أفاقت الخرطوم، مجددا، اليوم الاثنين، على هدير الطيران الحربي والانفجارات، رغم موافقة طرفي النزاع على تمديد إضافي للهدنة، في وقت حذرت الأمم المتحدة من بلوغ الوضع الإنساني "نقطة اللاعودة"، وأعلنت إرسال مبعوث إلى المنطقة، لمحاولة الوقوف على ظروف ملايين الأشخاص العالقين وسط القتال.
وأفاد شهود عيان في الخرطوم أن سكانها استيقظوا، اليوم الاثنين، على هدير "الطائرات المقاتلة"، في حين تحدث آخرون عن سماع أصوات انفجارات وإطلاق رصاص، في مناطق مختلفة من العاصمة، التي يناهز تعدادها خمسة ملايين نسمة.
وأتى ذلك بعد ساعات من إعلان الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، موافقتهما على تمديد وقف لإطلاق النار كان من المقرر أن ينتهي، منتصف ليل الأحد الاثنين (22:00 ليل الأحد ت غ). إلا أن الهدنة الأخيرة بقيت هشة كغيرها من محاولات التهدئة، التي تم التوافق عليها، منذ اندلاع النزاع بين الحليفين السابقين، في 15 أبريل، والذي أغرق السودان في فوضى حصدت مئات القتلى، ودفعت عشرات الآلاف للمغادرة.
ويرى الخبراء أن اتفاقات وقف النار تهدف، خصوصا، إلى ضمان أمن طرق إجلاء الرعايا الأجانب، والسماح بمواصلة بعض الجهود الدبلوماسية، التي تقودها أطراف خارجية، في ظل رفض القائدين العسكريين التواصل، بشكل مباشر.
ويبدو أن كل محاولات الحل تصطدم بصراع النفوذ الشخصي بين البرهان، ودقلو المعروف بحميدتي، واللذين أطاحا معا، عام 2021، بشركائهما المدنيين، بعدما تقاسما السلطة معهم، منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، عام 2019.
ودقت الأمم المتحدة جرس الإنذار من تحول الوضع إلى مأساة إنسانية؛ حيث قال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الأممية، ستيفان دوجاريك، إن "الأحداث في السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين"، مبديا "قلقه الكبير".
وأضاف أن الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، قرر أن يرسل "فورا إلى المنطقة"، رئيس الوكالة الإنسانية للمنظمة الأممية، مارتن غريفيث، "في ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية في السودان".
وأكد غريفيث أنه في طريقه إلى المنطقة، "لدراسة كيف يمكننا أن نقدم مساعدة فورية"، معتبرا أن "الوضع الانساني يقترب من نقطة اللاعودة"، في بلاد كانت تعد من الأكثر فقرا في العالم، حتى قبل تفجر النزاع الأخير، محذرا من أن النهب، الذي تعرضت له مكاتب المنظمات الإنسانية ومستودعاتها، "استنزف غالبية مخزوناتنا".
وأدت المعارك إلى مقتل ما لا يقل عن 528 قتيلا و4599 جريحا، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السودانية، أول أمس السبت، في حصيلة يرجح أن تكون أعلى.
ومع دخول النزاع أسبوعه الثالث، تمكنت اللجنة الدولية لـ"الصليب الأحمر"، أمس الأحد، من إيصال أول شحنة مساعدات إنسانية عن طريق الجو، وذلك إلى مدينة بورتسودان، الواقعة على مسافة 850 كلم إلى الشرق من الخرطوم.
وأوضحت اللجنة أن الشحنة "ضمت معدات جراحية لدعم مستشفيات السودان ومتطوعي جمعية "الهلال الأحمر" السوداني، الذين يقدمون الرعاية الطبية للجرحى، الذين أصيبوا خلال القتال"، إلا أنها لن تكفي سوى لمعالجة "1500 جريح".
وأدت المعارك إلى نزوح داخلي وخارجي؛ حيث انتقل 75 ألف شخص إلى مناطق أخرى في السودان، حسب تقديرات الأمم المتحدة، فيما عبر 20 ألفا على الأقل نحو تشاد، وستة آلاف نحو جمهورية إفريقيا الوسطى، وغيرهم إلى إثيوبيا وجنوب السودان.
وأبدت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين خشيتها من أن تدفع المعارك لفرار ما يصل إلى 270 ألفا نحو تشاد وجنوب السودان.
وتطال الاشتباكات 12 من الولايات الـ18 في السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة.
ويضطر سكان العاصمة غير القادرين على مغادرتها إلى الاحتماء من إطلاق النار والقصف، لكنهم يواجهون ظروفا تزداد صعوبة، في ظل انقطاع الكهرباء، وشح المواد التموينية والمياه والوقود.
ومنحت السلطات المحلية في الخرطوم موظفي القطاع العام "إجازة، حتى إشعار آخر"، بينما تؤكد الشرطة أن عناصرها ينتشرون للحؤول دون أعمال النهب.
وباتت غالبية المستشفيات خارج الخدمة، في حين تواجه تلك التي لا تزال تعمل، وضعا "لا يمكن تحمله"، بسبب نقص التجهيزات، وفق ما قال لوكالة "فرانس برس" مجذوب سعد إبراهيم، وهو طبيب في مدينة الدامر شمال الخرطوم.
وعلى مدى الأيام الماضية، أجلت العديد من الدول الغربية والعربية رعاياها، توازيا مع جهود دبلوماسية، سعيا للحل.
ومن المقرر أن تعقد الجامعة العربية، اليوم الاثنين، اجتماعا على مستوى السفراء، بناء على طلب مصر، للبحث في الأوضاع. كما أعلنت منظمة التعاون الإسلامي عقد اجتماع "طارئ" للجنتها التنفيذية، بعد غد الأربعاء، في جدة، بطلب من السعودية.
وتم، أمس الأحد، عقد اجتماع بين وزير الخارجية السعودي، فيصل بين فرحان، وموفد للبرهان، بينما تواصل الأخير هاتفيا مع نائب رئيس دولة الإمارات، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان.
وبحسب خبراء، تعد الإمارات أقرب إلى دقلو، الذي سبق لها أن دعمته.
ووفق مركز "كارنيغي" الشرق الأوسط للأبحاث، فإنه "كلما تمكن دقلو من الحفاظ على مواقعه في الخرطوم، كلما أصبح تأثيره أكبر على طاولة المفاوضات".
وكان دقلو قائدا لميليشيات "الجنجويد"، التي شكلها البشير، لدعم قواته في الحرب الدامية، التي شهدها إقليم دارفور (غرب)، اعتبارا من عام 2003، في مواجهة متمردين ينتمون إلى أقليات إثنية. وتطورت هذه المجموعات لاحقا إلى قوات الدعم، التي أنشئت رسميا، في عام 2013.
وبحسب الأمم المتحدة، قتل زهاء 100 شخص، منذ الاثنين الماضي، في غرب دارفور؛ حيث الوضع "خطير"، وفق المنظمة الدولية.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة من أن "القبائل تسعى للتسلح" في المنطقة؛ حيث تتزايد أعمال النهب والتدمير وإضرام الحرائق، بما في ذلك داخل مخيمات النازحين، بحسب منظمة "أطباء بلا حدود"، التي اضطرت إلى "وقف كل أعمالها تقريبا، في غرب دارفور"، بسبب العنف، حسب ما ما أفاد به نائب مدير المنظمة في السودان، سيلفان بيرون.