أوضح مرصد العمل الحكومي أن "تدبير الحكومة لاتفاق الحوار الاجتماعي، أوجد أزمة حقيقية في صفوف النقابات الأكثر تمثيلية، فعدم تحقيق نتائج الحوار الاجتماعي وتخلف الحكومة عن الالتزام بوعودها سواء الانتخابية أو المتضمنة في التصريح الحكومي أو اتفاق 30 أبريل، وتداخل مساحات وحيز العمل النقابي مع العمل الحكومي، خاصة في ظل تقارب عدد من النقابات مع مكونات الأغلبية الحكومية، دفع بشكل كبير إلى إفقاد النقابات قدرتها على التأطير وعلى الفعل الحاسم داخل الصف العمالي".
وسجل المرصد في ورقة رصدية بعنوان "الاحتقان الاجتماعي.. التدبير الحكومي على المحك"، أن "هذا الوضع المأزوم للشركاء الاجتماعيين، دفع إلى تبلور شكل جديد من أشكال تأطير الحركة العمالية، من خلال تنسيقيات متعددة، تعمل خارج النقابات وتدفع بأشكال احتجاجية أكثر زخما وأكثر قدرة على استقطاب الفئات العمالية، وهو ما أوجد مشكل تمثيلية خاصة في ظل رفض الحكومة الحوار المباشر مع هذه التنسيقيات بمبرر غياب الشرعية القانونية عنها".
وذكر المصدر نفسه، أن "بروز أزمة إضراب التعليم جاءت كمظهر للتدبير الارتجالي لإخراج النظام الأساسي لموظفي هذا القطاع، بالإضافة إلى التدبير المرتبك للأزمة و دفعها نحو التصاعد ومزيد من التوتر، فالحكومة وبعد أن اعتمدت مقاربة تشاركية في أغلب مراحل التفاوض على هذا النظام فضلت عزل النقابات عند لحظة اخراج هذا النظام إلى حيز الوجود و جعلتها أمام صيغة غير متوافق عليها، تتضمن عدد من البنود الصادمة لرجال ونساء التعليم وخالية من أي تحفيز مادي حقيقي كما كانت تبشر به، وهو ما خلق حالة رفض عارم لهذه الصيغة و للمرسوم المؤطر لها لدى جل فئات موظفي التعليم، وجعل النقابات في موقف اتهام وشبهة التعاون مع الحكومة ضد مصالح الشغيلة".
ولفتت إلى أن "تدبير الأزمة الناشئة على صدور مرسوم النظام الأساسي لموظفي التعليم من طرف حكومة ابتدئ بتعنت واضح وبسياسة فرض الأمر الواقع، ما جابهه ردة فعل قوية من طرف الشغيلة التعليمية بعيدا عن النقابات، التي وجدت نفسها في تباين بين مختلف مكوناتها، بين من أيد الاضراب وحمل الحكومة مسؤولية ما يقع، وبين من دعا الشغيلة التعليمية الى تعليق الاضراب والعودة الى الأقسام، تدبير الحكومة المرتبك لهذا الملف لم يتوقف عند هذا الحد بل واصلت رفضها لأي حوار في ظل استمرار الإضراب، وهو ما عبرت عنه من خلال الخرجتين الإعلاميتين غير المحسوبتين لوزيرين من أعضائها وخاصة وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي كانت تصريحاته في أحد البرامج الحوارية كصب الزيت على النار، وهو ما أجج الاحتجاجات ووسع من رقعتها الجغرافية ومن أشكالها".
ونبهت الورقة إلى أنه "بعد كل هذا الهدر الزمني الكبير وسياسة فرض الأمر الواقع التي مارستها الحكومة في تدبيرها لهذا الملف الحساس، أيقنت الحكومة بضرورة فتح حوار جديد مع النقابات، حيث دعا عزيز أخنوش إلى حوار جديد مع النقابات يوم الاثنين 27 نونبر 2023، في محاولة جديدة لتطويق الازمة، لكن هذه الدعوة يبدو وأنها تواجه مشاكل عديدة خاصة أمام إعلان التنسيقيات عن رفضها لأي مخرجات لا تكون هي طرف فيها".
ودعا المرصد إلى "الإسراع بإخراج قانون النقابات، كإطار قانوني ديمقراطي يسمح بتجاوز الأزمة الحالية للنقابات، ويفتح الباب أمام تمثيلية حقيقية للشغيلة، بما يضمن انخراط وانصهار مختلف الأشكال التأطيرية الموجودة حاليا(التنسيقيات)، ويقطع مع الممارسات اللاديمقراطية التي تسود العمل النقابي حاليا والتي تضرب في العمق مصداقية النقابات كشريك اجتماعي رئيسي وأساسي في العملية التنموية التي تعيشها البلاد".
وطالب بـ"تجميد مرسوم النظام الأساسي لموظفي التعليم وإيجاد الصيغ المناسبة لإشراك التنسيقيات التعليمية إلى جانب النقابات الأكثر تمثيلية في الحوار باعتبار أنها المتحكمة الرئيسية في الحركة الاحتجاجية".
ودعا إلى "التزام الحكومة بتنفيذ مختلف التزاماتها المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2023، بما يقوي موقع النقابات ويعيد الاعتبار لأدوارها كشريك وكممثل موثوق للشغيلة المغربية".
وأكد على ضرورة "تبني الحكومة لخطة تواصلية أكثر قدرة على النفاذ إلى المجتمع والتخلي عن لغة التصادم التي ينهجها بعض وزرائها، وتكثيف الحملات التواصلية حول مختلف البرامج الإصلاحية، وفرض واجب حضور وزرائها لجلسات البرلمان والإجابة عن الأسئلة النيابية الخاصة بكل وزير حسب القطاع الذي يشرف عليه".