تتناقص الأعداد عاما بعد آخر، وشغف النضال النقابي يقل منسوبه من فاتح ماي إلى آخر. هكذا كان حال تجمهرات ومسيرات النقابات يومه الأربعاء بمختلف مناطق المغرب، بل وحتى في مركز مدينة الدار البيضاء التي كانت تهتز بقوة كل ما حل يوم عيد العمال العالمي.
ما هو ملاحظ أن نسبة تقارب 100 في المائة من قيادات النقابات اليوم متقاعدون.. تركوا الوظيفة والمعامل، لكنهم أبوا أن يتركوا كراسي الزعامة، وحتى من لم يعد يسعفه تقدمه في السن وحالته الصحية على مواصلة "القيادة"، يرفض أن يسلم المشعل لأجيال مرت وتمر من أمامه.
حضور باهت وشعارات أطفأت وهجها التوافقات حول مصير ملفات ليس بيد العمال والأجراء والمستخدمين والموظفين. حتى الذين يطمعون في أن تكون مسيرات فاتح ماي فرصة لحرق الذهون خاب ظنهم، بعدما تم تقليص المسار بأكثر من الضعف، بل تحول لبضع أمتار فقط، وأضحت المسيرة عند كل نقابة أشبه بطواف قصير حول مقراتها المركزية.
مع ضرورة الإنتباه والتنبيه إلى أن دور النقابات آخذ في الانحصار مقابل تمدد دور التنسيقيات داخل أكثر من قطاع. أشكال جديدة من التأطير وصياغة الملفات المطلبية، فرضت أن تكون المتفاوض بمقدار اليوم، لكن مستقبلا ستصبح لها الكلمة الأولى والأخيرة.
أشكال جديدة من "التنظيم النقابي"، تفسر كيف أن أجيالا من الشباب والشابات، كانوا وكن وقودا يشعل حماس الأمل في المستقبل، اختفوا من مسيرات النقابات، تاركين خلفهم داخل الأشكال التقليدية، الرعيل الأول الصامد منذ سبعينيات القرن الماضي والمستمر في حضوره. حضور لا يقتصر عن الرمزي فقط بل يتعداه إلى أقصى نقطة يمكن بلوغها.
مسيرات عيد العمال تحولت إلى فرصة للقاء الأصدقاء والأحباء لا غير، شكل من أشكال الاستعراض القصير، لبث مشهد من الضروري تصويره لنقله على الشاشات.
مع هذا الوضع المؤسف، يحل العيد بعيدا عن ضمان التدافع واستمرار الحفاظ على موازين القوة التي تعد من أسس دولة التعددية والديمقراطية وعدم انفراد فئة دون فئات أخرى بسلطة القرار المطلق سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. يحل ليعكس ما هو معاش على طول السنة، وساعات صباحه الأولى ما هي إلا مرآة تعكس الواقع.
ما يمكن اعتباره استثناء، هو قضية فلسطين التي أنقذت ما يمكن إنقاذه من وهج فاتح ماي. حضرت الشعارات المناصرة لغزة تواكب الهبة العالمية الرافضة لإبادة أطفالها ونسائها. ألوان أعلام أرض الزيتون محت السواد الذي خيم على المشهد.
كانت فلسطين اليوم الشحنة التي صعقت الجسد العليل للنقابات، وأجلت إلى حد ما إعلان أنه "فاتح مات".