رفعت الصين وتيرة الاستثمارات بشكل كبير في المغرب. ويرجع هذا التطور الملحوظ، إلى إطلاق الصين مشروعات مهمة بالمغرب، منها شركة مختصة بإنتاج قطع الغيار باستثمار إجمالي يفوق 600 مليون دولار، بالإضافة إلى مشروع بناء مدينة "طنجة تيك"، التي تشكل منصة قوية للمغرب للالتحام بفعالية بمبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين.
وأخر مشروع ضخم تم توقيع مذكرة تفاهم بخصوصه، بين المغرب والمجموعة الصينية الأوروبية "غوشن هاي تك"، العاملة في قطاع التنقل الكهربائي، لإنشاء منظومة صناعية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة، باستثمارات تُقدر بنحو 65 مليار درهم مغربي (6.4 مليار دولار).
ويأتي هذا في إطار الاستراتيجية الجديدة للمملكة، والتي ترتكز على تنويع الشركاء الاقتصاديين، بعيدا عن سياسة التبعية ( باعتبار المغرب مرتبط اقتصادياً وسياسياً مع بلدان الاتحاد الأوروبي)؛ وبحثا عن نموذج اقتصادي يوافق الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمملكة.
توافق الرؤى السياسية بين البلدين
أكد ناصر بوشيبة، رئيس جمعية التعاون إفريقيا الصين ACCAD، في تصريح لـ"تيل كيل عربي " أن "الشراكة بين المغرب والصين، متميزة بالنظر لوجود توافق، بين القيادات، المغربية بقيادة الملك محمد السادس، والصينية بقيادة الرئيس الصيني شي جين بينغ، مما ينعكس على المبادئ المسطرة والمتمثلة في تجنب التدخل في الشؤون الداخلية ومساندة الوحدة الترابية، موضحا بأن المغرب كان دائما يعترف بمبدأ الصين الواحدة، أي أن جزيرة تايوان جزء لا يتجزأ من الصين.
وبحكم تجربتي، يقول بوشيبة، فإن "الصين تقدر هذا الموقف الصادر عن المملكة المغربية. مشيرا إلى أن "المغرب لها موقع جغرافي متميز، كما تنعم بالسلم والأمن والاستقرار، وبالتالي أي مستثمر يرى في المغرب أرض مناسبة".
ومن جهته، قال عادل بنحمزة، المحلل السياسي، إن "بلدان العالم تطرق باب المغرب، والمملكة هو من يختار مع من يبني شراكات ذات طبيعة استراتيجية، وتبدو الصين مهيئة للقيام بذلك، ولعل الاستثمار الأخير الضخم المتعلق بصناعة بطاريات السيارات الكهربائية بالجرف الأصفر (ضواحي مدينة الجديدة )، يمثل نموذجا حيا لطبيعة المشاريع التي ينوي المغرب التعاون فيها مع الصين".
وأبرز بنحمزة، البرلماني عن حزب الاستقلال، في تصريح لـ"تيل كيل عربي " أن "المغرب يختلف تماما عن باقي الحضور الصيني في إفريقيا، إذ يحضر كشريك وليس كبلد يتلقى المساعدات أو يتخلى عن قطاعات استراتيجية لفائدة بكين، كما أن الشركات المغربية تطورت بشكل كبير وتغطي مجالات واسعة لها علاقة بالبنية التحتية، وهي لا تفوز فقط بصفقات داخل المغرب، بل أيضا في عدد من الدول الإفريقية".
الاستثمارات الصينية في المغرب
أوضح الدكتور بوشيبة، المختص في العلاقات المغربية- الصينية، أن "الشركات الصينية تحصل في المغرب على المشاريع المتعلقة بالبنية التحتية، والسكك الحديدية، كما توجد شراكة ناجحة في مجال قطاع السيارات، كما أن المبادلات التجارية تعرف نمو مستمر وصل السنة الماضية إلى 6,8 مليار دولار، تشمل مليار دولار من الصادرات، وهي أعلى رقم مسجل في تاريخ المبادلات التجارية بين المغرب والصين.
وأضاف بوشيبة، "نأمل أن تكون هناك استثمارات صينية أكبر داخل المملكة، مع الرفع من قيمة الصادرات من أجل التخفيف من عجز الميزان التجاري الحاصل بين المغرب والصين، لصالح بكين".
وأشار بوشيبة، إلى أن "الاستثمارات الصينية في إفريقيا، لا تمثل سوى 2 في المئة من الاستثمارات الصينية في الخارج، وغالبية استثماراتها في أوروبا، وأمريكا اللاتينية، وشرق آسيا. وهناك توجه لتقوية العلاقات مع الدول الإفريقية، لكن لعدم توفر البنيات التحتية اللازمة، وتدهور الأوضاع السياسية، في العديد من البلدان، بالإضافة إلى القوانين الصعبة في بعض البلدان، يعرقل استثمارات الصين، وهذا عكس ما هو كائن في المغرب، إذ أن إطلاق المشاريع يكون بكل سهولة خلافا لبعض الدول الافريقية الأخرى، وبالتالي الصين تعتبر المغرب الأرضية لتحقيق مشاريع ناجحة، وجعلها مثالا لباقي الدول الافريقية".
الأسلحة الصينية في المغرب
بعيدا عن الأسلحة الأمريكية، التي يعتبر المغرب زبوناً تقليداً لها، وفي إطار استراتيجيته الجديدة لتنويع الشركاء في المجال العسكري، يواصل المغرب الانفتاح على مجموعة من الدول القوية عسكريا، كالصين من أجل تقوية عتاده من السلاح الدقيق، حيث أفادت مجموعة من المواقع العسكرية، أن القوات المسلحة الملكية تجري مفاوضات حثيثة مع شركات صينية، من أجل الحصول على صواريخ وطائرات متطورة وقنابل دقيقة التوجيه.
وأشار موقع "تاكتيكال ريبورت" المتخصص في المعلومات الاستخباراتية حول الشرق الأوسط، بأن الجيش المغربي عقد مؤخرا مفاوضات ومباحثات مع الجانب الصيني لحيازة نظام جديد يتعلق بصواريخ وقنابل دقيقة التوجيه تحمل رؤوسا حربية تقطع عدة كيلومترات قبل أن تصل إلى الأهداف العسكرية المنشودة.
وتعليقا على هذه المعطيات، يرى الخبير الأمني والعسكري، محمد الطيار، بأن "المملكة المغربية تقوم بعقد صفقات عسكرية مع الصين، من أجل توسيع و تعزيز قدراتها وترسانتها العسكرية والدفاعية، بالإضافة إلى تنويع مصادر التسليح، وخاصة المتقدمة تكنولوجيا وتقنيا، حيث حصلت الرباط على نظام صاروخي صيني مضاد للدبابات والمركبات المدرّعة و الذي يتميز بفاعلية وقوة كبيرة".
وأشار الطيار، في تصريح إلى "تيل كيل عربي"، أن "المغرب تمكن مؤخرا من الحصول على نظام صاروخي صيني المعروف باسم "HJ-9A" أو اسم ثان هو "Red Arrow 9A"، وهو نظام مضاد للدبابات والمركبات المدرّعة ويتميز بفاعلية كبيرة في استهداف الآليات العسكرية".
وأشار الخبير الأمني، إلى أن "المغرب سبق وأن حصل على طائرات بدون طيار "درون" صينية الصنع لتوطيد العلاقات مع بكين، بالإضافة إلى تنويع مصادر أسلحته، وخاصة المتقدمة تكنولوجيا، من مجموعة من الدول القوية، كالصين وتركيا واسرائيل وامريكا وغيرها."
ومن جهته، يقول حسن بلوان، خبير، في العلاقات الدولية، في تصريح إلى "تيل كيل عربي " إن "انفتاح المغرب على السلاح الصيني يأتي بالموازاة مع الانفتاح السياسي والاقتصادي والدبلوماسي الذي مهد الطريق أمام انفتاح القوات المسلحة المغربية على الأسلحة الصينية، التي أصبحت تعتبر ركيزة من ركائز الرؤية الاستراتيجية الجديدة التي تنهجها المملكة، والتي تنبني على تنويع السلاح، وخاصة من النوع الدقيق والعالي تكنولوجيا ".
وشدد بلوان، الأستاذ الجامعي، في ختام تصريحه، على أن" العلاقات بين المغرب والصين تتطلع نحو مستقبل واعد بمجموعة من الإنجازات في مجالات مختلفة أبرزها المجال العسكري. مشيرا إلى أن "تطور العلاقات بين البلدين يعود إلى مجموعة من المواقف الإيجابية التي ساندت بها بكين الرباط في مجموعة من المناسبات الدولية كما أن المملكة منذ سنوات تتبنى موقف وحدة الأراضي الصينية، الذي جعل من الصين تعتبر المغرب حليفا استراتيجيا في مجموعة من القطاعات".