عطلة عيد الأضحى تعيد فوضى "شناقة" تذاكر الحافلات.. والرقمنة تطرق شبابيك المحطات

خديجة عليموسى

مع اقتراب عيد الأضحى، تتزايد رغبة المواطنين في السفر نحو مدنهم وقراهم، مسخرين كل إمكانياتهم لقضاء هذه الفترة بين الأهل والأحباب، إلا أن هذه الرغبة التي تحمل في طياتها دفء اللقاءات العائلية، ما تلبث أن تصطدم بواقع "فوضوي" داخل محطات النقل الطرقي، حيث يعود إلى الواجهة جدل المضاربات في تذاكر السفر.

مع كل عطلة مدرسية أوعيد يتكرر المشهد ذاته: أسعار ترتفع بدون سابق إنذار، ووسطاء ينشطون علنا وفي الخفاء، ومسافرون يجدون أنفسهم بين مطرقة الضرورة وسندان الفوضى.

حيل وممارسات غير مقبولة

يعد عيد الأضحى بمثابة عطلة سنوية بالنسبة لفئة واسعة من التجار، الذين يغتنمون هذه المناسبة للاستراحة بعد شهور من العمل، وهو ما يجعل سفرهم وشدهم الرحال نحو مسقط رأسهم قائما حتى في حال إلغاء شعيرة النحر، حسب ما يؤكده بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك في تصريح لـ"تيلكيل عربي".

غير أن ما ينتظر المسافرين، لا يختلف عن باقي المناسبات، هو ارتفاع أسعار التذاكر وانتشار الممارسات غير القانونية، رغم أن الأسعار تخضع لتقنين صارم لا يمكن تعديله إلا بقرار وزاري، كما يشير إلى ذلك الخراطي.

رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، شدد أيضا على أن بعض المهنيين "يعمدون إلى ممارسة حيل وأساليب ملتوية لفرض زيادات غير قانونية على المسافرين"، داعيا المستهلك إلى الوعي بحقوقه، ومؤكدا أن "ليس من المقبول أن يرضخ لأي تسعيرة لا تستند إلى مرجعية قانونية واضحة".

ودأبت وزارة الداخلية على "اتخاذ تدابیر استباقية من خلال تنظيم حملات تحسيسية تستهدف المهنيين والهيئات الممثلة لهم من أجل حثهم على الالتزام بالأسعار والضوابط المعمول بها، حيث يتم العمل على توجيه المسافرين لاقتناء التذاكر من الشبابيك المخصصة تفاديا للمضاربات في الأسعار"، وفق ما أكده وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت في جواب عن سؤال كتابي بمجلس النواب، في يونيو 2024.

من جانبه، يرى عابدين زيدان، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لمهنيي نقل المسافرين بالمغرب، أن الإشكالات التي تبرز خلال هذه الفترات تعود أساسا إلى الضغط الكبير الذي تعرفه وسائل النقل، وهو ما يفسح المجال أمام بعض الوسطاء داخل المحطات لاستغلال الوضع.

وتابع قائلا في تصريح لـ"تيلكيل عربي": "النقل متوفر، لكن هناك ممارسات غير مقبولة تحدث داخل المحطات، تؤثر سلبا على السائقين المهنيين، وتعيق احترام الضوابط القانونية".
ويؤمن النقل الطرقي العمومي للمسافرين بين المدن، عبر الحافلات، نسبة من التنقلات، حيث يضم القطاع 709 مقاولات و1787 مركبة، في حين يبلغ متوسط عمر الحافلات المستعملة 13 سنة، وفق معطيات رسمية لوزارة النقل واللوجيستيك تهم مؤشرات شهر غشت سنة 2024.

الرجوع الفارغ.. مبرر رفع التذكرة

في تفسيره لأسباب الزيادات التي تشهدها فترة العطل والأعياد، أشار زيدان إلى ما يعرف بـ"الرجوع الفارغ"، موضحا أن "بعض خطوط نقل الحافلات تحتاج إلى رخص استثنائية تمنح وفق ضوابط، وتتيح إمكانية الزيادة في الأسعار بنسبة قد تتراوح بين 20 و30 في المائة حسب طبيعة الخط"، باعتبار أن الحافلات غالبا ما تعود دون ركاب.

لكن بوعزة الخراطي لا يوافقه الرأي، مشيرا إلى أن الحافلات قد تعود فارغة، "لكن الذهاب يكون مملوءا، والمداخيل تتحقق"، مضيفا أن هذا لا يبرر فرض زيادات، بل يعيد فتح النقاش حول تحرير السوق وفق قواعد المنافسة الشريفة، على أساس أن "الجودة يجب أن تقابل بالسعر".

وأضاف الخراطي أن شركات النقل التي توفر خدمة مهنية وجيدة بأسعار معقولة، ستكون الأقدر على استقطاب الزبائن، مما يسهم في تحسين الأداء العام للقطاع ويعزز ثقافة المنافسة الشريفة التي تعود بالنفع على الجميع.

وفي السياق ذاته، نبه الخراطي إلى ممارسة وصفها بـ"شناقة الكيران"، الذين يكون دورهم هو رفع الأسعار بطريقة غير قانونية، ويدفع المسافرين إلى القبول بالأمر الواقع في غياب بدائل.

زيدان، من جهته، دافع عن أرباب الحافلات، معتبرا أن "مول الكار" يتحمل في الآن ذاته "عبء الضغط والمسؤولية"، في ظل التكاليف المتزايدة والضغوط الموسمية، التي تدفع المهنيين إلى البحث عن حلول قانونية ومؤطرة، من خلال اللجوء إلى الرخص الاستثنائية.

محطات جديدة "بلا شناقة"

يتفق الطرفان على أن تدخل الوسطاء أو "الشناقة" خلال فترات الذروة يفتح المجال أمام ارتفاع الأسعار وانتشار مظاهر الفوضى والعشوائية.

وفي هذا السياق دعا زيدان المسافرين إلى "اقتناء تذاكرهم من الشبابيك الرسمية وتفادي التعامل مع الوسطاء"، مشددا على أن هؤلاء هم من يعيدون إنتاج الفوضى، لافتا إلى وجود مصالح لمراقبة الأسعار بالمحطات يمكن اللجوء إليها عند الضرورة للقيام بالمتعين.

ولوضع حد للمضاربات، أكد زيدان أن محطة أولاد زيان بالدار البيضاء، وهي أكبر محطة بالمملكة، مقبلة على ورش إصلاح شامل، سيرافقه اعتماد نظام التذاكر الإلكترونية، من أجل القطع مع الفوضى وفتح مرحلة جديدة أكثر شفافية وتنظيما.

وزير الداخلية، وضمن جواب آخر عن سؤال كتابي بمجلس النواب، شهر يناير الماضي، حول "رقمنة وعصرنة وتجويد خدمات المحطات الطرقية"، أفاد بأن وزارة الداخلية، تعمل من خلال المديرية العامة للجماعات الترابية، على مواكبة الجماعات بتقديم الدعم القانوني والتقني والمالي لها من أجل إحداث وتأهيل وتدبير هذه المرافق بطريقة احترافية.

وسجل الوزير أنه من أجل رقمنة وعصرنة وتجويد خدمات المحطات الطرقية للمسافرين، تقوم الوزارة أيضا بتزويد المحطات الطرقية بنظام معلوماتي لخلق شبكة ربط بين مختلف هذه المحطات، بالإضافة إلى تطبيق موحد خاص بمهني نقل الحافلات وموقع إلكتروني لحجز التذاكر عبر الإنترنت والحجز المسبق لفائدة المرتفقين، وكذا معرفة جميع المعلومات الخاصة بالرحلات.

واعتبر أن هذا النظام المعلوماتي سيمكن من رقمنة العمليات اليومية للمحطات الطرقية وخاصة منها المرتبطة ببيع التذاكرعبر الشباك الوحيد، والحجز والحجز المسبق عن بعد للتذاكر.