اعتصام  "البواشرية".. حكاية مظلمة تاريخية عمرها أزيد من قرن

الشرقي الحرش

يواصل العشرات من أبناء وأحفاد أسرة "البواشرية" اعتصامهم بمنطقة أولاد زيد جماعة الغوالم دائرة الرماني بإقليم الخميسات للمطالبة باسترجاع أرض أجدادهم، التي سلبها منهم الاستعمار الفرنسي، ولم يعدها إليهم الاستقلال.

من هم البواشرية؟

يذكر القاضي ابن سودة "قبيلة زعير قديما وحديثا" أن "البواشرية" أسرة تنتسب إلى الولي الصالح "سيدي محمد بن امبارك الزعري".

وأطلقت تسمية "البواشرية" على الإخوة الأربعة أبناء البشير بن بوطاهر المباركي وهم: عبد القادر والعربي والحبشي والبشير.

وقد كان لهذه الأسرة نفوذ روحي وسياسي كبير في قبائل زعير، حيث كانت تحظى بظهائر التوقير والاحترام من سلاطين الدولة العلوية، كما أنها أسست زاوية بدعم من السلطان مولاي عبد العزيز.

ونظرا للنفوذ السياسي والديني، الذي كانت تحظى به هذه الأسرة في قبائل زعير، فقد كان طبيعيا أن تتصدى للاستعمار الفرنسي، الذي كان يحاول إخضاع القبائل الزعرية لنفوذه.

 وقاد "الإخوة الأربعة" الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي، ابتداء من فبراير 1910، مما جعلهم على رأس المطلوبين لدى سطات المستعمر، كما قام المستعمر بقنبلة زاويتهم، التي كانت معلمة دينية متميزة، حيث كانت عبارة عن قصبة تضم ثلاثة دور للسكن وبئر محاطة بسور مستطيل الشكل طوله حوالي 266 متر، وعرضه حوالي 250 مترا،  وعلو أسوارها حوالي 3 أمتار.

وأمام هذا الوضع، هاجر "الإخوة الأربعة" إلى منطقة زيان، حيث شاركوا في جل الاشتباكات ضد المستعمر، قبل أن يتم إلقاء القبض عليهم سنة 1913، ونفيهم إلى منطقة دكالة.

  الاستيلاء على الأرض

 لم يكن نفوذ "البواشرية" يقتصر على الجانب الروحي والسياسي فقط، بل كان يتعداه إلى الجانب المالي، حيث كانوا يملكون أزيد من 5 آلاف هكتارات، الشيء الذي جعلها محط أطماع المستعمر.

 ويشير القاضي ابن سودة أن السلطات الفرنسية أوعزت إلى بعض القياد بإقامة ملكيات في اسمهم، حيث قاموا بتزوير وثائق الملكية، ثم باعوا الأراضي لتجار فرنسيين.

 ويشير ظهير، نشر في الجريدة الرسمية عدد 776 بتاريخ 6 شتنبر 1927، أن "قصبة البواشرية" التي تضم الزاوية والأراضي المحيطة بها البالغة مساحتها 17 هكتارا قد تم بيعها لفرنسي يدعى "برديكي ألبير"، بمبلغ 10200 فرنك.

 "البواشرية "بلا أرض

قضى "البواشرية" 8 سنوات في المنفى بدكالة، ولم يسمح لهم بالعودة إلا بعد تمكن فرنسا من بسط سيطرتها على المغرب.

ولم توافق السلطات الفرنسية على عودتهم إلا بعد أدائهم أربعة آلاف ريال حسني، لكنهم وجدوا أراضيهم مصادرة، حيث استقروا بمنطقة صبارة بقبيلة أولاد دحو وبقوا تحت المراقبة.

البواشرية في زمن الاستقلال

 بعد استقلال المغرب، وجه نائب الشرفاء "البواشرية" البشير بن العربي ملتمسا إلى الملك محمد الخامس، سنة 1958، من أجل استرجاع الأرض، التي قال "إنها سلبت من عائلته انتقاما منها على مقاومتها للاستعمار"، كما وجه نفس الملتمس إلى الملك الحسن الثاني سنة 1963 دون أن يحظى بجواب.

وبموجب ظهير 2 مارس 1973، ستضع الدولة يدها على ضيعة تبلغ مساحتها 2500 هكتار، كان يتصرف فيها معمر يدعى "فابر"، كما وضعت يدها على أراضي "البواشرية" التي كانت بيد الأجانب، وشرعت في كرائها للخواص.

ورغم المراسلات المتتالية لعائلة "البواشرية" للمسؤولين المغاربة، إلا أنها لم تتلق أي جواب.

 طمس الزاوية

لا شيء يدل على "زاوية البواشرية"، باستثناء جزء صغير من سورها القديم مازال صامدا يتحدى عوادي الزمن وإهمال الدولة. هذا ما وقف عليه "تيلكيل عربي" خلال رحلته لقصبة مرشوش، التي أصبحت في خبر كان.

المكان، الذي كان ملجأ لأسرة المقاومة، ودفن فيه المقاوم عبد القادر البشيري، اتخذت منه بعض الأسر، التي كانت تشتغل في الفلاحة لدى شركة خاصة، مسكنا لها.

 ومما يحز في النفس، بحسب رشيد البشيري، فاعل جمعوي، وأحد متزعمي "حراك البواشرية" أن "منزل المقاوم عبد القادر البشيري تحول إلى إسطبل لتربية الماشية"، مشيرا إلى أن الأسر، التي تقطن في المكان، قامت ببناء منازلها بعد هدم القصبة، نظرا لجهلهم بقيمتها التاريخية والحضارية.

 ويعتبر رشيد البشيري أن أسرة "البواشرية" تعرضت لمظلمة تاريخية بمصادرة أراضيها، التي أصبحت تفوت لشركات خاصة بدل إرجاعها لأصحابها.

 ورغم طمس معالم زاوية "البواشرية"، وهدم سورها ومرافقها وبناء منازل أخرى على أنقاضها، إلا أن الجيل الجديد من أحفادهم مازالوا يحملون صورها، التي تؤكد وجودها إلى حدود سنة 2005، قبل البدء في هدمها.

 حق يأبى النسيان

إلى حدود كتابة هذه الأسطر، يواصل أحفاد "البواشرية" اعتصامهم بالقرب من المكان، الذي كان شاهدا على مقاومة أجدادهم للمستعمر الفرنسي.

 ويطالب المعتصمون باسترجاع أرض أجدادهم، وإعادة إحياء زاوية "البواشرية"، التي كانت شاهدة على مرحلة مهمة من تاريخ المغرب عامة، وقبائل زعير خاصة، كما يطالبون بترميم ضريح سيدي البشير بن بوطاهر دفين قبيلة أولاد زيد، الذي تعرض لتشققات وتصدعات، أدت لسقوط نصف سقفه، إلا أن هذه المطالب مازالت تواجه بصعوبات، بعدما انتقلت ملكية في ظروف خاصة إلى الدولة والخواص.