جالسا على كرسي مقابل نزله الواقع بين أسني وإمليل، يراقب السيارات التي تعبر الطريق، يمني السبعيني الحسين النفس باستقبال الزبناء، الذين ينتظر أن يقبلوا على المنطقة في فترة الصيف.
يحاول الحسين تفسير سبب تأخر السياح المحليين في الإقبال على المنطقة، فهو يعتقد أن عدم الانتهاء من الدورة الاستدراكية لامتحانات الباكالوريا قد يبرر عدم قدوم الزوار، الذين اعتادوا على ملء جنبات الوادي مستظلين بأشجار الجوز، ما يساهم في إنعاش نشاط النزل والمطاعم في المنطقة.
ترقب أفواج السياح
في قرية إمليل، البعيدة عن مدينة مراكش بحوالي سبعين كيلومترا، والتي شغلت الناس في الخريف الماضي، بعد العملية الإرهابية، التي أودت بحياة سائحتين إسكندنافيتين، تسود حالة من الترقب، فالجميع هنا يتوقع إقبالا كبيرا من قبل السياح المغاربة.
الاستعدادات جارية للموسم السياحي الجديد، فقد أعدت النزل والمنازل من أجل ذلك، وينتظر المرشدون ومكترو البغال، الزبناء الذين يريدون الصعود إلى مزار سيدي شمهروش أو بلوغ قمة توبقال.
الجميع يتفرغ في هذه الفترة لاستقبال زوارهم، بعد أن فرغوا من جني الكرز الذي كان محصوله وفيرا في هذا العام، وفي انتظار جني محصول الجوز، الذي شكل تاريخيا أول منتوج عُرفت به المنطقة.
النشاط السياحي في هذه المنطقة منظم، منذ الثمانينات من القرن الماضي، فالأدوار موزعة بشكل دقيق بين المرشدين السياحيين ومالكي النزل ومن يتولون نقل السياح على متن البغال عبر الممرات الجبلية الوعرة، والجميع يسعى إلى تسخير ما يدره النشاط السياحي من أجل تحسين خدماته.
لم تكتف ساكنة المنطقة، كما يلاحظ ذلك الباحث حسن إد حم، بالنشاط السياحي الذي يمكن أن يتأثر بظرفيات غير مساعدة، كما حدث بعد 11 من شتنبر، حيث حافظوا على نشاطهم الزراعي الأولي، وعملوا على تطويره عبر الأشجار المثمرة، مثل الكرز والتفاح، اللذين انضافا إلى الجوز.
يعتبر محمد بن حسين، الفاعل في القطاع السياحي، أنه بعد اغتيال السائحتين بالمنطقة، سادت حالة من الخوف من أن يكون الجناة من أبناء المنطقة، ما سيشكل ضربة قوية للنشاط السياحي فيها.
غير أنه يؤكد أن الجميع تنفس الصعداء، بعدما برأ القبض على الجناة أبناء المنطقة، ما أكد طبعهم المسالم، هم الذين اعتادوا على الاحتفاء بالأجانب الذين لعبوا دورا حاسما في الارتقاء بالنشاط السياحي في المنطقة.
لا يخفي أن ما حدث في الخريف الماضي أثر على النشاط السياحي في البداية، فقد ألغى العديد من السياح حجوزاتهم، غير أن السياحة استعادت عافيتها بعد ذلك، حيث ساهم الاهتمام الإعلامي في التعريف بإمكانياتها.
يتحدث عن سياح مغاربة بدأوا يقبلون على المنطقة، بعد العملية الإرهابية، مدفوعين بفضول استكشاف أوديتها وجبالها، وخوض تحدي الوصول إلى قمة توبقال، خاصة أن إمليل تعتبر المنفذ الوحيد إليها من جهة مراكش.
لاشىء يذكر بأن القرية كانت في بؤرة ضوء وسائل الإعلام الوطنية والمحلية، سوى الحواجز الأمنية التي نصبت منذ تلك الفترة، كما يلاحظ المرشد السياحي الحاج إبراهيم.
مقدمون وحواجز أمنية
عند مدخل القرية، نصب حاجز أمني، تتوقف عنده السيارات وسيارات الأجرة والشاحنات، يتحقق رجال الدرك من هوية الركاب ويتفحصون الوجوه، قبل الترحيب بالداخلين إلى إمليل.
ليس ذلك الحاجز الوحيد، الذي نصب في المنطقة، فهناك ثلاثة حواجز أخرى، عند دوار أرمد، حيث عثر على جثتي ضحتي الإرهاب، وعند مزار شمهروش، وعند النزل الذي يرتاده الراغبون في الوصول إلى قمة توبقال.
يؤكد مسؤول محلي أن تلك الحواجز الأمنية، تحاول منذ ستة أشهر التحقق من هويات زوار المنطقة، غير أنه ينبه إلى أن مجهودا بذل في رفع عدد المقدمين في تلك المنطقة الجبلية، حيث يرابضون في النقاط الحساسة من أجل جمع المعلومات التي يمكن أن تفيد من يهمهم أمر الأمن في المنطقة.
تستحضر التدابير الأمنية نصب السائحتين، اللتين ذهبتا ضحية عمل إرهابي، خيمة في الخلاء ورفضهما الاستعانة بخدمات مرشد سياحي، فتلك التدابير تمنع على الزوار نصب خيم في الخلاء، كما أضحى كل راغب في الوصول إلى سيدي شمهروش أو قمة توبقال ملزما الاستعانة بخدمات مرشد سياحي، حيث أن كل ممتنع عن ذلك من الزوار يتوجب عليه العودة من حيث أتى.
فرض الاستعانة بمرشدين سياحيين من قبل كل زوار المنطقة الراغبين في الصعود إلى سيدي شمهروش أو قمة توبقال، طرح مشكلة تتعلق بقلة عدد المرشدين المعتمدين الذين يتوفرون على بطاقة مهنية، ما دفع إلى الاستعانة بالمرشدين الذي دفعت الحاجة إلى نوع من الاعتراف بهم دون أن يتوفروا على بطاقة تخول لهم ممارسة نشاطهم ذاك.
يبدي محمد بن حسين نوعا من السعادة لكون مرشدين غير معتمدين أضحوا يقدمون خدماتهم للسياح، غير أنه يعتبر أنه كان يفترض في السلطات تمكين الذين يتوفرون على تجربة تفوق، في بعض الأحيان، العشرين عاما، من بطاقة تجنبهم المساءلة، في حال حدثت مشاكل بسبب نشاطهم.
يحيل محمد على قانون تنظيم مهنة المرشد السياحي، ويتساءل حول معايير تسوية وضعية الذين يتوفرون على خبرة ميدانية ولا يستجيبون لبعض الشروط، خاصة أن من المرشدين السياحيين من خضعوا لتكوين دام ستة أشهر دون أن يعترف بهم من قبل وزارة السياحة.
لايتساءل أبناء المنطقة في هذه الفترة كثيرا حول إضفاء الطابع القانوني على المرشدين السياحيين، بل يستعدون لاستقبال السياح المحليين، في انتظار عودة السياح الأجانب من محبي تسلق الجبال في الخريف المقبل، فهم يرنون إلى المستقبل وطي صفحة الإرهاب الذي ضرب بقوة في المنطقة.