افتتاحية: الطب يدخل غرفة الإنعاش

افتتاحية تيلكيل عربي
أحمد مدياني

حين تطرح سؤال: "أشنو بغيت تكونو فاش تكبرو؟" داخل حجرات درس تلاميذ السنة الأولى ابتدائي، سيجيبك على الأرجح 80 في المائة من "ملائكة الدراسة" أن حلمهم وحلمهن ولوج كليات الطب، وبلوغ اليوم الذي يقفون ويقفن فيه لأداء قسم أبقراط.

أجيال تربت على أن مهنة الطب نبيلة وغاية كل حالم بوضع اجتماعي اعتباري يرافقه وضع اقتصادي مريح. الأكيد أن المهنة لا تزال عندنا منبع الثروة. ولقد كانت إلى وقت قريب توزع بمستوى يفوق المقبول بين الجميع. خاصة وأن لبس الوزرة البيضاء أو بلون السماء، يضمن المساواة في الأجر مقابل العمل.

الواقع اليوم يتغير، بل يدفع بعنف نحو تدجين المهنة وحقن جسدها العليل بالمزيد من المواد الحافظة التي تسرع تكاثر الخلايا السرطانية داخله.

منشآت الصحة العمومية في المغرب تباع في مزاد غير علني، وبالتفاف خبيث على قواعد استشارة المغاربة أو من يفترض أنهم يمثلونهم داخل المؤسسات. تتعاظم سطوة "مول الشكارة" على تطبيب وإسعاف المغاربة خاصة الضعفاء منهم.

سنوات التكوين تقلصت داخل كليات الطب وخوصصة مناهجه تتجه بنا رأسا نحو الحافة. الطبيب مستقبلا هو من سيدفع مقابل الجلوس بمدرجات التحصيل العلمي.. يكفيه فقط أن يضخ الواجب الشهري أو السنوي دون تأخير، وإن لم يشغل باله ساعات السهر لتحصيل النجاح بامتياز.

نهاية الأسبوع الفارط، قادتني ظروف عائلية بمراكش، للذهاب إلى المستشفى الجامعي للمدينة الحمراء. هناك حيث كلف طول الإنتظار حياة سيدة كانت تحتاج لتدخل طبي عاجل. وغيرها الكثير من المرضى والمعطوبين والجرحى، الذين حجوا منذ الساعات الأولى إلى مساء السبت، ليصل دورهم في ساعات متأخرة من يوم الأحد!

داخل مستشفيات "الصحة العمومية" عندنا لا تهم الحالة، نحن مجرد أرقام تسلسلية يجب أن تنتظر دورها، وقد تصل غرفة انتظار ما بعد الموت، قبل أن يصل دورها داخل غرفة إنتظار المستشفى.

وإن أردت أنت أو أحد أفراد عائلتك أو معارفك النجاة، توفر لك الدولة اليوم خيارا لا بديل عنه: الدفع المسبق أو وضع شيك الضمانة على حياتك.

هل تعلمون أن توظيف الأطباء أصبح يمر عبر الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات "أنابيك"؟! تحول يجرنا لأن نصادف يوما ما "مُوقف تاع الأطباء" وهم يزاحمون عمال أوراش البناء على فرصة عمل.

غرفة الإنعاش التي ستدخلها مهنة الطب تم تجهيزها. ويبدو أنها بدروها ستحتاج دفع المقابل أو تسليم ضمانة لتنجو من الموت. هذا إن نجت أصلا!

أمام كل ما سبق لنعد لطرح السؤال على التلامذة الأطفال بصيغة مباشرة: "واش تحلمون بمهنة الطب في المغرب مستقبلا؟"

إن أجابت النسبة المتبقية الحالمة منهم ب"نعم". سينصحهم الأكبر منهم سنا، خاصة الذين اكتوو بنار الاختيار، للبحث عن مهنة أخرى.