قبل أربع سنوات، ظن مصطفى طربوني أن ابنة شقيقته جنى، البالغة حينها ثلاث سنوات، في طريقها لتمضية إجازة مع والدها في المغرب، ليكتشف لاحقا أنها في سوريا، حيث يبحث عنها اليوم بين الخارجين من أرض "خلافة" تنظيم الدولة الإسلامية.
وبعد إعلان قوات سوريا الديموقراطية دحر التنظيم من آخر بقعة كانت تحت سيطرته في شرق سوريا، يأمل طربوني أن يجد الطفلة في مخيم الهول (شمال شرق) الذي يضم الآلاف من نساء وأطفال الجهاديين. ويأمل التعرف إليها بعدما باتت في عامها السابع من خلال وحمة موجودة في أعلى فخذها.
ويقول طربوني (49 عاما) في مدينة القامشلي لوكالة فرانس برس "النداء الذي أوجهه من هنا، على بعد مائة كيلومتر من المخيم، هو أنه بات بإمكان الدولة الفرنسية أخيرا التدخل وإعادة جنى إلى بلدها".
ويحمل هذا الفرنسي-المغربي القادم من وسط فرنسا حيث يعمل في مجال حماية الأطفال، ملفا ضخما يتضمن الكثير من الصور والمستندات الشخصية الخاصة بجنى، لعرضها أمام المسؤولين في الإدارة الذاتية الكردية.
ويوضح "لدي كل المستندات المطلوبة: بطاقة الهوية، إيصال جواز السفر، وثيقة الولادة وكل الصور التي يمكن أن تثبت هوية هذه الطفلة".
ويبدو طربوني واثقا من إمكانية العثور على جنى. ويؤكد، من دون أن يكشف مصدره، أنها "شوهدت خلال شهر يناير في شوارع الشعفة" التي سيطرت عليها قوات سوريا الديموقراطية مطلع العام بعد أن انتزعها من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في ريف دير الزور الشرقي.
وأبلغت والدة الطفلة بعدما ساورها القلق من عدم عودة ابنتها، القضاء الفرنسي الذي أبلغها بدوره أن ليرو وزوجته الجديدة جيهان مخزومي، اللذين كانا يقيمان في بلدة فيلفونتين في جنوب شرق فرنسا، ذهبا إلى سوريا واصطحبا معهما جنى وأطفالهما الثلاثة، وبينهم رضيع (شهر ونصف).
وتوفي لورو الذي أطلق على نفسه اسم زايد بعد اعتناقه الإسلام، خلال المعارك التي شهدتها منطقة تدمر (وسط) في العام 2015، وفق طربوني.
ولدى عودتها إلى فرنسا في نهاية العام 2016، اعتقلت السلطات الفرنسية جيهان مخزومي في مطار رواسي.
ويقول طربوني بحسرة "لقد عادت مع أطفالها الثلاثة، لكنها اختارت التضحية بابنة أختي".
ويعرب عن اعتقاده بوجود جنى حاليا برفقة سيدة ليبية مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية.
ويوضح أنه استقى معلوماته من صحافيين يتابعون ملف الفرنسيين الموجودين في سوريا ومن شهادات زوجات جهاديين عدن إلى فرنسا.
ويؤوي مخيم الهول حاليا أكثر من 6500 طفل يتحدرون من مقاتلين أجانب في صفوف التنظيم. وتطالب العديد من المنظمات الدولية مؤخرا، خصوصا منظمة الأمم المتحدة لطفولة (يونيسيف)، بإعادتهم إلى بلدانهم "في أسرع وقت ممكن".
وأقدمت باريس منتصف الشهر الحالي وللمرة الأولى على استعادة خمسة أطفال يتامى من سوريا. ولا تستبعد السلطات الفرنسية إمكانية إعادة أيتام آخرين، لكنها تقول إنها تدرس كل ملف على حدى.
وتطلب السلطات الكردية التي يشكل ملف الجهاديين الأجانب وعائلاتهم عبئا ثقيلا عليها، "الضوء الأخضر" من وزارة الخارجية الفرنسية، وفق طربوني، تمهيدا للسماح له بزيارة مخيم الهول. وتقدم محاميه أمس الاثنين بطلب في هذا الصدد إلى الوزارة.
ويسعى خال جنى جاهدا مع العائلة منذ سنوات، دون كلل أو ملل، للعثور عليها. ويتنقلون من وزارة إلى أخرى في فرنسا لحث السلطات على التدخل.
وتواصلت العائلة كذلك مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إحدى المنظمات التي تعمل على جمع شمل الأطفال المنفصلين عن ذويهم، من دون التوصل إلى أي نتيجة.
ويقول "لا تزال الأمور تراوح مكانها منذ ما يقارب خمس سنوات"، لكن "عندما شاهدت عودة الأطفال الخمسة، قلت "حان الوقت للتحرك، لا يجب أن ندع الأمور تطول أكثر".
ويضيف "كل ما أطلبه (..) هو مساعدة بسيطة من الحكومة" الفرنسية.
وردا على سؤال لوكالة فرانس برس، رفض مسؤول في هيئة العلاقات الخارجية في الإدارة الكردية التعليق على الموضوع.
وتشكل قضية الفرنسيين المحتجزين في سوريا مأزقا شائكا بالنسبة إلى باريس. وتقدم محاميان مؤخرا بشكوى جديدة إلى الأمم المتحدة لإجبار فرنسا على استعادة أطفال الجهاديين.
ويؤكد طربوني أن قضية ابنة شقيقته تشكل "رمزا للمعاناة التي يعيشها الكثير من الأطفال في المخيمات".
ويضيف "لقد حان الوقت حقا للاهتمام بهذه المشكلة".