منذ نحو 5 أشهر والسعودية تعيش زلازل سياسية تهز بنيتها الداخلية للحكم. لكن الزلزال الأبرز هو الذي مس مجالها الديني؛ فبالأمس القريب كانت قيادة المرأة وخروجها لحضور مباريات كرة القدم ومشاهدة السينما، محرمة عند علماء المملكة. اليوم انقلبت فيه الفتاوى على نفسها وأجازت ما حرمته بالأمس القريب. بعض شيوخ "السلفية" بالمغرب، سألتهم "تيلكيل عربي" حول هذا الانفتاح والتغير الفقهي الذي آلت إليه السعودية.
منذ تعيين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، انقلبت الأوضاع السياسية والدينية في المملكة رأسا على عقب. وذلك على إثر ما قام به الحاكم الفعلي الجديد، سيما أوامره باعتقال أمراء من العائلة المالكة وبعض العلماء البارزين، إضافة لمنحه المرأة السعودية مزيدا من الحرية في الشارع العام، فضلا عن إقامة حفلات غناء بالمملكة، كان آخرها استضافة الموسيقار العالمي ياني (Yanni) الخميس الماضي.
هذا الانفتاح الذي تشهده السعودية، حسب محمد الفيزازي، الشيخ السلفي المغربي، "لا يخرج عن إطار السياسات الخارجية للمملكة"، إذ في نظره تتحكم أمريكا في القرارات السياسية، والتي بدورها تتحكم في تغيير الأحكام الفقهية، أي "فقه مطاوع ومطوع يخضع للقرار والهوى السياسي"، وفق تعبير الفيزازي. الأخير يفترض أن "الحاكم في السعودية، لو تراجع عن قراره بالعدول عن التحريم، لسايره العلماء ولأجازوا ما سيقوله".
"أنا مع شرع الله وليس مع الانفتاح"، يقول الفيزازي جوابا عن سؤال موافقته من عدمها عما يقع في السعودية. مشيرا في نفس الحديث إلى أن المغرب متقدم عن السعودية من الناحية الشرعية والعلمية في تطبيق الشريعة، "حيث يتيح القانون للجميع اختيار الشريعة وممارستها"، وفق الفيزازي.
من جهته يرى محمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) أن التحولات التي تشهدها المملكة السعودية، لا يمكن اختزالها في مجرد احكام فقهية أو اجتهادات دينية، بقدر ما هي تحولات استراتيجية سياسية عرّت الدوغمائيات الدينية، "فالجميل في ما وقع أنه كشف البعد السياسي الذي ارتبط بالفتاوى والأحكام، التي طالما تم التسويق لها لعقود طويلة، بأنها من ركائز الدين".
أبو حفص الذي يتبنى سلفية وطنية، لا يستغرب "استغلال" الجانب السياسي للشأن الديني كما يعتقد عامة الناس، وذلك لكون "الحركة الدينية الوهابية حركة سياسية، طالما تلاعبت بالفتاوى حسب هواها". مضيفا أن الانفتاح والخلخلة رغم أنه استراتيجية سياسية محضة، "فالسعودية بدأت تخرج من جلباب الفقه الحنبلي المتعصب، وهو أمر إيجابي يخدم مصلحة الشعب السعودي ومصلحة المنطقة"، يوضح رفيقي.
التغير الفقهي بين ليلة وضحاها في السعودية، يرى فيه محمد عبد الوهاب رفيقي، أمرا طبيعيا لمن هو متتبع لتاريخ الفقه، "فمنذ التاريخ الإسلامي القديم وحتى اليوم تم التلاعب بالفتاوى خدمة للمصالح السياسية"، يقول رفيقي، قبل أن يضيف بأن "المنظومة الفقهية نفسها تتيح تأويلها حسب المصالح. وما وقع لها يكشف زيف التدين المطلق".
عمر الحدوشي أحد المعتقلين السابقين المصنف ضمن شيوخ السلفية بالمغرب، امتنع عن التعليق عن هذا الأمر لظروف شخصية أبى الإفصاح عنها. وفي المقابل يرى زميله حسن الكتاني، الأقرب فكرا منه، أن "الانفتاح الذي نهجه ولي العهد السعودي منذ توليه السلطة، بإخراج المرأة للشارع وإظهار عورتها، هو محاولة للقطع مع الماضي بالسعودية، وتوجه نحو علمنة المملكة".
الكتاني العضو برابطة علماء المغرب العربي، في حديثه إلى "تيلكيل عربي"، اعتبر أن "المؤسسات الدينية الرسمية في البلدان العربية، ما هي إلا مشرع لما تريده السلطات، وليست لها الحرية في ما تراه في شرع الله". وبالتالي فقلب وجهة النظر الفقهية بهاته السرعة، يضيف الكتاني، "أطاح من مصداقية علماء هذه المؤسسات الدينية".
عبد الكريم الشاذلي، وجه آخر من وجوه السلفية وشيوخها بالمغرب، يرى أن الانفتاح الذي عرفته السعودية، "لا يجب أن يكون بهذه الدرجة، فالاسلام أصلا منفتح في طبيعته". الشاذلي يعلل رأيه بأن قيادة المرأة للسيارة لا حرج فيه، "لكن أن يدخل الغناء إلى جدة ومكة فهذا مرفوض".
الشاذلي وفي محاولة ربطه للديني بالسياسي، يعتبر أن هناك مخططا مستقبليا يروم تقسيم الخليج، واستهداف المملكات في الوطن العربي بالخصوص، بما فيهم السعودية والمغرب. "حيث تحرك اللوبيات الدينية من الشيعة أياديها الخفية من أجل زعزعة استقرار الدول العربية، وذلك عبر الضغط الخارجي على السعودية من خلال أمريكا من وراء حجاب، مستغلين في ذلك تمييع المجال الديني وتطويع نصوصه الفقهية"، يضيف الشيخ الشاذلي.
الشيوخ أجملوا في حديثهم إلى "تيلكيل عربي" أن التدين المغربي والفقه المالكي أكثر تقدما ومرونة، معتبرين أنه أكثر حصانة من أن تمسه تقلبات الفقه السعودي، رغم وجود ما يسمى بعض التيارات الوهابية بالمغرب، وتعلقها بالتدين المتشدد بالمملكة السعودية.
يذكر أن قرارات ولي العهد الجديد لاقت انتقادات واسعة من العلماء في العالم العربي والإسلامي، فمنهم من رحب بالتغييرات الدينية، فيما رأى بعضهم أنه انفتاح بمصوغات سياسية. ومن بين القرارات التي أحدثت زلزالا سياسيا في المملكة السعودية، هي ما قام به ولي العهد باعتقال شخصيات نافذة في البلاد، على رأسهم أمراء وأبناء عمومته من العائلة الملكية. بالإضافة إلى مسؤولين ورجال أعمال، وذلك بتهمة الفساد والرشوة.