يوم السبت 4 ماي الجاري، وجه الملك محمد السادس خطابا إلى القمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي، يحق وصفه بأنه وضع المغرب في منزلته الصحيحة والتاريخية تجاه القضية الفلسطينية.
خطاب يعكس مدى الثقة التي يضعها جميع الأطراف تجاه مملكة لم تكن عندها يوما فلسطين ورقة ابتزاز أو مساومة، كما لم تفعل، مطلع القرن الماضي، تجاه ملف تهجير اليهود أو تسليمهم للأنظمة النازية والفاشية إبان الحرب العالمية الثانية.
خطاب هو تنبيه للداخل أكثر منه للخارج، عندما اعتقد البعض بأنهم تسلموا شيكا على بياض تجاه التعامل مع القضية، وفق ما تفرضه شروط السماح لهم بحصد الغنائم، بمبرر توقيع استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل.
الملك أعاد تصحيح المسار، وليست هذه المرة الأولى التي يؤكد فيها أنه "لا مساومة على أرض فلسطين وشعبها مقابل أي ملف يهم المغرب ومصالحه"، بل سبق وحملت رسائله الموقعة، بصفته رئيسا للجنة القدس، مواصلة دعم المغاربة لأشقائهم الفلسطينيين، من منطلق نصرة مبدئية لا انتهازية.
الملك وضع النقاط فوق حروف من يتحمل مسؤولية تأزم الأوضاع، وأشار، مباشرة، إلى أن ما نعيشه، منذ عقود، وليس سبعة أشهر فقط، بسبب "الإجراءات الإسرائيلية الأحادية غير الشرعية، التي تطال الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك، بهدف تغيير الوضع القانوني والحضاري لمدينة القدس الشريف".
كلمات نتمنى أن تثير انتباه بعض من انخرطوا، بسرعة، في جوقة تحميل المقاومة الفلسطينية وزر وضع يواصل الاحتلال إنتاجه.
ولمن لا يزال في قلبه بعض الشك من كل كلمة جاءت في الخطاب الملكي أمام القمة الإسلامية، وهو يصف الوضع في فلسطين كما يجب، وينبه ويحذر، من منطلق الواقع، أدعوهم إلى تأمل الفقرة التي تتحدث عن إعادة إعمار غزة.
وجاء فيها: "الحديث الرائج عن مستقبل قطاع غزة لا يستقيم إلا في ظل وقف الاعتداءات، ورفع كافة أشكال المعاناة عن الشعب الفلسطيني. فقطاع غزة شأن فلسطيني وجزء من الأراضي الفلسطينية الموحدة، التي يجب أن تنعم بالسلم والاستقلال، ضمن رؤية حل الدولتين، ووفقا للقرارات الدولية ذات الصلة".
كلمات تحمل رسالة مباشرة لمن يرون في خراب الحرب غنيمة. بدأ لعابهم يسيل قبل إسكات صوت الرصاص ودوي انفجار القنابل. شرعوا في فتح الأرصدة البنكية، والبحث عمن سوف يتكلف بإعادة الإعمار والفوز بصفقاته.
موقف المملكة المغربية، الذي يجب أن يؤطر أي تحرك سياسي أو دبلوماسي رسمي أو مواز، اليوم وغدا وبعده، هو الحديث بلسان الخطاب الملكي، أمام قادة الدول الإسلامية.
الترافع أمام المجتمع الدولي ومنظماته وهيآته، وخاصة أمام نشطائه الذين يتعاظم تأثيرهم، بالتأكيد على أن "العدوان الغاشم على غزة، الذي جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة، تشكل وصمة عار على جبين الإنسانية. ومما يزيد من تفاقم هذه الأوضاع، ارتفاع وتيرة الاعتداءات الممنهجة من طرف المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية، بإيعاز من مسؤولين حكوميين إسرائيليين".
هكذا تكلم الملك، وهكذا ربح لصالح المغرب معارك للمستقبل.