اعتبر الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، اليوم الخميس، بطنجة، أن "الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة شكّل لحظة هامة لتعميق النقاش حول موضوع تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها؛ وهو بذلك يعتبر منطلقا مشتركا لنا كفاعلين في إنتاج العدالة، لاسيما في ظل ما أسفرت عنه مخرجات هذا الحوار من توصيات تمحورت حول وضع أسس محكمة رقمية منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين، وتشجيع استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة المحاكم وتصريف القضايا وإحداث الملف القضائي الإلكتروني، فضلا عن رقمنة المساطر والإجراءات، وتوظيف الوسائل الرقمية في عملية التواصل مع المتقاضين والمهنيين ومساعدي العدالة".
وتابع الداكي في كلمة ألقاها خلال فعاليات المؤتمر الدولي حول التحول الرقمي لمنظومة العدالة، الذي تنظمه وزارة العدل، بشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تحت شعار: "التحول الرقمي لمنظومة العدالة: رافعة لعدالة ناجعة وشمولية"، أن "الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة شكّل لحظة هامة لتعميق النقاش حول موضوع تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها؛ وهو بذلك يعتبر منطلقا مشتركا لنا كفاعلين في إنتاج العدالة، لاسيما في ظل ما أسفرت عنه مخرجات هذا الحوار من توصيات تمحورت حول وضع أسس محكمة رقمية منفتحة على محيطها وعلى المتقاضين، وتشجيع استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في إدارة المحاكم وتصريف القضايا وإحداث الملف القضائي الإلكتروني، فضلا عن رقمنة المساطر والإجراءات، وتوظيف الوسائل الرقمية في عملية التواصل مع المتقاضين والمهنيين ومساعدي العدالة".
وأضاف: "أضحى الاقتناع راسخا بأن التحول الرقمي لمنظومة العدالة أصبح اختيارا لا محيد عنه، وضرورة تفرض نفسها وتتطلب انخراط كل الفاعلين في مجالها؛ وهو الأمر الذي ما فتئ يؤكد عليه عاهل البلاد في العديد من خطبه الملكية وتوجيهاته النيرة"؛ حيث ذكر برسالة الملك الموجهة إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة، المنعقد بمراكش، بتاريخ 21-10-2019؛ حيث قال عاهل البلاد: "وفي نفس السياق، ندعو لاستثمار ما توفره الوسائل التكنولوجية الحديثة من إمكانيات لنشر المعلومة القانونية والقضائية، وتبني خيار تعزيز وتعميم لامادية الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية، والتقاضي عن بعد، باعتبارها وسائل فعالة تسهم في تحقيق السرعة والنجاعة، وذلك انسجاما مع متطلبات منازعات المال والأعمال، مع الحرص على تقعيدها قانونيا، وانخراط كل مكونات منظومة العدالة في ورش التحول الرقمي".
كما سجل الداكي أن "التحول الرقمي الذي تشهده منظومة العدالة اليوم يُعد مؤشرا قويا على الإرادة الراسخة الرامية إلى الانخراط الفعلي والمتواصل في هذا الورش الإصلاحي الكبير، الذي من شأنه الارتقاء بفعالية تدبير القضايا، وتطوير جودة تدبيرها والبت فيها، داخل آجال جد معقولة، وترسيخ الثقافة الرقمية في مجال العدالة، والرفع من منسوب الثقة في منظومتها لدى مختلف الفاعلين والمتدخلين في إنتاجها"، موضحا أن "رقمنة المساطر والإجراءات القضائية تعتبر من المداخل الأساسية لتعزيز مبادئ الشفافية والنزاهة المطلوبتين، بالنظر لما يوفره استثمار الوسائل الرقمية والتكنولوجية في العمل اليومي للإدارة، وفي علاقاتها مع مرتفقيها من جودة وثقة، من خلال الحصول على الخدمات المطلوبة، بشكل ميسر وشفاف، ودون إثقال كاهل العاملين بالمؤسسة القضائية بكثرة الاستقبالات. كما أن التوظيف الرشيد لما تتيحه التكنولوجيا من مزايا من شأنه تعزيز القدرة التنافسية للإدارة القضائية، بما يؤهلها للقيام بأدوارها الطلائعية في تحفيز وحماية الاستثمار، من جهة، وتكريس حكامة المرفق القضائي، من جهة أخرى".
وتابع أن "رقمنة العدالة تعتبر أحد المداخل الرئيسية لمواصلة تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي تتطلع إليه بلادنا، والذي يرتكز على مجموعة من المرتكزات؛ من بينها الارتقاء بتجويد العدالة ونجاعتها. ولتحقيق هذه الغاية، فإننا موقنون أن جهود جميع الفاعلين في هذا المجال يقتضي تضافرها من أجل رفع التحديات التي تعترض تسريع وثيرة الرقمنة، في مقدمتها التحدي التشريعي الذي يتطلب جهودا خاصة في سبيل تذليل الصعاب، من أجل إيجاد الإطار القانوني لاعتماد مخرجات الاستعمال المتزايد للوسائل التكنولوجية، في أفق اعتمادها كليا في تدبير المساطر والإجراءات. هذا بالإضافة إلى التحدي الذي يفرضه رصد المساطر المتسمة بالتعقيد، وتحديد السبل الكفيلة بتبسيطها، وجعلها قابلة للرقمنة لفائدة المرتفقين".
وأضاف أنه "لا غرو في أن إقامة نظام متين للرقمنة هو تحد قادرون على رفعه، بعدما كانت لنا تجربة متميزة، في ظل جائحة "كوفيد"، بسبب الحجر الصحي الذي عرفته بلادنا، على غرار سائر بلدان العالم، والتي شكلت فترة اختبار لقياس مدى قدرة وجاهزية العدالة المغربية لتبني خيار الرقمنة، وجعلها واقعا ملموسا، من خلال تجربة المحاكمة عن بعد، وكذا تدبير العديد من الإجراءات رقميا؛ حيث كان للتعاون المؤسساتي الدور الأساس في رفع كل التحديات التي كانت مطروحة كمعيقات، وكسب رهان استمرار تصريف العمل القضائي بالمحاكم".
وأبرز الداكي أن "موضوع التحول الرقمي لمنظومة العدالة يعتبر من بين الأوراش الكبرى التي تجسد التقائية المجهودات التي تقوم بها مختلف مكونات العدالة، سواء على مستوى وزارة العدل، أو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أو رئاسة النيابة العامة. وفي هذا الإطار، واستحضارا منها للأهمية التي تشكلها الرقمنة كآلية رافعة لتطوير أداء العدالة، وتجويد خدماتها ببلادنا، عبأت رئاسة النيابة العامة كل إمكانياتها البشرية واللوجيستيكية لإنجاح هذا الورش الكبير، عبر اتخاذ مجموعة من الخطوات الهادفة إلى إذكاء استعمال تقنيات المعلوميات، في إطار تدبير عملها الداخلي، من خلال إحداث عدة تطبيقيات معلوماتية لتسهيل تتبع العمل اليومي للنيابات العامة لدى المحاكم، بالإضافة إلى اعتماد الرقمنة في تدبير الشكايات والمحاضر. كما تم وضع العديد من المنصات الرقمية لتبادل المعطيات مع بعض الشركاء، كما هو الشأن بالنسبة لقاعدة البيانات المعلوماتية المحدثة بين النيابات العامة ووحدة معالجة المعلومات المالية، وقاعدة تبادل المعطيات مع بنك المغرب والنظام المعلوماتي لتبادل المذكرات بين رئاسة النيابة العامة والوكالة القضائية للمملكة، فضلا عن مجموعة من التطبيقيات الأخرى".
وختم رئيس النيابة العامة كلمته بالقول إن "انخراط رئاسة النيابة العامة في مسار الرقمنة توج بحصولها على جائزة التميز للدورة الرابعة عشر للجائزة الوطنية للإدارة الرقمية، خلال سنة 2022، عن خدمة الشكاية الإلكترونية التي تسمح للمواطنين والأجانب، سواء المقيمين منهم بالمغرب أو خارجه، من وضع شكاياتهم وتتبع مآلها عن بعد من هواتفهم المحمولة ومن منازلهم، دون عناء التنقل".
وأضاف أنه "استشرافا منها للمستقبل، عقدت رئاسة النيابة العامة العزم على مواصلة الإسهام في برنامج التحول الرقمي، إلى جانب وزارة العدل، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والعمل على تنزيله، في إطار التعاون والتنسيق المشترك فيما بين هذه المكونات. كما ستعمل على مواصلة تنفيذ مخططها الإستراتيجي، والذي يرتكز على عدة مرتكزات؛ من بينها تعزيز رقمنة الإجراءات القضائية وتبسيطها"، موضحا أنها "إستراتيجية تتقاطع في العديد من محاورها مع ما جاء في المخطط الإستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية 2021-2026".