عبد الله وهبي أستاذ التعليم الابتدائي بمجموعة مدارس الجيل الجديد بتزنيت، نال من يد الملك محمد السادس، يوم الاثنين 17 شتنبر 2018، وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الممتازة، بعد أن قدمته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي على أنه "أستاذ مبدع في التقنيات الرقمية". "تيل كيل عربي" اتصلت به للتعرف على تجربته عن قرب، وكان هذا الحوار...
ماذا قال لك الملك محمد السادس عند توشيحك بالوسام؟
سألني عن مقر عملي وتاريخ توظيفي وشجعني وقال لي "خاصّك تواصل العمل ديالك وتكمّل على هاد النهج وتزيد الگدام". هذه هي الخطوط العريضة للحديث الذي دار بيني وبين "سيدنا، الله ينصرو"...
قال لي الملك "خاصّك تواصل العمل ديالك وتكمّل على هاد النهج وتزيد الگدام"
هل شرحت له ما تقوم به، خصوصا في المجال الرقمي؟
أثناء تقديم الشخصيات التي تم توشيحها، تم تقديم الاسم وأهم الإنجازات التي قام بها كل أستاذ...
طيب، ما هو أبرز ما قمت به كعمل مميّز في التعليم، وتحديدا على مستوى الإبداع في التقنيات الرقمية؟
هي أصلا مجموعة من المشاريع، وأنا عملت على هذا المجال المتعلق بإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال منذ سنة 2003...
أي منذ السنة الأولى من توظيفك؟
نعم، تقريبا منذ تم توظيفي، ولكن الانطلاقة الفعلية لهذا المشروع كانت سنة 2007، عندما انتقلت من مدرسة أبي الحسن الإلغي في مديرية تزنيت آنذاك، والتي أصبحت في مديرية سيدي إيفني حاليا، إلى مجموعة مدارس الجيل الجديد، والتي تغير اسمها وأصبح اسمها "المسيرة الخضراء"، وهي في مديرية تزنيت، وهي في العالم القروي بعيدا في الجبل، أو "أدرار"، كما نقول هنا في منطقة سوس، والتي كانت فيها الأجواء ملائمة لإطلاق المشروع...
وتفاعل التلاميذ مع إدماج هذه التكنولوجيات؟
الطريقة التقليدية لم تعد تجذبهم، وخصوصا أن والديهم إما يتوفرون على هواتف محمولة أو حواسيب، ولكن بعد أن كانوا لا يجدون شيئا من ذلك في المدرسة، حاولت أن أعزز التجهيزات الموجودة في المؤسسة، بشراكات مع جمعيات محلية ووطنية التي أحضرت لنا حواسيب وطابعات وآلات للمسح الضوئي (سكانير)، وآخر شيء حصلنا عليه، كان من شركة مواطِنة، اطلعت على المجهودات التي تقوم بها المؤسسة، من خلال صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، فمدتنا بسبورة تفاعلية من الطراز الرفيع، وهو آخر ما يوجد في الأسواق في السبورات التفاعلية، والحمد لله. وهذا زاد من عطاء المؤسسة وأعطى حلة جديدة للدروس وطريقة جديدة ومتميزة لتقديمها. وعملنا مع المنسقية الإقليمية لـ"لـ"Génie" (برنامج لوزارة التربية الوطنية لإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال في منظومة التربية) التي تشجع كل المبادرات. وقد فتحت الوزارة مسابقة لحصول المؤسسة على حقيبة متطورة من اللوحات الرقمية...
شركة مواطِنة اطلعت على المجهودات التي تقوم بها المؤسسة، فمدتتا بسبورة تفاعلية من الطراز الرفيع
وحصلتم على هذه الحقيبة؟
بالفعل، المؤسسة شاركت ببطاقة تقنية وقدمت تصورا للعمل بهذه اللوحات الإكترونية...
هل أصبح التلاميذ لديكم يتوفرون الآن على لوحات إلكترونية؟
هذه الحقيبة متكاملة فيها 10 لوحات إلكترونية بالنسبة للتلاميذ ولوحة لمسية للأستاذ. هذه اللوحات لا يحملها معهم التلاميذ إلى بيوتهم، فهي تبقى في القسم وفي المؤسسة. وعندما يكون هناك تقويم أو تمرين أو شيء يستدعي ذلك نستعملها. فاللوحة الإلكترونية ليست دائما حاضرة في الفصل، وليست هناك حصة من البداية إلى النهاية باستعمال اللوحات اللمسية ولكن نستعملها عندما تكون لها قيمة مضافة أو مفهوم نريد تقديمه واللوحة يمكن أن تعزز فهم التلاميذ في ذلك. فهذه اللوحات الرقمية يمكن أن تساعد على وضع تمرين فيه 20 سؤالا مثلا، وتمكّن الأستاذ من أن يعرف هل التلميذ تمكن من كفاية معينة أو لم يتمكن من ذلك. لأنه مباشرة بعد إجابة التلاميذ، تكون الأجوبة مجمّعة لدى الأستاذ ويعرف الخطأ الذي يتكرر، والأخطاء التي يقع فيها التلاميذ كثيرا. ومن هذا المنطلق، يعرف الأستاذ الأمور التي يمكن أن يشتغل عليها فيما بعد كدعم. فعندما أقوم بدرس بالاستعانة بهذه اللوحات، أعرف بأن 70 في المائة من التلاميذ مثلا لم يضبطوا بعد كفاية معينة أو لم يحصلوا على هذا المفهوم أو لم يتضح لهم هذا الأمر وعندما أقوم بالدعم أركز على المسائل التي لم يفهموها جيدا أو لم تفهمها الأغلبية في القسم. وإذا كانت هناك مجموعة صغيرة لم تفهم مفهوما معينا أجعلهم على شكل مجموعة وأقدم لهم تمارين تعزز ذلك المفهوم وتساعدهم على الفهم أكثر...
وهل المدرسة مرتبطة حاليا بشبكة الأنترنت؟
للأسف، بالنسبة لقضية الأنترنت، كانت منسقية "جيني" قد بذلت مجهودا بتنسيق مع أكاديمية سوس ماسة درعة وتم مجهود مشكور من خلال تزويد المؤسسة بأنترنت عالي الصبيب باستعمال صحن، أي الأنترنت عبر القمر الاصطناعي، ولكن ربما انتهت مدة الشراكة التي تمت مع إحدى المؤسسات التي تشتغل في هذا المجال مع الوزارة. ولم يبق هناك ربط بالشبكة، وصراحة جميع الأنشطة التي تتم بواسطة الربط بالأنترنت تكون من خلال وسائل شخصية، من خلال هاتف الأستاذ أو هاتف الإدارة. المهم ندبر هذه المسألة وهناك جمعيات، مشكورة جدا، أتت إلينا واقترحت مد المؤسسة بالأنترنت، من خلال التعامل مع شركة تزود المنطقة بصبيب الأنترنت. وهذه الجمعيات مستعدة للعمل على هذا المجال وفي نفس الوقت تفكر في مسائل أخرى. وسبق أن قامت بأعمال في هذا المجال من خلال تزويد المؤسسسة بحواسيب وغير ذلك ويقول القائمون عليها بأن مؤسسة تقوم بخدمات لا توجد في وسط حضري لا يمكن ألا يكون فيها ربط بشبكة الأنترنت، مع العلم أننا نعيش في قرن لا يمكن فيه لمؤسسة أن تستغني على الأنترنت، لأنه في أي لحظة يمكن أن نحتاجها للتواصل أو البحث أو أي شي آخر مفيد.
نتوقف الأن عندك، أنت أستاذ شخصيا، هل أنت ابن المنطقة؟ أين درست؟
أنا من مواليد سنة 1982 بمركز أنزي، وهي منطقة شبه حضرية تبعد عن المدرسة التي أشتغل بها بحوالي 20 كيلومترا. تلقيت التعليم الابتدائي بمركز أنزي في مجموعة مدارس عبد المومن، وبهذه المناسبة أقول إن ماوصلت إليه كان بفضل أساتذة تلقيت تعليمي لديهم. فقد علمونا وعودونا على الابتكار وعلى البحث عن مسائل بديلة وأن نعتمد أحيانا على مسائل ذاتية ولا ننتظر دائما أن يأتي كل شيء من الغير، ولكن أن نحاول أحيانا أن نسخّر ما لدينا، على أساس أن تكون لدينا بدائل ولا نتوقف ونستمر في السير قدما، مهما افتُقدت الوسائل، بل نحاول أن نخلقها ونحاول نحن أن نعزّز ما لدينا بمسائل في محيطنا...
واستمر مسارك الدراسي...
بعد التعليم الابتدائي، انتقلت إلى إعدادية أنزي التي أصبحت الآن ثانوية، وهي الثانوية التأهيلية محمد الجازولي والتي لا أنسى كذلك فضلها وفضل الأساتذة الأكفاء فيها في تكوين شخصيتي. ثم انتقلت إلى ثانوية المسيرة الخضراء الموجودة في مدينة تزنيت التي تبعد عن مسقط رأسي بـ45 كلم، وهناك حصلت على شهادة الباكلوريا بميزة مستحسن، والتي تعلمت فيها الكثير، حيث لأول مرة كانت لدينا مدة حول التكنلوجيا...
وما هي الشعبة التي كنت تدرس فيها؟
شعبة العلوم التجريبة، وحصلت على الباكلوريا في 2001، ومباشرة بعد ذلك، تقدمت بملفي إلى مجموعة من المؤسسات التعليمية في مختلف أنحاء المغرب، وقُبل ملفي في مجموعة من المؤسسات، واجتزت امتحانا في المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية في الرباط وبعض المؤسسات لم أتمكن من الالتحاق بها نظرا لأنها تطلب شعبا أخرى ونقط عالية جدا، مثل المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير... وقبلت في المدرسة الوطنية لتكوين الأطر التمريضية في أكادير واجتزت الامتحان الكتابي والشفوي، مثل ما وقع لي مع المدرسة الوطنية للصناعة المعدنية، وقبلت في لائحة الانتظار ولكن لم تتم المناداة علي إلا بعد أن تسجلت في مدرسة تكوين المعلمين والمعلمات بمركز مدينة تزنيت. وهناك قضيت عامين في التكوين، وفي 2003 تعينت في مجموعة أبي الحسن الإلغي كما سبقت الإشارة إلى ذلك. وقد تسجلت في الجامعة في شعبة العلوم الاقتصادية، حيث قضيت أقل من شهر هناك مواضبا على الدروس، لكن لايمكن الجمع بين الدراسة في الجامعة والتكوين في المركز، وكان علي سحب شهادة الباكلوريا الأصلية لتقديمها إلى المركز، وإلى حدود الساعة أقوم بمجهودات لمتابعة الدراسة الجامعية، لكن للأسف وجدنا صعوبات، أنا ومجموعة من الأساتذة من جيلي، لأننا لا نتوفر على شهادة باكلوريا جديدة، وطلباتنا ترفض لأن شهادة الباكلوريا لدينا قديمة للأسف...
بالعودة إلى تلاميذك الآن، ألا تلمس صدمة حداثة لديهم، هم المنتمون إلى عالم قروي جبلي وفجأة ينفتح أمامهم عالم للأحلام؟ كيف تجد تجاوبهم مع طريقتك؟
بالعكس، هؤلاء التلاميذ الذي أدرسهم من المستوى الثاني إلى المستوى السادس هم على احتكاك، سواء في منازلهم أو في مؤسستهم، مع هذه التكنلوجيا. ليس لديهم أي مشكل نهائيا. مثلا في السنة الماضية، اشتغلت على مشروع للتواصل بموازاة مع الدروس العادية للمؤسسة...
أي مادة تدرسها تحديدا؟
أنا أدرس اللغة الفرنسية بالدرجة الأولى، ولدي تكوين مزدوج، حيث يمكن أن أدرس بالعربية أيضا، ولكن هذا العام أدرس الرياضيات والفرنسية، كما العام الماضي.
نعود إلى التواصل...
هو التواصل مفروض لأن هناك حصص خاصة به، ولكن هناك مشروع مستقل له امتدادات في القسم. والمشروع الذي عملنا عليه هو مشروع "classroom online" (الفصل على الشبكة)، حيث فتحت المؤسسة قنوات تواصل مع مؤسسات من مختلف أنحاء العالم، انطلاقا من تجربة وطنية. فتواصلنا مع مؤسسات في المغرب، في تزنيت، سطات ووجدة، حيث تواصلنا مع أساتذة مهتمين بهذا المجال، وخلقنا صلة وصل مع المؤسسة وتلك المؤسسات، حيث يتواصل التلاميذ بينهم، عبر المحادثة الآنية بالصوت والصورة، والتلاميذ يطرحون أسئلة على زملائهم ويجيبونهم ويرونهم ويقدمون لهم أشياء ويظهرون لهم صورا ويعرضون ما أعدوه على حواسيبهم ويتشاطرون العروض التي أعدوها، فيتم تلاقح بينهم وبين تلاميذ منطقة أخرى. وهذا طبقناه مع مؤسسات خارج البلاد، بتنسيق مع المديرية الإقليمية بطبيعة الحال، وتحديدا مع المنسقية الإقليمية لبرنامج "Génie" التي هي الحاضنة لهذا الإدماج للتكنلوجيا والاتصالات والمعلومات في المنظومة التعليمية.
في هذا التواصل، يتعرف التلاميذ على ثقافات جديدة وتقاليد بلدان أخرى، وقبل التواصل مع تلاميذ دولة أخرى يقدمون عرضا عن بلدهم المغرب وثقافتهم، وفي نفس الوقت، يقدم التلاميذ من الضفة الأخرى مسائل متعلقة ببلدانهم، كالعلم الوطني والنشيد الوطني، الذي نبدأ به وننتهي به، بعد نقاش مفتوح، يضحك فيه التلاميذ بينهم ويحكون طرائف أو معلومات عامة أو أحاجي أو نكات أو ما شابه ذلك، في جو تربوي بطبيعة الحال، بإشراف أساتذتهم ولا يخرج كل ذلك عن ما هو تربوي.
في هذا الإطار، قمنا بنشاط وُصف بـ"المتميز"، من طرف الإخوة الأساتذة ومن يتابعون أنشطة المؤسسة، وهو أننا نظمنا نشاطا تهييئيا لتلاميذ المستوى السادس بحكم أنهم كانوا في العام الماضي مقبلين على الامتحان الإشهادي، حيث كان لي تواصل مباشر مع الأستاذ محمد حبيب، وهو أخصائي اجتماعي ومربي متخصص، وهو موجود في مدينة الرباط. وتطوع أن يقدم لنا حصة تهييئية للتلاميذ عن طريق المحادثة الآنية بالصوت والصورة وفعلا تفاعل معهم وكأنه حاضر معنا والتلاميذ خرجوا من القاعة متحمسين لأنه أعطاهم نفسا جديدا ودفعة بعد أن قدم لهم نصائح ذهبية.
تواصلت شخصيا مع أكثر من 30 أستاذ من مختلف دول العالم ليوجهوا رسالة مباشرة إلى تلاميذنا
وبالنسبة لتجربة التواصل مع العالم، في حفل لنهاية السنة نظمناه في نهاية السنة الدراسة الماضية، كان الآباء حاضرين ولم نتوقع حضورهم بذلك العدد. وكنا قد خصصنا للتلاميذ مفاجأة وهي أنني تواصلت شخصيا مع أكثر من 30 أستاذ من مختلف دول العالم، من الهند والسعودية والصين واليابان وغواتيمالا ومن أي دولة يمكن أن تقع على بالكم، على أساس أن يوجه هؤلاء الأساتذة، الذي يدرّسون إما الإنجليزية أو المعلوميات في بلدانهم، رسالة مباشرة إلى تلاميذنا في العالم القروي، في هذه المنطقة البعيدة عن الوسط الحضري، لتشجيعهم بقولهم لهم: أنتم تقومون بعمل جبار ومجهوداتكم قيمة ونتتبعكم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ونريد أن تصلوا إلى أبعد مدى. وهذا أعطاهم شحنة، ما شاء الله، وأباؤهم انبهروا بحكم أنهم رأوا أستاذا من غواتيمالا، مثلا، يوجه رسالة خاصة ويخاطبهم: أنتم تلاميذ مؤسسة الجيل الجديد في المنطقة الفلانية وفي مديرية تزنيت... وتلاميذ مؤسستنا يوجدون الآن، والحمد الله، في جامعة الأخوين وهم أطر وأساتذة للتعليم الابتدائي ودائما يعودون ويشكرون المؤسسة، سواء من خلال التواصل معم أو التفاعل مع أنشطة المؤسسة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الهاتف أو "الواتساب"...
تلاميذ مؤسستنا يوجدون الآن في جامعة الأخوين وهم أطر وأساتذة للتعليم الابتدائي
بعد هذا التشريف الملكي، لم يتصل بكم أحد أو اتصلم بأحد لحل مشكل الربط بالأنترنت على الأقل؟
في الحقيقة، لم نلوح بمشكل الأنترنت ولا نعرف توجه الوزارة في هذا الشأن، ولكن إذا لم يحصل حل في القادم من الأيام، سنربط الاتصال بجمعية أعربت عن استعدادها لمساعدتنا في إيجاد حل لهذا المشكل.
لا يمكن أن أعلم تلميذا ولا يجد غدا مكانه في العالم بل يجب أن نقوم بهذا العمل كما لو أننا ندرسه في المستقبل
والمهم، أكثر من هذا كله، هو أن ما نقوم به هو أن نمكن التلميذ من كفايات القرن الحادي والعشرين، وليس هدفنا أن نعلم التلميذ أن يقرأ ويكتب ويحسب فقط. لا يمكن أن أعلم تلميذا ولا يجد غدا مكانه في العالم، بل يجب أن نقوم بهذا العمل كما لو أننا ندرسه في المستقبل...