افتتاحية: الدار البيضاء.. يتيمة الثقافة

افتتاحية تيلكيل عربي
أحمد مدياني

قبل أيام، رفض والي جهة الدار البيضاء - سطات حزمة من مقترحات أنشطة ثقافية وفنية تقدمت بها شركة التنمية المحلية "كازا إيفنت"، معتبرا أنها مستنسخة، ولا تجيب على انتظارات وتطلعات العاصمة الاقتصادية، بل لا تكاد تلامس جزءا من هوياتها المتعددة.

رفض يأتي في سياق عيش المدينة المليونية على وقع "السرقة الموصوفة" لكبريات تظاهراتها، بأوجه مختلفة لعملة واحدة.

رَفضُ الوالي، الذي فَرضَ على المسؤولين والمنتخبين، نهاية الأسبوع المنصرم، النزول، مرة أخرى، إلى الميدان، من أجل تفقد سير عدد من المشاريع، خاصة الثقافية منها، يُترجم حالة السخط التي يُعبر عنها سكان العاصمة الاقتصادية.

سكان بمختلف فئاتهم لا يجدون أمامهم، في أوقات فراغهم من العمل والدراسة، غير اللجوء إلى المقاهي والحانات، من أجل كسر روتين مطحنة إنتاج فائض القيمة، في مدينة لم تعد تمنح لحياتهم أي قيمة مضافة في المقابل.

مدينة ضاقت مؤسسات الثقافة والفن بمن يقصدها، وأصبحت فرص حضور الأنشطة فيها مقتصرا على من يوفر ثمن تذاكر الولوج، أو من الذين يحصلون على امتياز الولوج مجانا، بحكم قرابة أو معرفة بمسؤول أو منتخب.

وباستثناء مبادرات بعض الجمعيات، التي لا تزال قابضة على جمر التأطير والتنشيط الثقافي الحقيقي، اختفت العروض المسرحية والفنية والثقافية... لم تعد تحتضن التجمعات الإسمنتية لكبريات أحياء الدار البيضاء ما يربط الحاضر بالماضي، ويضمن الوصول الآمن إلى المستقبل.

اختفت المنافسة بين أندية المؤسسات التعليمية، ولم نعد نسمع كثيرا عن أنشطة دور الشباب. تحولت بوصلة المراكز السيوسيو-ثقافية من اتجاه التأطير الثقافي نحو وجهة "البزنس الثقافي". انفرد مركب محمد الخامس، المغلق رياضيا، باستضافة كل التظاهرات، بمنطق الربح المالي، وكأن كل المدينة هي وسطها، وهذا الأخير هو المدينة، دون باقي أحيائها التاريخية والجديدة.

ملايين الدراهم تصرف، سنويا، لكي يتم حصد غنائم ملايين إضافية؛ أي استثمار المال لربح المال، وليس الاستثمار في البشر، لربح الحاضر والمستقبل، عبر توفير ما يُجنِب الملايين من مختلف الفئات خطر الفراغ القاتل.

أصبح البيضاويون يطمعون عيش ولو بعض تفاصيل البرامج الثقافية، مثل ما تعيشه مدن وجدة وطنجة ومكناس وفاس وخريبكة...

وليكتمل مشهد البؤس الثقافي الذي يخيم على سماء البيضاء، أصبحت المدينة يتيمة الثقافة.

يتيمة أب وأم، هما على قيد الحياة.

يتيمة كل التظاهرات التي تهجرها، سنويا، نحو مدن أخرى تزدحم أجندتها، مقابل خواء يتمدد وسط الجدران الإسمنتية لشقيقتهم الكبرى.

اليُتم الثقافي الأكبر للمدينة، حين سُرق منها المعرض الدولي للنشر والكتاب.