أوضح إدريس الأزمي الإدريسي، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، والوزير المنتدب السابق المكلف بالميزانية، أن "التضخم المحسوس والملموس في الواقع، وما يراه المواطنون ويعيشونه يوميا هو أعلى وأكبر من رقم 10،1 في المائة الوارد في مذكرة المندوبية السامية للتخطيط، حيث بلغ التضخم والغلاء مستوى غير مسبوق بالمغرب منذ عقود، وهو مستمر منذ أسابيع عديدة ويشمل بشكل متزامن مختلف المواد ولا سيما الغذائية منها وآفاقه لا تبدو انها تنحو منحى العودة إلى الوضع الطبيعي".
وأضاف الأزمي في حواره مع الموقع الرسمي لحزب العدالة والتنمية، أن "تصريحات المندوب السامي في الحقيقة انعكاس لحالة الارتباك والفوضى وضعف الحكامة للشأن الاقتصادي، ذلك أن اختصاص المندوبية معروف، وهو محدد فيما يتعلق بإنتاج المعلومة الإحصائية وتحليلها وتقديمها للعموم، لكن المندوب السامي للتخطيط تجاوز كل هذا، ووضع نفسه فوق الحكومة وفوق بنك المغرب، ويخاطب الجميع بمنطق الأستاذية على المؤسسات، وهو مسؤول رسمي ويتحدث وكأنه فاعل سياسي أو محلل اقتصادي".
ولفت إلى أنه "بخصوص أرقام بنك المغرب والمندوبية السامية حول التضخم، فالقراءة الأولية خلاصتها أنها، أولا؛ دليل على ضعف الحكومة على مستوى التوقعات، بحيث توقعت بأن يبلغ التضخم في 2023 نسبة 2 في المائة، رغم تنبيهات وتحذيرات برلمانيي المعارضة في حينه وتنبيهها المتكرر أن هذا الرقم غير واقعي وغير مبني على أسس صادقة، لكن الحكومة أصرت وعاندت وأثبت الواقع اليوم أنها خارج التغطية".
وذكر أن "هذه الارقام تؤكد الضعف الكبير في التواصل الحكومي والارتباك في التصريحات، لأنه وما إن يتم التصريح، لا يلبث أن يتأكد المواطن من تناقضه على أرض الواقع، سواء تعلق الأمر بالتصريحات الرسمية الواردة على لسان رئيس الحكومة أو على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة أو على لسان وزيرة الاقتصاد والمالية. والحقيقة أن الحكومة رفعت الراية البيضاء أمام موجة الغلاء".
وتابع الأزمي: "استدرك لحليمي على قرار مجلس بنك المغرب، واعتبره خاطئا، رغم أن قرار رفع سعر الفائدة الرئيسي أتُخذ في إطار القانون وفي إطار اختصاصات مجلس البنك الحصرية، اعجبنا القرار او لم يعجبنا، واستدرك على الحكومة، ومن جهة أخرى بشرنا بأن على المواطن أن يتكيف مع كون التضخم اصبح معطى هيكليا، وفوق كل هذا اعتبره معطى إيجابيا سيساهم في النمو والشغل، مستدعيا نظريات اقتصادية ليست محسومة النتائج ولا تتناسب مع السياق المغربي وطبيعة ونسبة الهشاشة في المجتمع المغربي، ومتجاهلا بذلك الآثار السلبية للتضخم على الفئات الشعبية والطبقة المتوسطة، وهذا كله خلق ضجة كبيرة وأعطى صورة فوضوية عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في مشهد غريب وغير مألوف تتنابز فيه المؤسسات وتتناقض عبر صفحات الجرائد، والضحية هو المواطن وهو صورة المؤسسات وهو الوضع الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي بصورة عامة".
وشدد على أنه "إن كان رئيس الحكومة انزعج ولم تعجبه زيادة بنك المغرب في نسبة الفائدة الرئيسي بـ 0.5 في المائة، فما مدى انزعاجه وغضبه والمواطنون يكابدون ويتحملون الغلاء وتبعاته وقد زاد التضخم بنسبة رسمية فاقت 10 في المائة، وبأكثر من 20 في المائة وزيادة في المواد الغذائية بالخصوص".
وأكد أن "هذا الارتباك الكبير على مستوى تدبير الشأن الاقتصادي وعلى مستوى الحكامة الاقتصادية والتضارب في الخطاب الرسمي الاقتصادي، مسؤوليته الأولى على عاتق رئيس الحكومة، لأن من واجبه خلق الانسجام والتنسيق بين المؤسسات، لضمان أن يكون الخطاب الموجه للمواطنين مفهوما ومسؤولا وصادقا وبالشفافية اللازمة، إذ أن خلاف ذلك فيه إشكال كبير وتأثير سلبي على مقروئية الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالنسبة للمواطنين والمستثمرين والمؤسسات التي لنا بها علاقات على المستوى الخارجي، على السواء".
واسترسل قائلا: "ما وقع في هذه الأيام ما بين الحكومة وبنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط هو أمر غير مسبوق، ويقع لأول مرة بهذه الصيغة وهذا الارتباك هو دليل آخر على الضعف الذي تعانيه الحكومة، والفراغ الذي تركته من خلال عجزها وتواريها إلى الوراء، في حين، كان من الواجب عليها أن تكون مبادِرة في التواصل مع الرأي العام، ولذلك، وحين غابت عن الساحة الاقتصادية والاجتماعية، جاء المندوب السامي ليملأ الفراغ بطريقة تربك الأمور ولا تخدم الشأن الاقتصادي والوضع الاجتماعي، ذلك أن العمل السياسي وتدبير الشأن العام يأبيان الفراغ، وهذا ما هو حاصل للأسف مع هذه الحكومة".
وأشارإلى أن "التضخم ناتج أيضا عن غياب المنافسة الشريفة وعن الاحتكار، فمجلس المنافسة مازال ينتظر مراسيم مؤجلة رغم صدور القوانين، كما أن هناك إشكاليات في بعض السياسات العمومية، ومنها السياسة الفلاحية، التي تحتاج إلى إعادة النظر، إضافة إلى المشاكل الموجودة في الأسواق وتدبيرها ومراقبتها وسلسلة التموين والتسويق وغيرها. إذ أن كل جانب من هذه الجوانب يساهم بنسبة معينة في التضخم وفي غلاء الأسعار".
وقال الأزمي، إن "المخطط الأخضر، من خلال ما وقع، وخاصة بعد هذه الأزمة، ينبغي أن يكون موضوع تقييم شامل، لأننا أمام وضع جديد وسياق مستجد، والأمن الغذائي والمائي أصبح مطروحا بحدة، لاسيما في ظل الإشكالات التي يخلقها هذا المخطط، ومنها استمرار دعم الفلاحة التصديرية والمستهلكة للمخزون المائي على حساب أساسيات الأمن الغذائي للمواطنين، من حبوب وخضر ولحوم، لذلك هذا التقييم أصبح ملحا، لأجل الاستجابة المثلى لحاجيات السوق الداخلية".
ونبه إلى أن "تصريحات لحليمي حادت عن الوظيفة والمهام الموكولة للمندوبية السامية، وأربكت الوضع أكثر من مساهمتها في فهم الأمور وتنوير الرأي العام وعمقت الارتباك الحاصل على مستوى التدبير الحكومي لموجة الغلاء. ووجه الغرابة فيها أنها ليست صادرة عن فاعل سياسي أو باحث أكاديمي أو محلل اقتصادي أو صحفي وإنما هي تصريحات صادرة عن مسؤول رسمي وهو تابع لرئيس الحكومة الذي هو من يحدد ويفوض له اختصاصاته وبالتالي بإمكانه بل المطلوب منه أن يبلغ ملاحظاته وتحليلاته واقتراحاته مباشرة لرئيس الحكومة منذ زمان ودون تأخر، لأن موجة الغلاء ليست جديدة".
وشدد على أنه "صحيح أننا أمام حكومة ضعيفة ومرتبكة على مستوى تدبير الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ونحن في موقع المعارضة ونقوم بواجبنا في التنبيه والاقتراح ومراقبة العمل الحكومي، لكن وكما كنا دائما فنحن ضد الخلط في الأدوار الذي لا يخدم المؤسسات، ومع احترام المؤسسات، وعلى كل مؤسسة أن تقوم بدورها وفق ما هو منصوص عليه وموكول لها في القوانين، ومع مراعاة واحترام الاختصاصات المسندة لباقي المؤسسات والهيئات كي تتضح الأمور ويسهل ربط المسؤولية بالمحاسبة، لذا "خص كل واحد يدير شغلو"، لأن في هذا تقوية للمؤسسات وحماية لها وعدم تهرب أي طرف من المحاسبة واحترام للرأي العام وفي حقه في الحصول على المعلومة الصحيحة بما لا يزيد الوضع صعوبة ويخدم الاستقرار الاجتماعي والمعيشي".