افتتاحية: فعلا حصيلة حكومية استثنائية!

افتتاحية تيلكيل عربي
أحمد مدياني

قرأ رئيس الحكومة، يوم أمس الأربعاء، على مسامع "نواب ومستشاري الأمة"، ما أعد له لقراءته، وكانت خلاصته أن "العام زين"، و"المغاربة يعيشون في ترف"، و"ما حققته هذه الحكومة استثنائي سوف يتذكره المغاربة عبر التاريخ".

يمكن أن يكون لكلام رئيس الحكومة وقع إيجابي استثنائي عند من يرى في المغرب شركة حسب منطق الربح والخسارة الشخصي عنده، لأن الحياة اليومية للمواطن المغربي مغايرة تماما، لما يرتاح له باله، وهو يطالع أرقام حساباته البنكية وأوراق أرباح شركاته.

تحدث أخنوش عن "إنجازات" الحكومة في الصحة والتعليم والدعم الاجتماعي والاستثمار والاقتصاد والتشغيل...

هل تعكس ما حملته أوراق أخنوش، التي نتمنى أن لا يكون مكتب دراسات كلف بصياغتها، الحقيقة؟

الجواب لن يبتعد عن الواقع أبدا، وسيكون في هذه الأسطر نابعا فقط مما عاشه وواجهه المواطن، خلال الأشهر الأولى من السنة الجارية.

*قطاع التعليم عاش على وقع شلل تام، طيلة أشهر، بسبب مواجهة انطلاقة شرارة الإضرابات بالتجاهل عوض الحوار، ما تسبب في هجرة جماعية لأبناء المواطنين من التعليم العمومي إلى الخصوصي، ليمنح الأخير قبلة حياة، بعدما فقد الكثير من رصيده خلال جائحة "كورونا" وما بعدها؛

هدر مدرسي مستمر وفي ارتفاع، مع استمرار ضعف نسب التحصيل العلمي من أول سنة ابتدائي، وحتى آخر ساعات الدراسات العليا؛

قفز على وعود الحملة الانتخابية التشريعية، وتحول ما جاءت به، خاصة الزيادات في الأجور والتعويضات، لمجرد بيع للوهم.

*في قطاع الصحة، ما زال الانتظار يقتل، والمستشفيات تئن تحت وطأة خصاص الأطر، وولوج المواطن لخدمات الرعاية الصحية يفرض عليه معانقة كفنه، لأن مصير حياته ليس بين يديه، وإن كان يتمتع بالتغطية الصحية؛

وماذا عن التغطية الصحية؟ إلى اليوم، لا تعدو أن تكون "حصان طروادة" الذي اقتحم أسوار الفئات الهشة والفقيرة، ونزع عنها امتياز الاستفادة من "نظام راميد"، وتركها عارية أمام قطاع صحي خاص لم تعد تملك حتى الطبقات المتوسطة والميسورة إمكانيات مواجهة تضخم مصاريفه وجشع محترفي "النواغ"، وهم كثر، داخله؛

قطاع صحي عمومي يعيش، اليوم، على وقع إضرابات مستمرة لأطره ومقاطعة طلابه للتكوين، وقريبا، سيحمل الأطباء صفة "مياوم" عوض موظف لدى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.

*التشغيل.. سوف نلتزم هنا باختيار رئيس الحكومة لإنقاذ البلاد من "سكتة التوظيف"، ونترك تشخيص الوضع لصديقه الوفي مكتب الدراسات "McKinsey".

على أن يلتزم عزيز أخنوش، حين يعود إلى قراءة أوراق حصيلة الحكومة، بالقول إن ما بين يديه ليس من إنتاجها.

مع التنبيه أخيرا إلى أن 157 ألف منصب شغل ضاع، خلال سنة 2023 وحدها. وأرقام المندوبية السامية للتخطيط تحذر من بلوغ نسبة البطالة في المغرب ما يقارب 15 في المائة.

*يقول المثل المغربي: "حتى مش ما كيهرب من دار العرس!". ولا يمكن تصديق ما جاءت به الأوراق التي أعدت لرئيس الحكومة بخصوص حصيلة نصف الولاية، بخصوص الشق الاقتصادي، ونحن نتابع، يوميا، شكاوي الفاعلين في الاستثمار داخل وخارج المغرب؛

معطيات آخر تقرير لمكتب الصرف تشير إلى أنه، في سنة 2023، لم تتجاوز قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب 10,5 مليارات درهم، بنسبة انخفاض واضحة بلغت ناقص 53,3 في المائة مقارنة بسنة 2022.

ويتحدث الخبراء الاقتصاديون عن أن العوامل الداخلية أثرت أكثر من الخارجية في نسبة ثقة الفاعل الاقتصادي الأجنبي وجذب استثماراثه، بالإضافة إلى زيادة منسوب العراقيل التي يواجهها إداريا؛

ويمكن في هذا الشق، أن نورد مثالا غير بسيط يعكس حجم الأزمة التي يراد لها أن تكون صامتة، ويلخصها عبد الرحيم الهندوف، رئيس الاتحاد الوطني للمهندسين المغاربة، بالقول: "600 مهندس مغربي يغادر البلاد سنويا، بسبب المشاكل التي يتخبط فيها القطاع".

أي حصيلة استثنائية ستبقى في تاريخ المغرب؟!

إضرابات في التعليم والصحة وقطاع موظفي الداخلية والمهندسين والعدول حتى كتاب الضبط بالمحاكم يضربون ومستخدمي المؤسسات والشركات الكبرى يشتكون... القدرة الشرائية للمواطن تضررت، والحكومة لجأت لإثقال كاهله بضرائب إضافية، برسم قانون مالية 2024، لسد عجزها عن توفير السيولة المالية من مصادر أخرى...

الواقع يخبرنا أننا لسنا بخير. ولا يمكن الاستمرار في مواجهة هذا الوضع بالتجاهل والصمت؛ لأن الاستثناء الوحيد الذي سوف يتذكره المغاربة مستقبلا، هو حين يقارنون ما بين كم ربحه المغرب من حكومة أخنوش، وكم ربح الأخير رفقة أصدقائه من غنائم الوطن.