في هذا الحوار يتحدث البروفيسور عبد السلام الإدريسي، الأستاذ الباحث بالمدينة الجامعية بنيويورك عن الدراسة العلمية التي يشرف عليها رفقة طبيبين مغربيين، والتي ترصد تأثيرات فيروس كورونا المستجد على الدماغ.
كما يجيب عن أسئلة "تيلكيل عربي" بشأن إمكانية إيجاد لقاح ضد الفيروس، ومدى إمكانية نجاح نظرية مناعة القطيع التي تحدثت عنها بعض الدول في بداية انتشار الوباء.
هل يمكن أن تقربنا أكثر من خلاصات الدراسة التي قمتم بشأن تأثير فيروس كورونا المستجد على الدماغ؟
هذه الدراسة التي أنجزتها رفقة البروفيسور آيت بنعلي، هو طبيب تخصص جراحة الدماغ في المستشفى الجامعي بمراكش والدكتور ياسين ياشو، طبيب تخصص جراحة الدماغ في روسيا، تتناول العلاقة بين فيروس كورونا المستجد والتهاب الجهاز العصبي المركزي.
نعرف أن فيروس "كوفيد19" يدخل للخلايا البشرية باستعماله بروتين يسمى "ايس سبيك" عبر مستقبل يسمى "الأنزيم المحول للأنجيوتنسين"، وهذا الأنزيم يلعب دورا كبيرا في ضبط الضغط الدموي.
ما هي أهمية هذه الدراسة في هذه الفترة؟
كما قلت لك هذا الفيروس جديد، ونحن نكتشف تأثيراته على أعضاء الجسم شيئا فشيئا، ومن المؤكد أن هذه الالتهابات التي يسببها على مستوى الجهاز المركزي العصبي لا تظهر بسرعة، لكن إذا ما ظهرت هذه الالتهابات، فيجب معالجة المريض على الفور بالأدوية المضادة للالتهاب، علما أن هذا الأمر محصور عند المرضى الذين يفقدون حاستي الشم والتذوق، والذين يحتاجون عناية مركزة من أجل تفادي المشاكل البعيدة المدى.
إلى أي حد يمكن تفادي تأثير فيروس كورونا على الدماغ؟
كما ذكرت سابقا، هناك مرضى يفقدون حاستي الشم والذوق، وهذا يعني أن الفيروس قد غزى الجهاز العصبي المركزي، سواء عبر الأنف أو العصب المبهم الموجود بالرئة، مما يتسبب في التهاب بسبب السيتوكينز التي يفرزها جهاز المناعة، وهذه الالتهابات قد لا تظهر أثناء استشفاء المريض من فيروس كورونا، لكنها قد تتسبب في مشاكل كثيرة على المدى البعيد مثل التصلب المتعدد والزهايمر.
إن هذه الدراسة، التي طلبنا تمويلها من وزارة الصحة الأمريكية، تقوم على تتبع تأثير الفيروس على الجهاز العصبي المركزي، حيث سيقوم البروفيسور سعيد آيت بنعلي بتتبع حالة عدد من المرضى لمدة عامين لرصد ومراقبة التغيرات التي تحدث جراء هذا الالتهاب، فيما سنقوم نحن في الولايات المتحدة الأمريكية بحقن الفيروس للفئران ونلاحظ مدى تأثيره على الجهاز العصبي المركزي.
بعض الدول اعتمدت دواء الكلوروكين لعلاج مرضى فيروس "كورونا". في نظركم، هل ما أنجز من دراسات حول فعالية هذا الدواء كاف لاعتماده؟
كما قلنا سابقا، لا يوجد الآن أي دواء فعال ضد هذا الفيروس، لكن هناك أبحاث عديدة يتم إجراؤها من أجل العثور على استعمال جديد لدواء قديم.
وبالنسبة للكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين المستعملة سابقا للملاريا له تأثير مضاد للفيروسات حيت تزيد من درجة الحموضة في أجزاء من الخلايا البشرية مما يؤدي إلى ضعف ولوج الفيروس إليها.
من جهة أخرى، فإن الكلوروكين يعطى للمرضى مع الزنك، حيث يسمح له بدخول الخلية مما يحد من تأثير الفيروس وإنقاص تضاعفه، لكن المشكل المطروح بالنسبة للكلوروكين هو عدم إمكانية إعطائه للمرضى الذين يعانون من مشاكل في القلب، نظرا لتأثيراته الجانبية التي قد تؤدي إلى الموت.
وإضافة إلى الكلوروكين، يتم حاليا العلاج بالمضادات الحيوية، خاصة "الأزيثروميسين".
وعموما، فإن الكلوروكين له تأثيرات سلبية خطيرة على مرضى القلب قد تؤدي إلى الوفاة، مما يستدعي الحذر من وصفه.
ما الذي يعيق إيجاد لقاح ضد فيروس كورونا؟
هناك دراسات كثيرة اليوم يتم إجراؤها من أجل إيجاد لقاح ضد فيروس "كورونا" المستجد. هذا اللقاح سيدرب الجهاز المناعي من أجل التعرف على فيروس "كوفيد19" ومهاجمته عند حدوث العدوى.
عموما، هناك 120 مشروعا حول العالم، حصل خمسة منها على ترخيص إجراء التجارب السريرية، علما أن التجارب السريرية تمر من أربعة مراحل، حيث يتم في المرحلة الأولى إجراء التجارب على عدد قليل من المتطوعين الأصحاء والمرضى، ثم يتم رفع العدد في المرحلة الثانية، ثم المرحلة الثالثة التي يتم فيها إعطاء التلقيح لـ3000 شخص من المرضى وغير المرضى.
أما في المرحلة الرابعة، فيتم إعطاء الدواء للناس ومراقبة ما إذا كان سيتسبب في أثار جانبية على المدى البعيد.
من خلال خبرتكم ما هي المدة الممكنة لكي يكون اللقاح في متناول جميع بلدان العالم؟
بحسب الخبراء، وخاصة الدكتور أنتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، فإنه من المرتقب إيجاد لقاح في غضون 12 أو 18 شهرا، وكما قلت هناك خمسة مشاريع حصلت على الترخيص من أجل إجراء التجارب السريرية وبدأوا تجريب اللقاح على 200 من المتطوعين، لكن ليس هناك ضمانات على أن هذه اللقاحات ستكون فعالة، ورغم ذلك هناك تفاؤل كبير في الأوساط العلمية.
بعض الدول تحدثت في بداية الوباء عما يسمى بنظرية "مناعة القطيع" هل هذا الخيار لازال مطروحا والى أي حد يمكن أن ينجح؟
لا يمكن الحديث عن فعالية "مناعة القطيع" في ظل عدم وجود لقاح، فمناعة القطيع هي مفهوم وبائي يصف الحالة التي يكون فيها السكان محصنين بما فيه الكفاية من مرض ما حتى لا تنتشر العدوى داخل المجتمع.
ولتقريب الموضوع أكثر سأعطي مثالا بمرض النكاف، الذي يعتبر مرضا معديا للغاية، لكن بفضل اللقاح أصبح شبه منعدم في الوقت الحالي.
ومعروف أن معدل انتشار فيروس النكاف يتراوح ما بين 10 و12؛ أي أن كل مصاب يمكن أن ينقله لـ10 أو 12 شخص آخر، وهذا يعني أن 5 في المائة من المجتمع فقط لم تنتقل لهم العدوى، ويمكننا زيادة هذا العدد عن طريق التطعيم، الذي يحمي الأصحاء من العدوى ويمنع نقله من المرضى.
إن مناعة القطيع فيما يخص النكاف تستدعي تحصين 92 في المائة من السكان ضد الفيروس لإيقاف انتشاره، وهذا ما يسمى بعتبة القطيع.
ومن حسن الحظ أن معدل انتشار فيروس كورونا المستجد يتراوح ما بين 3 و3,5، وهذا يعني أن حوالي 70 في المائة من السكان يجب أن يصابوا بـ"كوفيد19" ويطوروا المناعة ضده، وهذا سيناريو كارثي، إذ سيؤدي إلى موت الكثيرين، خاصة كبار السن.
وشخصيا لا أظن أن مناعة القطيع حلا واقعيا، ما لم يتم إيجاد لقاح.
ولحسن الحظ، فإن الحجر الصحي فعال ضد انتشار الفيروس، لذلك يجب أن يبقى الناس في بيوتهم قدر الإمكان.
ألا يتخوف العلماء من حدوث طفرات جينية للفيروس؟
يجب التأكيد أن كل الفيروسات يمكن أن تطرأ عليها تغييرات جينية، وبالنسبة لـ"كوفيد19" فهو يتحول بمتوسط طفرتين في الشهر، وهو معدل بطيء مقارنة مع فيروسات أخرى كالأنفلونزا.
وبمجرد ما يكتسب الشخص مناعة فيروس كورونا أو عن طريق اللقاح فمن المحتمل أن يكون محميا ضد السلالات المتداولة للفيروس.
ما رأيك في الإجراءات التي اتخذها المغرب لمواجهة فيروس "كورونا"؟
من حسن الحظ أن المغرب اختار صحة مواطنيه قبل الاقتصاد، وذلك من خلال فرض الحجر الصحي بغض النظر عن كلفته.
ويتضح أن تجربة المغرب تقوم على خمسة مبادئ هي: الاستباقية والتضامن والوقاية والمقاربة الشاملة وإعطاء الأولوية للمواطنين الأكثر هشاشة.
إن المغرب اختار حماية صحة المجتمع مما جنبه السيناريو الأسوأ، ففي أمريكا مثلا فاق عدد الموتى 70 ألف، فضلا عن أزيد من مليون مصاب.
إن الإجراءات التي اتخذها المغرب، سواء من خلال فرض الحجر الصحي، أو من خلال إنشاء صندوق تدبير جائحة فيروس "كورونا" لدعم قطاع الصحة والمقاولات والفئات الهشة كلها جعلت منه بلدا متفردا في التعامل مع هذه الأزمة.
ما الذي يجب القيام به قبل رفع الحجر الصحي؟
الحكومة المغربية، بقيادة جلالة الملك، اختارت صحة المواطنين على الاقتصاد، مما مكن من الحد من انتشار الفيروس، لكن لا يمكن أن يتم رفع الحجر الصحي بدون تدابير احترازية.
ويمكن إعادة عجلة الإنتاج تدريجيا، مع اتخاذ الاحتياطات الضرورية من قبيل النظافة الشخصية ووضع الكمامة واحترام مسافة الأمان، أما الأماكن التي يتجمع فيها الناس بكثرة كالمدارس والجامعات والمقاهي فيجب أن تكون آخر ما يتم فتحه.