بعد التدبير الجيد للمرحلة الوبائية الأولى، حدثت انتكاسة وصار الوضع الصحي بالمغرب مقلقا اليوم. في هذا الحوار يبسط البروفيسور أحمد غسان الأديب، رئيس قسم الإنعاش والتخدير بمستشفى الأم والطفل التابع للمركز الاستشفائي بمراكش، أسباب هذا التراجع، ويعرض ركائز الاستراتيجية القادرة، في نظره، على الحد من آثار الفيروس التاجي.
خلال المرحلة الوبائية الأولى، كان المغرب يسجل عددا قليلا من الحالات الحرجة والوفيات. هل هذا الأمر كان ثمرة استراتيجية واضحة ودقيقة للتكفل بالمصابين بكورونا، أم نتيجة للعدد القليل من التحليلات التي كانت تجرى؟
لما نقوم بتحليل المعطيات الخاصة بمختلف السكان، نلاحظ أنه بالنسبة إلى أول 2500 مصاب كانت نسبة الإماتة تصل إلى 7%. ويمكن تفسير هذا بالعدد المحدود للتحليلات التي كانت تجري في ثلاث مختبرات فقط. مع الـ2500 حالة التالية، انخفضت نسبة الإماتة إلى 5%، ثم إلى 2% بالنسبة للـ2500 حالة الموالية. فضلا عن هذا، واصلت هذه النسبة الانخفاض خلال شهر يونيو الماضي لتصل إلى 0.2%، وبلغ المعدل العام طيلة المرحلة الوبائية الأولى 1.5%، وهذه من بين أقل نسب الإماتة في العالم (2.4% بكوريا الجنوبية، 18% في فرنسا). ويرتبط انخفاض نسبة الإماتة بعدة آليات، أولها ارتفاع عدد التحليلات: فقد أخذنا نجري المزيد منا، وتم فتح 24 مختبرا. ولما يتم رفع عدد التحليلات، فإن نسبة الإماتة تنخفض بشكل تلقائي.
كما أكنا نتكفل بالمرضى في المراحل المبكرة من الإصابة بفيروس كورونا، بل وحتى الحالات التي لا تظهر عليها أعراض. وهذا الأمر حال دون تدفق المرضى بكثرة على الفضاءات الاستشفائية وقد استحكم بهم المرض. كما أن معرفتنا بكوفيد 19 تطورت بشكل كبير. فقد تمكنا في أقسام الإنعاش من الإحاطة بخاصياته بشكل أفضل، واعتمدنا التقنيات الأكثر ملاءمة للتكفل بالحالات الحرجة(...)
لقد حسنا من مستوى بروتوكول التكفل، ما أدى إلى انخفاض مهم في نسبة الوفيات، والأرقام هنا واضحة: مثلا في أقسام الإنعاش بمراكش انخفضت نسبة الوفيات بين الحالات الحرجة إلى 50% وأقل من 70% بالنسبة إلى المرضى الخاضعين للتنفس الآلي. وعلى سبيل المقارنة كانت هذه النسبة تصل في نيويورك إلى 88% وفي ألمانيا إلى 80%).
إذن أنت راض على البروتوكول العلاجي الذي اعتمدته وزارة الصحة؟
طبعا. لقد أثبت البروتوكول العلاجي (المعتمد على "الهيدروكسيكلوروكين والأزيترومسين) نجاعته. ومنحنى نسبة الإماتة ظل يتجه نحو الارتفاع في أغلب البلدان الأوروبية وخاصة منها تلك التي لم تعتمد مثل هذا البروتوكول. بالمقابل، في البلدان التي اتبعته مبكرا – مثل المغرب والجزائر والكونغو والسينغال- كان هذا المنحنى يميل إلى الارتفاع قبل يتجه نحو الانخفاض بشكل كبير(...)
في نظرك ما الذي حدث حتى وصلنا إلى ما نحن عليه في المرحلة الوبائية الثانية؟ هل يتعلق الأمر بخطأ في التدبير أم أن ما جرى تطور طبيعي في الوضع الوبائي؟
الأمر له علاقة برفع الحجر الصحي، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المرحلة سبقها استئناف بعض النشاطات الصناعية التي سجلنا فيها عدة بؤر. وهذه البؤر عقدت الأمور أكثر لأن جل المصابين فيها كانوا من دون أي أعراض. ثم هناك عيد الفطر، وتجمعاته التي أذكت انتشار الفيروس. وحتى في هذه الفترة، لم تظهر حالات حرجة للغاية لأن مثل هذه الحالات لا تظهر مع هذا المرض سوى بعد 14 يوما من العدوى المكثفة.
للأسف، كان الخطاب الرسمي يميل إلى الطمأنة، وقيل للناس إلى الوضع تحت السيطرة وأننا كسبنا المعركة. أعتقد أن خللا في التواصل حدث إبان هذه الفترة بالذات، جاء مناقضا للدعوات المشددة على ضرورة التقيد بالتدابير الاحترازية. تراخت الساكنة ولكن هذا ليس خطأها، بل التواصل الرسمي هو الذي لم يكن مناسبا.
هناك تفسير آخر: خلال فترة رفع الحجر الصحي، عادت المستشفيات سريعا إلى سيرها الطبيعية لتدارك كل الكوارث التي كانت تنتظرها، أي المرضى الأخرين وضحايا حوادث السير التي كانت قد اختفت تقريبا في ظل الحجر الصحي قبل أن تعود بقوة(...) والحال أنه كان يجب الاحتفاظ بالمسار الخاص بمرضى كوفيد، والمسار الخاص بغير مرضى كوفيد، لأنه لم نكن في منآى عن عودة الإصابات إلى الارتفاع. وكان من الخطأ عدم اعتماد المسارين. بعد ذلك جاء عيد الأضحى، ونشر العديد من الحاملين للفيروس، الذين لا تظهر عليه أي أعراض، كورونا في كل ربوع المملكة، وبالخصوص في العالم القروي.
ألم يكن من الأفضل إلغاء عيد الأضحى؟
بالنسبة إلي كان يجب بالخصوص التطبيع مع الوضع القائم والتأقلم معه. لقد كانت المستشفيات الميدانية تشتغل بشكل رائع، وكانت مفتوحة أمام الجميع. فحتى لما يكون المصاب بكورونا من دون أعراض، يتم توجيهه إلى هذه المستشفيات. كان يمكن اتخاذ قرار علاج الحالات التي بدون أعراض في المنزل مبكرا، بشرط مراقبة تحركات المريض عبر تطبيق "وقايتنا" الذي لم يتم توظيفه بالشكل السليم للأسف.
وهنا تكمن المشكلة حقا. فالناس، في فترة العيد، كانوا يرغبون في السفر ولقاء الأسرة وقضاء العيد بين أهلهم. ففضل العديد من الذين ظهرت عليهم الأعراض البقاء بين أهلهم، ورفضوا الخضوع للتشخيص مخافة أخذهم إلى المستشفيات الميدانية وحرمانهم من هذا العيد.
واليوم نعيش في بعض المدن تداعيات عاشوراء ونهاية العطلة الصيفية. فكل تجمع أو تحرك للناس يُؤَدى ثمنه فورا على المستوى الوبائي. لعل هذا الوضع ليس بكل هذا السوء لأنه قد يمكننا سريعا من اكتساب تلك المناعة الجماعية، ولو على سبيل الافتراض. ولكن الأهم هو الحرص على أن يظل النظام الصحي صامدا، والحد من الوفيات.
ما سبب الارتفاع الحالي المسجل في الحالات الحرجة؟
من الواضح أن السبب هو التأخر في التكفل بالحالات المؤكدة. في بداية انتشار الوباء، كانت الحالات الحرجة متحكم فيها بشكل جيد، وكانت تتشكل من المرضى المسنين الذي يعانون من أمراض أخرى. ولكن لما نسجل 1000 حالة في اليوم، فيجب أن نعلم أن 5% منها ستكون حالات حرجة.
إن العامل المشترك بين كل هؤلاء المرضى هو التأخر في تلقي العلاج. إنهم أناس تأخروا عشرة أيام لأسباب مختلفة: إما أنهم رفضوا العلاج، أو أنهم لم يرغبوا في أن ينتهي بهم المطاف في المستشفيات العمومية، أو أنهم كانوا يجهلون المسار الذي عليهم اتخاذه في بلداتهم... أو أنهم قصدوا أطباء خواص، وهؤلاء لم تكن لديهم الحرية للقيام بتشخيص كامل وعلاج المرض مبكرا.
إذن الأطباء الخواص ليسوا طرفا في التكفل بمرضى كوفيد19؟
لا، الأطباء الخواص ليسوا طرفا، بكل ما تعنيه الكلمة، في التكفل بهؤلاء المرضى. والحال أن التعاون بين القطاعين العام والخاص مفيد جدا، خاصة في أوقات الأزمات. وإذا كانت الأرقام تتحسن في طنجة، فالفضل يعود إلى الإجراءات المتخذة في إطار الحكامة المحلية. فقد تم خلق عدة لجان، وتدخل الطب العسكري، وتأهيل البنيات الاستشفائية، ولكن أيضا بفضل الأطباء الخواص الذين تم إشراكهم في التكفل بالمرضى، ولديهم رؤية واضحة: فلما يكون أمامهم مريض مشكوك فيه، يمكنهم إجراء التحليل أو توجيهه لإجرائه سريعا، ولديهم تواصل سلس مع مصالح "SAMU" للإنقاذ، كما يصفون للمرضى الدواء المطلوب ويوجهونهم إلى البنيات الصحية المعنية لتلقي العلاج. إذن في طنجة يبرهن هذا التعاون على أن الشراكة بين القطاعين الخاص والعام حل مهم جدا لتطويق هذا المرض. ويجب اعتماد هذا النموذج وتعميمه.
نلاحظ يوميا إصابة عدد من الأطر الطبية وشبه الطبية. ما هي أسباب ذلك؟
أولا، لأن مهنيي الصحة جزء من الساكنة. ولما تحدث فورة وبائية بين السكان، يصاب عدد مهم منهم. بالإضافة إلى ذلك، هذه الفئة تشتغل في وسط يتميز بدرجة عالية من الخطر. فهم أول المعرضين للعدوى، سواء من عائلاتهم، أو داخل المؤسسات الصحية أو من خلال الاختلاط فيما بينهم.
وبما أن المرض متفش في كل مكان، فإن مفهوم المستشفى الجامع لمرضى كوفيد وغير كوفيد تبدو غير مناسبة بالمرة في الوقت الحالي. ويجب التعامل مع أي شخص يأتي إلى وحدة استشفائية كحامل محتمل للفيروس. وبالتالي يجب على العاملين في هذه الوحدات التوفر على الحماية ذاتها سواء في أقسام كوفيد أو في غير كوفيد.
كان قرار السلطات الوصية بإشراك المراكز الصحية للقرب في التكفل بمرضى كوفيد19 هدفا لانتقادات واسعة من طرف مهنيي الصحة. ما رأيك فيها؟
كانت هناك مطالب بتقريب التشخيص والعلاج من الساكنة، بالخصوص من الناس الذين لا توجد بجوارهم بنيات صحية ملائمة. ولكن، وفي ظل الوضع الوبائي الحالي، تلعب هذه المراكز دورا كبيرا في التلقيح ومتابعة النساء الحوامل، وأصحاب الأمراض المزمنة، فضلا عن التكفل بمرضى غير الكوفيد. إذا أضفنا إليها المصابين بكوفيد، فسنخلق فضاءات جديدة للتجمع.
ربما يستحسن التفكير بطريقة مجالية عند إشراك تلك المراكز. مثلا إن كان لدينا في حي واحد مستوصفين، يمكن تخصيص واحد منهما للتكفل بحالات كوفيد، كما يمكن تخصيص مسار خاص بكوفيد وآخر بمرضى غير كوفيد إن كان هندسة المكان تسعف بذلك. وإذا كان هذا الأمر غير ممكن، فيمكن الاستعانة بالموارد البشرية للمؤسسات الصحية الأولية لخلق مراكز أو وضع خيام في الأحياء التي ظهرت فيها بؤر وبائية. فهذا يتيح تدبير كل البروتوكول العلاجي في عين المكان: التشخيص، وصف الأدوية والتتبع.
بما أن الاستراتيجية الحالية ضد كوفيد19 تظهر محدوديتها، هل يجب التفكير في استراتيجية جديدة في نظرك؟ وما هي ركائزها؟
إن أوجه القصور التي نقف عليها اليوم مرتبطة بتطور المرض مقارنة مع إمكاناتنا، ومرتبطة كذلك بالرغبة في مركزة كل شيء، وهذا عائق كبير. يجب أن تكون لدينا خطط على المستوى الجهوي والمحلي. فكما توجد لجان لليقظة على صعيد كل جهة، يجب دعم هذه اللجان الجهوية بلجان طبية، تتكون من أطباء ميدانيين لهم دراية بالمرض ويضبطون مسار التكفل بالمصابين حتى يتسنى لهم تبادل الأفكار والتعاون وإصدار توصيات.
يمكن لهذه اللجان، بالتعاون مع مختلف الفاعلين المتدخلين، مراقبة تطور الوباء، ورصد المشاكل واقتراح الحلول. ويمكنها أن تحدد الإجراءات التي يجب اتباعها والمسار الملائم في كل جهة على حدة تبعا للوضع الوبائي فيها. بهذه الطريقة سيعرف المرضى بالضبط الجهة التي عليهم التوجه إليها والاستفادة من التشخيص والعلاج مبكرا.
يجب أيضا إشراك هيآت الأطباء والصيادلة للحد من آثار هذا الفيروس الذي سيظل معنا على الأرجح لمدة طويلة. فحتى لو نجحنا في الحد من سرعة انتشاره، فإنه سيظل قائما بيننا، وعند أدنى تجمع سنشهد فورات وبائية. إذن يجب علينا تقبل هذا المرض الذي سيصبح "طبيعيا" وسيتم التكفل به مثل كل الامراض الأخرى. لرفع هذا التحدي على المدى الطويل، يجب أن يكون أمام المريض مسار واضح، وأن يجري التعاون الكامل بين مختلف الأطراف المتدخلة.
ترجمة
عن "تيل كيل"