغط جبائي كبير، وإذا أمعنا في ذلك، لن تقوم لقطاع العقارات قائمة، ما يعني أنه يجب إعادة النظر في الضغط الضريبي.
هل يعني ذاك إعادة العمل بالتحفيزات التي يستفيد منها اليوم؟
لا أعني مواصلة العمل بالتحفيزات التي منحت له في الأعوام الأخيرة، بل يفترض تصور تحفيزات جديدة غير متوفرة للقطاع اليوم، مع التخلي عن ضرائب فرضت في الأعوام الأخيرة، ما ساهم في الوضعية الحالية التي يعاني منها قطاع العقارات، الذي يصل الضغط الجبائي فيه إلى 37 في المائة.
أعتبر أنه يجب أن تستند التدابير على رؤية اقتصادية عميقة، بدل السقوط في الاستسهال والهواية
ما رأيكم في مقترح وزير الاقتصاد والمالية، محمد بنشعبون، الذي يميل لمنح مخصصات مالية مباشرة عوض التحفيزات الجبائية ؟
هذا المنظور ليس اقتصاديا، لأن مسألة الإعانات غير معمول بها عالميا، وأتصور أنها ستكون كارثية.
ألا يمكن أن تعطى تلك المخصصات على أساس دفتر تحملات يلتزم به المنعشون العقاريون؟
هذا كلام غير مقبول، ولن تؤيده المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لأن ما جرى الحديث عنه سبق للمغرب أن عمل به، ولا يمكن أن يعود إليه اليوم.
ماذا عن الضريبة على الثروة النائمة، والتي يقصد بها، بشكل خاص، العقارات؟
الأبناك تدفع المقاولات إلى شراء العقارات من أجل توفيرها كرهونات حقيقية كي تحصل على قروض. المشكل ليس في الثروة النائمة، بل في عقلية المصارف بالمغرب، التي يفترض أن توزع القروض ليس على أساس الرهونات الحقيقية، فالقروض الممنوحة للاقتصاد تسندها رهون على شكل ممتلكات عقارية بنسبة 80 في المائة. هذا كارثي. أنا أعتبر أنه يجب أن تستند التدابير على رؤية اقتصادية عميقة، بدل السقوط في الاستسهال والهواية.