هل يحمل مسؤولو اليوم الهم لضمان توفير قطرة ماء لأجيال المستقبل؟ الجواب هو: لا. والمؤكد أنه حسب تقارير دولية، فبحلول العام 2050، سيكون المغرب ضمن خانة البلدان التي ستضربها كارثة الإجهاد المائي، بنسبة عالية جدا تفوق 80 في المائة.
تقارير تحمل مؤشرات مخيفة خاصة بالنسبة للبلدان التي لا تملك سيادة شاملة على منابع مياهها، مما يمكن أن يهدد بنشوب حروب أكثر دموية من تلك التي تتصارع على مصادر الطاقة.
وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، أقر تحت قبة البرلمان بأن الفلاحة أضحت من بين القطاعات التي تسجل إفراطا في استهلاك الماء، المشكلة أن المتحكمين يواصلون فرض أنماط جديدة من خلال اختيارات زراعية تسلب المغرب سيادته المائية.
مثال على ذلك، معرفة الجميع أن زراعة شجرة "لافوكا"، وتعميمها على أكثر من منطقة، دون الأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها المناخية والجغرافية، انتحار مائي، وموت بطيء يواجه بالصمت والتجاهل، جريمة لو كنا في بلد يربط الحاضر بالمستقبل، لاعتمدت قوانينا صارمة تدخل السجن بسبب اقترافها.
الكيلوغرام الواحد من "لافوكا" يستهلك 1000 لتر من الماء، وهناك من بيننا من يواصلون العناد المختلط بالجشع، وهم يخبروننا بأن "الفاكهة تجلب العملة الصعبة".
قالوا، بانتشاء، إن "المغرب ضاعف صادراته من الفاكهة"، وتغنوا بقيمة عائداتها من العملة الصعبة، دون أن يعترفوا كم تسلب المغاربة هي وغيرها من ثرواتهم المائية الظاهرة منها والباطنة.
وهم يقولون الشعر في الفاكهة الدخيلة على الهوية الفلاحية للمملكة، زادهم رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، من شعرهم بيتا، وهو يصفها بأنها "فيها البركة... وما تقيسوهاش".
لكنه هو ومن معه من الذين رهنوا المغرب بمخطط أخضر لم تقدم أوراق حسابه والمحاسبة عليه بعد، يتهربون من طرح الأرقام والمعطيات والإحصائيات النابعة من الواقع.
حين وصف أخنوش "لافوكا" بأنها "شجرة مباركة"، نهاية العام 2022، أسقط - نتمنى أن لا يكون الإسقاط عن سبق إصرار وترصد - كل التوقعات التي تتحدث عن أزمة عطش مرتبقة في المغرب، وذلك ما نعيشه هذه السنة؛ إذ أصبح شبح العطش يخيم على سماء المدن الكبرى، ولولا الاضطرابات المناخية الأخيرة، لعشنا العطش حرفيا بكل تفاصيله المؤلمة.
أخنوش يدافع عن منطق أن "المغاربة لا يحتاجون فقط شرب الماء"، بل يحتاجون أيضا "أكل مطيشة وبطاطا...". لكن هل يحتاجون "لافوكا"؟ الحقيقة أن من يحتاجها صراحة هي الأرصدة البنكية للمتنفعين منها على حساب السيادة المائية للوطن.
وإذا كان أخنوش يترك قطع "لافوكا" هي الأخيرة، حين توضع له فوق صحن مائدة طعامه الغنية والمتنوعة، فإن المغاربة، مستقبلا، وبسبب السياسة المائية والفلاحية الحالية، لن يجدوا قطرة من أصل الحياة؛ لأن رئيس حكومة اليوم، ووزير فلاحة الأمس، نزع البركة عن الماء وعلقها على أغصان شجرته المباركة الجديدة.
ليس "لافوكا" فقط بل سياسة فلاحية شاملة تتجه بالمغرب نحو خسارة السيادة للماء مستقبلا.