بعد تأكيده، في الجزء الأول من حوار أجراه معه "تيل كيل عربي"، على أن خطابات الملك على الرغم من ملامستها للحقيقة إلا أنها تبقى حبرا على ورق، وأن الحكومة الحالية عاجزة عن تحقيق تطلعات الشعب، وأن من مصلحة حزب "التقدم والاشتراكية" مغادرة الحكومة، يتوقف مولاي إسماعيل العلوي، رئيس مجلس الرئاسة لحزب "الكتاب، في هذا الجزء الثاني والأخير من الحوار، عند الخطب الملكية الأخيرة التي تؤكد أن "شيئا ما ينقصنا"، وما يقابلها من تأكيد المجتمع على أن "كل شيء ينقصنا"، وعند الحراك الشعبي وتأكيد الملك على الحكومة من أجل ممارسة صلاحياتها، وعند الخدمة العسكرية وغيرها من المستجدات في الحياة السياسية...
الملك قال في خطاب العرش "أحس أن شيئا ما ينقصنا". المغاربة في الشارع يقولون كل شيء ينقصنا؟
فعلا، كل شيء ينقصنا. عدد من القطاعات لا تستجيب لتطلعات الشعب المغربي، لكن هذا لا ينبغي أن يجعلنا نسقط في نوع من العدمية، وإن كنا نعاني من هفوات كبيرة وكبيرة جدا، خاصة في الجانب الاقتصادي، فقد قلنا، قبل قليل، إن الآلة الإنتاجية لا تستجيب لتطلعات واحتياجات الأغلبية الساحقة من شعبنا، ولم يتحول الاقتصاد الوطني إلى قطاع منتج لمناصب الشغل أكثر مما هو منتج لثروات، يستفيد منها أفراد أو مؤسسات وطنية أو أجنبية قليلة. وبالتالي، يجرنا الكلام إلى النظر في نظامنا الجبائي. أليس هذا النظام في حاجة إلى مراجعة عميقة حتى يصبح أكثر عدلا ويقلل من اتساع الهوة القائمة بين الأكثر غنى وبين الأكثر فقرا؟
يطرح حزبنا هذه المواضيع وسيستمر في طرحها. وكما يعلم الجميع، يفوق عدد سكان الأرياف المغربية 13 مليون نسمة، يعيشون أساسا من الأرض؛ أي من العمل الفلاحي بشطريه: تربية الماشية والزراعة. ولضمان القوت لهم ولعيالهم، يعملون على مساحة تتألف من 9 ملايين هكتار، (علما أن نصف هذه المساحة، تكونت بالزحف على الغابات والمراعي، في ظرف نصف قرن)، وهي مساحات غير صالحة في حقيقة الأمر للعمل الفلاحي المنتج.
وإذا قمنا بعملية قسمة، بشكل نظري، تعطينا هذه القسمة 0,6 هكتار لكل نفر، علما أن معطيات كثيرة تجعل هذه القسمة نسبية: نوعية التربة، وجود أو عدم وجود الري، مشكل الملكية العقارية. هذه المعطيات توصلنا إلى خلاصة أن هناك على الأقل ما بين 5 إلى 6 ملايين نفر يمثلون "فائضا ديمغرافيا" بالأرياف والبوادي.
البعض من هؤلاء اختار في فترة من الفترات الذهاب إلى الخارج، لكن الآن أصبحت العملية صعبة، والذين يغادرون البلاد اليوم هم الأدمغة أكثر من الفلاحين والبسطاء وفقراء الناس. والبقية إما أن يبقوا مكانهم، ويعيشوا في ظروف تنتفي فيها أبسط شروط الكرامة، أو أن يلتحقوا بالمدن ليخلقوا أحزمة الفقر والبؤس، لكنهم يعتقدون أنهم في مكان أرحم وأرحب: يتوفرون على مستشفى قريب على علاته، ومدرسة قريبة على علاتها، وشوارع وأزقة معبدة على العموم، والماء الشروب والكهرباء متوفر، وبناء عليه، يعتبرون أنه من الأفضل أن يلتحقوا بالمدن، متسببين في مشاكل عظمى اقتصادية واجتماعية يعاني منه الجميع وتكلفه الكثير. هذا إشكال عظيم، ومن اللازم أن نجد له حلا مناسبا.
نحن في مأزق.. الملك يقول "شيء ما ينقصنا".. المجتمع يقول "كل شيء ينقصنا".. خطب الملك تلامس المشاكل، لكن لا حلول على الأرض.. الشباب المكتوي بنار غياب الحلول يخرج إلى الشارع، في الريف، وجرادة، وزاكورة... نحن نتجه إلى الحائط رأسا. ماذا تنتظر من المغاربة أن يصنعوا سوى الخروج إلى الشارع؟
أنا معك في هذا الاستنتاج، لكن لا بد من أن نشير إلى أمر لا يقل أهمية عما قلناه لحدود الآن. بدا لي أن الخطاب الملكي ما قبل الأخير كان واضحا. لامس نقاط الضعف، وحدد ما يجب القيام به، ولكن حمل المسؤولية للحكومة. وهذا أمر مهم جدا، لأن الملك يطلب من الحكومة أن تحكم. وهذه خطوة إيجابية نحو تطوير الوضع السياسي وتفعيل مضامين الدستور، فالمادة الأولى تؤكد أن الملكية اجتماعية وديمقراطية ودستورية وبرلمانية. وهذه دعوة ضمنية من الملك للحكومة للقيام بعملها، وأن تصبح هي الحاكم بأمر هذا الشعب.
الملك يطلب من الحكومة أن تحكم.. وهذه خطوة إيجابية نحو تطوير الوضع السياسي
الحكومة لا تقوم بذلك؟
للأسف، لكن لا أدري لماذا؟ هل هي قلة التبصر؟ هل هي غياب الإرادة ؟
في الريف، لم تبادر الحكومة إلى حل المشاكل. بعد خروج الناس للاحتجاج سميناهم انفصاليين؟
وصف أهل الريف بالانفصاليين سبة في حقنا جميعا، وإساءة لا تغتفر.
تحدث الملك في خطاب العرش عن الخدمة العسكرية. وإضافة إلى غرس قيم المواطنة، ما هي، في رأيكم، خلفيات هذا القرار؟ الناس تتحدث عن محاولة لتأديب الشباب المتمرد؟
إلغاء الخدمة العسكرية والخدمة المدنية كانا خطأين فادحين في الأصل، فنحن في حاجة إلى إدماج سكان هذا البلد فيما بينهم، والشعور بوجود قومية وأمة يقتضي استعمال كل الوسائل التي من شأنها أن تحقق اندماج المواطنين فيما بينهم.
اقتصاديا، لم نفلح في تحقيق هذا الاندماج بسبب وجود تباين كبير بين الجهات، وبين المدن والبوادي. والعمل سيتطلب زمنا طويلا لكي نصل إلى ما وصلت إليه دول مثل ألمانيا، التي تحافظ فيها الجهات على خاصياتها، لكن هناك شعور قومي قوي، لوجود إدماج اقتصادي شامل.
يمكن للخدمة العسكرية، أن تساهم، بقدر معلوم، في تحقيق نوع من الإدماج، عن طريق تعريف هؤلاء الشباب بوطنهم بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية والإثنية.
أما الخدمة المدنية، فكانت تمكن الشباب الذين يخضعون لها، من التحضير للدخول في غمار الحياة. سنتان يقضونها خدمة لوطنهم، ويتدربون فيها على التدبير الإداري، وعلى معرفة القضايا، ومعرفة الناس.
ويضاف إلى هذين الأمرين قرار المغادرة الطوعية والتي كلفت ميزانية البلاد، والاقتصاد، والإدارة، الشيء الكثير.
لكنها خففت من العبء المالي على الميزانية؟
لم تخفف من العبء المالي. كان الاعتقاد في الأصل أن الذين سيغادرون هم أصحاب السلالم الدنيا، لكنهم لم يكونوا أغبياء، ليحصلوا على مقدار مالي بسيط، ويخرجوا لمواجهة الحياة، بينما الإدارة تضمن لهم نوعا من الاستقرار، وتقاعدا في نهاية مسارهم الوظيفي. وحيث أن حق المغادرة كان مفتوحا في وجه الجميع، فغادر الكثيرون ممن كان في السلالم العليا وخارج السلم بأموال مهمة، ويقال إن منهم من عاد إلى منصبه بتعاقد. وهنا تقع مسؤولية هذا الخطأ على الحكومة التي كان يرأسها إدريس جطو، ولعب فيها الوزير المعفى محمد بوسعيد، دورا رئيسيا.
ونضيف إلى ذلك تغيير "الزمن الإداري"، تلك الخدعة الكبيرة. إننا نرى بأعيننا الموظفين يغادرون عملهم لاستقبال أبنائهم بعد خروجهم من المدارس، ويغادرون إلى بيوتهم لتناول طعامهم، ويغادرون لصلاة الجمعة لكيلا يعودوا إلا صبيحة الاثنين !
ومن ضمن هذه القرارات المرتجلة أيضا الخدمة العسكرية. الدستور ينص على واجب الجميع في الدفاع عن حوزة الوطن ولا يوجد أحد يتهرب من القيام بهذا الواجب، لكن الدستور ينص أيضا على استشارة المغاربة في كل ما يهم حياتهم. وكان حريا بالحكومة أن تطرح المشروع للنقاش العمومي قبل وضعه في نص تشريعي.
من الاقتراحات البناءة التي كانت قد تقدمت بها جمعيات المجتمع المدني، التي هي في حاجة إلى دعم الدولة، أن يصدر قانون يسمح بتوظيف شباب لمدة سنتين أو ثلاث سنوات، بعقدة مؤقتة، وهو مقترح "التطوع التعاقدي"، الذي يسمح لهؤلاء الشباب أن يخدموا شعبهم من خلال هذه الجمعيات، وتكون الجمعيات متابعة بشكل دقيق من قبل الدولة.
ينص المشروع على أن الوزراء والبرلمانيين معفون من الخدمة العسكرية بينما المفروض أن يعتبر أداء الخدمة العسكرية شرطا للترشح للبرلمان وللاستوزار.
هذا خطأ كبير، ويساهم في تبخيس الوضع السياسي في بلادنا. هناك هفوات وتسرع في اتخاذ بعض القرارات. عندما تغيب روح المسؤولية، أو لا تكون في مستوى عال، لا يستطيع الإنسان أن يقول "لا".
عندما تغيب روح المسؤولية، أو لا تكون في مستوى عال، لا يستطيع الإنسان أن يقول "لا"
هذا هو فحوى سؤالي السابق.. هناك من يقول بأنه على عهد رئيس الحكومة السابق كان هناك على الأقل من يقول "لا".
يبدو الأمر كذلك، لكن في الحكومة السابقة أيضا كان هناك نوع من التسيب. الدستور واضح في مضامينه وفي نصه، ولم يحترم بشكل دقيق في عدد من جوانبه، والمسؤولية تقع على عاتق الحكومة، وعلى عاتق رئيسها أساسا.